الخميس 28 مارس 2024
سياسة

بعد عقدة حرب الرمال بين المغرب والجزائر عام 1963.. «معركة أمغالا» مستنقع العار الجزائري

بعد عقدة حرب الرمال بين المغرب والجزائر عام 1963.. «معركة أمغالا» مستنقع العار الجزائري بسبب ما خلفته حرب الرمال من معطوبين وجرحى وأرامل، أنشأ الملك الحسن الثاني (آنذاك) النواة الأولى للمصلحة الاجتماعية لمساعدة منكوبي الحرب

إذا كانت حرب الرمال ضد الجزائر عام 1963 قد أظهرت للمغرب الدروس الواجب استخلاصها من عثرات النشأة، فإن حرب "أمغالا" عام 1976 قادت المغرب إلى استخلاص الدروس من عثرات الثقة المبالغ فيها نحو الجزائر، خاصة وأن "أمغالا" تبعد عن الحدود الجزائرية بحوالي 380 كيلومترا.

"أنفاس بريس" تنفض الغبار عن الأرشيف العسكري وتعيد تركيب إحدى أهم إشراقات الجندي المغربي التي مازالت شبحا أسود يطارد الجزائر.

 

إذا كانت الحرب تقود ميكانيكيا إلى الدمار والقتل، فإن من مميزات حرب الرمال التي خاضتها القوات المسلحة الملكية ضد الجيش الوطني الجزائري عام 1963 وحرب "أمغالا" عام 1976، أنهما سمحتا للمغرب بصورة خاصة بتقويم أداء مؤسسته العسكرية بما يتلاءم ودورها في أن يبقى المغرب متربعا على عرش القوى الإقليمية بالمنطقة، خاصة وأن هاتين المعركتين (حرب الرمال وحرب أمغالا) هما المناسبتان اللتان تواجها فيهما الجيش المغربي مع خصمه الجزائري مباشرة، وتعرضت فيها الجزائر إلى نكسة صعب على الجيش الجزائري نسيانها - حسب المراقبين - بسبب خسارته الميدانية في الحرب الأولى وفي الحرب الثانية، وهي الخسارة التي لم يشفع فيها لا الدعم القوي الممنوح للجزائر من طرف الحلف الاشتراكي ومصر الناصرية عام 1963، ولا الأموال المتدفقة من تسويق الغاز والنفط عام 1976.

 

الدروس

ففي حرب الرمال، ورغم أن المغرب كان حديث العهد بالاستقلال شأنه شأن الجزائر، فإن تلك الحرب جعلت المغرب يستفيد من الدروس بتركيزه على تقوية خمسة مرتكزات عسكرية.

 

المرتكز الأول يرتبط بوجوب تأمين سرعة التدخل لكل وحدة عسكرية مغربية، بالنظر إلى قوة هذا العامل في إنقاذ الوحدات التي تتعرض لهجوم. أما المرتكز الثاني فانصب على تعزيز قدرات الجيش في ميدان الاتصالات، علما بأن المغرب آنذاك لم تكن فيه شبكة الاتصال قوية لإبراق كل معلومة وفي الحال لمختلف الوحدات. المرتكز الثالث تمحور حول تكوين فريق المظليين، لأن إمكانات المغرب الفتي آنذاك لم تسمح له بتكوين جيش محترف مائة في المائة (لا ننسى أن المغرب لم ينشئ البحرية الملكية إلا عام 1960).

 

وبالتالي كانت الضرورة تدعو إلى وجوب خلق فرقة المظليين لما لهذه الفرق من دور عسكري حاسم في المعارك. إلا أن هذا الأمر يتطلب استحضار مرتكز رابع، ألا وهو إنشاء تشكيلات مصفحة تتميز -حسب قول المرحوم الحسن الثاني- بشخصية خاصة في المناورة والعراك معا. وخامس مرتكز استلهمه المغرب من حرب الرمال، هو إحداث مجموعات من القوة المختلطة مزودة بالوسائل القوية السريعة قادرة وحدها على العمل منفردة عن المجموعات الأخرى.

 

إلا أن هذه المرتكزات تبقى بدون روح ما لم تكن هي الأخرى مسنودة بسقف اجتماعي، حيث أفرزت حرب الرمال معطوبين وجرحى وأرامل، مما قاد الحسن الثاني آنذاك إلى إنشاء النواة الأولى للمصلحة الاجتماعية التي كلفها بمساعدة أسر العسكريين المصابين وتصفية المشكلات الاجتماعية للأرامل واليتامى.

