الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ : الأخبار الزائفة.. صحافة صفراء قبل زمن كورونا  

جمال المحافظ : الأخبار الزائفة.. صحافة صفراء قبل زمن كورونا   جمال المحافظ 
كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن الاخبار الزائفة والبحث عن السبل الكفيلة بالتصدى لها خاصة في ظل   تفشى وباء فيروس كورونا الذى تناسلت جرائه حرب الاشاعات، وأصبحت الصحافة مهنة من لا مهنة له ولكل من هب وذب، وتصدرت جائحة كوفيد 19، ليس فقط، وسائط الاعلام ومنصات التواصل، بل استأثر باهتمام السلطات العمومية على مختلف مستوياتها خاصة الحكومية والقضائية.
 وما يتعن تذكره واستحضاره هو أن موضوع الأخبار الزائفة، ليس وليد طفرة تكنولوجيات الاتصال والثورة الرقمية، أو مرتبطا بالتشويش والتأثير على تدابير السلطات العمومية لمحاربة تفشى جائحة كوفيد 19.
فمنذ بداية التسعينات من القرن الماضى، كان ما يسمى بالإعلام التقليدى الورقى والراديو والتلفزيون، الوسيلة الرئيسية، لتلقى الاخبار والمعلومات والمساهمة في التثقيف والترفيه، وبالتالى كان لها دورا أساسيا في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، فضلا عن تعميم المعرفة والتوعية والتنوير وتبادل الآراء. 
  غير أن هذه المرحلة من تاريخ الاعلام الوطني، تميزت - فالصحفيين والسياسيين المخضرمين يتذكرون ذلك جيدا - بالممارسات السلبية التى كانت تقوم بها ما توصف آنذاك ب" الصحافة الصفراء" بنشرها من أخبار زائفة بغرض الهاء الرأي العام بقضايا بعيدة كل البعد عن انشغالاته الحيوية على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولكن يرجع الى بالأساس الى غياب التربية الاعلامية داخل المجتمع، وغياب سياسات عمومية تدرج بالشكل الكافى البعد الاعلامي والتواصلى في برامج التربية والتعليم.
   فهذه المنشورات تصدر فى غالبتها على شكل " الطابلويد" وتضاف الى أسمائها دوما " السياسي"، لم تكن تتوفر على خط تحريري واضح وطاقم صحفي مؤهل، وتمارس التعتيم والتضليل وخلق الضبابية خاصة في الصراع السياسي الاعلامي، باعتماد المثل الشعبي ( ولاد عبدالواحد كاع واحد) أو الايحاء بانه لا يوجد في القنافيد أملس، بغرض الحد من منسوب الوعي الجماهيري. كما كان يطلق عليها اسم "صحافة الرصيف والاثارة والمجارى" وتركز على مواضيع الجنس والجريمة، وتعمد الى اختلاق الأخبار، وإطلاق الإشاعات، والنهش في أعراض الناس، واعتماد أساليب الابتزاز.
كما كان هذا النوع من "الصحافة" لا يتقيد بقرينة البراءة في تعاملها مع القضايا المعروضة أما القضاء، وذلك في خرق سافر لأبسط قواعد الأخلاقيات التى تفرضها ممارسة مهنة الصحافة، حيث يزخر أرشيف النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بنماذج من هذه الممارسات التي كانت لجنة الاخلاقيات بنقابة الصحافة تحاربها وتتصدى لها خلال تلك المرحلة، وهذه قصة أخرى من قصص تاريخ الاعلام والوقائع الصحفية، يكون من المفيد تناولها لاحقا حفظا لذاكرة الإعلام الوطني وصيانتها. 
إن هذا الأمر يوضح أن سلاح الإعلام يمكن أن يوظف أيضا من طرف مناهضى الصحافة النزيهة وايضا خصوص الديمقراطية وحقوق الإنسان، بهدف الحد من الموجة الإيجابية التي سادت في بداية تسعينات القرن الماضى، إلا أنه مقابل هذه الصحوة والقوس الذى فتح خلال تلك المرحلة، كان الجميع  أمام إرهاب من نوع جديد، يمارس عن طريق الصحافة، يستعمل سلاح الشتم والسب والتشكيك ونهش الأعراض والتشويه، وهي ممارسات كانت لا تختلف في مضمونها، "عما كان يمارس في مخافر الشرطة وأقبية التعذيب خلال سنوات الرصاص" حسب تعبير يونس مجاهد الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية خلال تلك الفترة. 
 وكانت هذه " الصحف المستقلة " التي أضعها بين الأقواس، لا تمتلك من الاستقلالية سوى الاسم، يقول الكاتب الصحفي عبد الجبار السحيمى ( 1938-2012)، فهي مجرد واجهة، لجهات خفية تحركها، لتحقيق أغراض معينة، فإنني أتابعها لأعرف أحوال الطقس السياسي، ومن يحفر لمن؟
ومن يحظى بالرضا؟ ومن يحتاج إلى شد الإذن"، فضلا عن أنها " حزبية بلا تنظيم سياسي، وهي حزبية من غير انتماء عضوي، وهي حزبية متحولة ومتلونة، متحررة من الالتزام بموقف، ومع ذلك فهي ليست محايدة، ولا يوجد حياد في الحياة، يؤكد السحيمى في زاويته"بخط اليد" بجريدة "العلم" في 15 مارس 1998.  
فهذه  الصحافة - حسب الكاتب والصحفي حسن نجمي، في حوار نشرته صحيفة " الأسبوعية الجديدة" -في دجنبر 1998، لم تنجح  كذلك، في أن تفرض نفسها لا كبديل، ولا كأفق مهني...
كما أن هذه الاستقلالية التي تقول بها، لم تثبت مصداقيتها بعد، وذلك بسبب الارتباطات التي تظل قائمة وواضحة مع السلطة والرأسمال، وبؤر الفساد الإداري، مما يجعل الحاجة قائمة إلى صحافة مستقلة بالقوة والفعل".  إلا أنه على العموم استفادت "الصحافة المستقلة"، من مناخ الحرية بفضل تعديلات قانون الصحافة، ومن لحظات الانفتاح السياسي والإعلامي، ساهمت في نوع من " الحرية المحروسة " كما كتب آنذاك الأستاذ مشيشي العلمي الادريسى لدى تناوله لموضوع " تطور التشريع الاعلامي المغربي".
فعلى الرغم من ايجابية، الإجراءات والتدابير، المتخذة من لدن السلطات العمومية، على كافة المستويات الحكومية والقضائية لتطويق انتشار فيروس كورونا ومنها الاعلان عن حالة الطوارئ الصحية، فإن مواجهة ومناهضة الأخبار الكاذبة تعد مسؤولية جماعية، يقتضى أيضا توفير المعلومات الصحيحة، وتعميمها باحترافية، بالطرق التي تراعى ذكاء المغاربة، مع توفير الامكانيات المادية والمعنوية الكفيلة، وتمكين المؤسسات المهنية من الآليات القمينة بإعداد وتكوين مختصين في اعلام الأزمات، فضلا عن نشر الوعي والتربية الاعلامية، وتحسيس المواطنات والمواطنين، بأهمية الانتباه لمحتويات وسائل التواصل الاجتماعي والمعطيات التي تنشرها مع التأكد من المصادر ومصداقتها قبل نشرها وتعميمها في وسائط الاتصال.