الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

وليد التجوهي: "مول الحانوت".. صمام الأمان في محنة كورونا وغيرها...

وليد التجوهي: "مول الحانوت".. صمام الأمان في محنة كورونا وغيرها...

على مر الأزمنة والعصور، ومع كل نكبة أو محنة يمر منها العالم، إلا ويكون الانعكاس مباشرا على المجتمع ومنه إلى الاقتصاد، فيظهر الاضطراب جليا على العباد والبلاد على حد سواء. فوسط هذه السلسلة السوسيو-اقتصادية بالمغرب، يقبع "مول الحانوت"، كنظام معقد تتداخل زوايا دراسته في مجتمعنا.. فذلك الشخص الذي تتمثله المخيلة الشعبية في أغلب، إن لم نقل، جل الأحيان قادما من الأقاليم الجنوبية، أمازيغي حامل لسر التجارة وبركتها، يختزل في كنهه قيما اجتماعية، نفسية واقتصادية. فإذا ابتدأنا من هذه الأخيرة، من البديهي أنه حلقة أساسية بين المنتج وكذا الموزع من جهة والمستهلك من جهة أخرى، تارة بالتقسيط، وتارة أخرى بأنصاف الجملة، موفرا بذلك فرصة عمل أو اثنتين، ممتدا إلى أكثر، في بعض الحالات.

 

إلا أن دور "مول الحانوت"، لا يقف عند هذه البديهيات، بل يتمحور أساسا حول تلك العلاقة التي تتداخل بين ما هو اقتصادي واجتماعي، حينما يتجاوز "مول الحانوت" دوره كتاجر ومصدر لتموين الساكنة، خاصة قاطني الأحياء الشعبية، وكموفر للمواد الغذائية الضرورية وكذا الكمالية، بحيث يتعدى ذلك لتكون معاملاته متقبلتا للتساهل في الأداء، عكس مؤسسات تجارية أخرى والتي لا تحمل في قاموسها ما يصطلح عليه "بكناش الكريدي".. فلهذا الأخير ما يحمله من قيم إنسانية تجعل من الإخلاص والثقة أساسا لها، فتنفذ بصاحب الدكان إلى عوالم المساعدة الاجتماعية، ليصبح "مول الحانوت"، كاتم سرائر الحومة وأمينها، فصار من أسس الثقافة الشعبية قبل إقدام الفرد (ذكرا كان أم انثى) على الزواج، سؤال صاحب الدكان الأقرب لمحل سكنى شريكه، وكذا هو الحال قبل الإقدام على شراء المسكن، فمن أبهى حلل أمانة "مول الحانوت"، هو إقدام سكان الأحياء على ترك أغراضهم، بما فيها الثمينة منها في وديعته، وفي كثير من الأحيان يصبح ملجئ من حلت به كربة أو محنة إقراضه وفك ضيقه.

 

إذن، وبالعودة إلى القيمة الثالثة السالف ذكرها، والتي تشكل إحدى أسس فهم دور "مول الحانوت" في السيرورة المجتمعية، فهذا البعد النفسي إذن، يمكن فهمه جليا بإدراجه في سياق واقعي عملي، خصوصا ونحن على أعتاب جائحة كورونا الكونية (COVID-19)، ومرحلة بالغة الاضطراب والتوتر، يظهر جليا ذلك الدور الكبير الذي تلعبه حلقة الوصل بين المنتج والموزع، ثم المستهلك.

 

فبقراءة في الزمن الاحتمالي، مفترضين جدلا، توقف أصحاب الدكاكين عن مزاولة مهامهم، وبالتالي فقدان حلقة وصل في مسلسل تجارة المواد الاستهلاكية الأساسية، فهذا الافتراض يكون قد ضرب عندئذ حاجة بيولوجية أساسية للإنسان، فالحاجة إلى الطعام، تعد مكونا جوهريا في قاعدة هرم الاحتياجات الإنسانية. ففقدان هذا العنصر يعني تأثيرا مباشرا على سيكولوجية الفرد ومنه الى الجماعة. فما معنى إذا توفر الشخص على مال إذا لم يمكنه من توفير أبسط حاجيات الاستمرار والحياة، وبالتالي فالوضع يتحول بصفة مباشرة إلى موجات من الذعر والاحتقان. فبحسب نفس النظرية السيكولوجية "فتوقف الفرد عن عدم إشباع الحاجة الفسيولوجية ولو لفترة محددة، قد يأجج الرغبة عند إتاحتها له بأن يشبعها لكن بشكل مفرط"، ومن هنا يمكن اعتبار دور "مول الحانوت"، جوهريا في ضمان الأمن والسكينة المجتمعيين.

 

وهذا الأمر نجد له موطئ قدم في التمثل الشعبي للعيد مثلا، من خلال مقولة "نهار عيدكم، نهار جوعكم"، حيث تتزامن هذه المناسبة الدينية وعطلة أغلب أصحاب البقالة السنوية، فتكون فرصة لصلة الرحم مع ذويهم وأقاربهم، لتعيش في هذه الفترة أغلب المدن خصوصا الكبيرة منها، على إيقاع الحاجة والخصاص في مواد التموين الأساسية.

 

هذا من جهة، وبالرجوع إلى التاريخ قصد استنباط العبر، سيكون الوقوف أحداث 1981 أساسيا ومهما، بوصفها تشكل نقطة سوداء في تاريخ المغرب المعاصر، إذ تظهر من خلالها وبشكل جلي، نحو ماذا يمكن أن تنقلب الأمور، حينما يعجز المواطن عن توفير مواد التموين الأساسية لغلائها من جهة، وإضراب أصحاب البقالة ونقاباتهم من جهة ثانية. فيظهر بذلك دور "مول الحانوت"، كصمام يروم تحقيق الأمن الاجتماعي وكذا الغذائي.

 

كانت هذه إذن محاولة بسيطة، لرد الاعتبار، لجنود في الخفاء، ونحن في عز اضطراب وبائي خانق، فلكل مقام مقال، ولكل أزمة أبطال. فأبلغ ما يمكن أن يوصف به "مول الحانوت"، هو ما ورد عند الأديب الفرنسي Honoré de Balzac  حيث اعتبر أصحاب الدكاكين جيشا كبيرا، ورمزا من قيم العمل... دائمي الحضور في دكاكينهم... فهم أول من يستيقظ وأخر من ينام...

 

- وليد التجوهي، طالب سلك الاجازة في التاريخ – جامعة محمد الخامس، الرباط