 

وإذا كانت حرب الرمال قد أظهرت الدروس الواجب استخلاصها من عثرات النشأة، فإن حرب "أمغالا" قادت المغرب إلى استخلاص الدروس من عثرات الثقة المبالغ فيها نحو الجزائر، خاصة وأن "أمغالا" تبعد عن الحدود الجزائرية بحوالي 380 كيلومترا (A vol d'oiseau).

 

فمعظم الضباط الكبار بالقوات المسلحة الملكية حاربوا في الفيتنام والهند الصينية وحاربوا في أوربا وفي الأراضي الغابوية وفي السهول ولم يتصارعوا في الصحراء الشاسعة المنبسطة، مما جعل الجيش المغربي أمام تكتيك جديد لم يسبق أن تمرن عليه من قبل، فضلا عن سياسة الألغام التي باشرتها الجزائر والبوليساريو المدعومتين آنذاك من طرف ليبيا، الأمر الذي أيقظ الشرارة الأولى لإيجاد تكتيك مضاد لتأمين الحدود المغربية من جهة الجزائر، ومن جهة موريتانيا في ما بعد، فكان أن أثمر هذا المخاض عن التفكير الجنيني لبناء الجدار الأمني لتأمين التجمعات الحضرية والمنشآت الاقتصادية، وهو المخاض الذي قاد المرحوم الحسن الثاني في إحدى المناسبات عام 1980 إلى القول إن المغرب أصبح سيد الميدان عسكريا بالصحراء، وهي السنة التي كانت المنطلق الرئيسي لتعزيز المكاسب التي أدت إلى تحكم عسكري مغربي بالمطلق في الصحراء، توج بأن أعلنت ليبيا عام 1984 عن تخليها عن دعم البوليساريو والجزائر في حرب الصحراء بعدما بدأ يتبين لها أن كل الأموال التي كانت تغدقها لإنهاك المغرب عسكريا لم تؤت بأي نتيجة، وقاد الجزائر في ما بعد إلى المطالبة بوقف إطلاق النار عام 1991بعدما أغلقت القوات المسلحة الملكية بإحكام كل المنافذ التي يمكن أن تتسرب منها الوحدات المعادية للمغرب، أكانت جزائرية أو تابعة للبوليساريو. كما كان من حسنات حرب "أمغالا" تفطّن المغرب لوجوب تحسين أدائه الجوي لمراقبة شساعة الصحراء عبر اقتناء طائرات عسكرية جديدة، ليس لسحق الجزائر في حالة ما إذا هجمت مرة ثانية على المغرب، بل لاقتناء طائرات الاستطلاع والنقل لتأمين تنقل الجنود بسرعة والقيام بالمسح الجوي لتأمين مرور القوات البرية أو مطاردة جنود الجزائر والبوليساريو.

 

موازاة مع ذلك، تم إحداث مطارات عسكرية في العيون وإنزكان (ثم بالداخلة بعد استرجاعها عام 1979)، إذ كان لهذه المطارات أدوار هامة على المستوى اللوجستيكي والحربي، خاصة بعدما اتخذ قرار بجعل أكادير مقرا للقيادة الجنوبية لإدارة العمليات العسكرية بالصحراء، علما بأن الطيران العسكري هو الذي ساعد الكولونيل بنعثمان قائد وحدة السمارة على سحق الجزائريين في "أمغالا". ومن حسنات هذه الحرب أيضا أن فرق الهندسة العسكرية المغربية اكتسبت خبرة عالية في الأحزمة، وما يتطلبه الأمر من رادارات وأجهزة إلكترونية وأجهزة خاصة بالدفاع والقدرة على إدارة عشرات الآلاف من الجنود في تنسيق متناغم. بدليل أن أول حزام شرع فيه كان هو الجدار المحاذي للجزائر من جهة الزاك (طول الحزام الأول 600 كلم) الممتد نحو السمارة الذي شرع في بنائه في غشت 1980، وانتهى العمل به يوم 14 ماي 1981 (تاريخ ذكرى تأسيس الجيش الملكي). لتتوالى الأحزمة (6 أحزمة) في ما بعد طوال النصف الأول من عقد الثمانينات من القرن العشرين.

 

النعمة

ألم تقل العرب قديما، رب نقمة في طيها نعمة!؟

 

ذاك ما يعيه الجندي المغربي الذي أهلته حرب الرمال وأمغالا اليوم كي يكون حاضرا في كل بؤر التوتر الدولية في إطار المهام الأممية لحفظ السلام، سواء في هايتي أو الكونغو أو ساحل العاج أو البوسنة والهرسك أوكوسوفو.