الخميس 28 مارس 2024
سياسة

المرزوقي: لا يمكن القضاء على الفساد المالي دون القضاء على الفساد الانتخابي

المرزوقي: لا يمكن القضاء على الفساد المالي دون القضاء على الفساد الانتخابي بن يونس المرزوقي

في هذا الحوار مع بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق وجدة، يكشف عن خلفيات تلكؤ الفرق البرلمانية في الحسم في مواد الإثراء غير المشروع؛ معتبرا أن حزب العدالة والتنمية بدوره يتخوف من أن يتابع مستشاروه بهذه المواد التي تصل عقوبتها إلى السجن ومصادرة الأموال.

 

+ كيف تفسر تأخر مجلس النواب في تعديل القانون الجنائي وخصوصا الشق المتعلق بالإثراء غير المشروع؟

- أعتقد أن مسألة تعديل وتتميم مقتضيات القانون الجنائي تسير ببطء نتيجة خطورة المواضيع التي يُعالجها. إن الأمر يتعلق بسن مقتضيات تؤدي إلى عقوبات قاسية وعلى رأسها الحرمان من الحرية، لذلك فلا يُمكن تصور أن تمر التعديلات بسرعة أكثر مما هي تسير عليه الآن.

أما فيما يتعلق بمواد الإثراء غير المشروع، فينبغي الإشارة، في البداية، إلى أن ما يهم هذا الموضوع هي مسألة إيجابية لا يُمكن أن يقف ضدها أي طرف. فمن ناحية أولى هي مطلب شعبي ظهر مع التجربة البرلمانية الأولى خلال بداية ستينيات القرن الماضي مع شعار "من أين لك هذا؟"، ثم عرف تطورات ما بين مد وجزر حسب طبيعة كل مرحلة حتى أنه في بعض المراحل كانت الدولة هي المبادرة، فمثلا لنتذكر عملية تقديم بعض الوزراء في عهد المرحوم الحسن الثاني للمحاكمة.

إلا أن مسألة الإثراء غير المشروع ليست فقط عملية تقنية تنتهي مع تجريم بعض الأفعال في القانون الجنائي وينتهي الأمر، بل يتعلق بسياسة عمومية شمولية ينبغي اعتمادها لمحاصرة هذه الظاهرة.

لذلك، فإن الإثراء غير المشروع ليس إلا أحد أوجه الفساد التي يستشري في المجتمع، وأن محاربته تتطلب سياسة لمحاربة الفساد في شموليته. ويكفي أن نتساءل هنا: هل يُمكن القضاء على الفساد في المجال المالي دون القضاء على الفساد الانتخابي؟ لا أعتقد ذلك.

وبهذا الخصوص، فإن إحداث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بموجب الفصل 36 من الدستور، كانت نظرة تجزيئية تعمل على محاربة أحد مظاهر الفساد المتعلق أساسا بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، واستغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية، دون أن تكون هناك تلك النظرة الشمولية لمحاربة الفساد العمومي في مختلف تجلياته.

 

+ البعض يتحدث عن توجس حزب العدالة والتنمية من مواد الإثراء غير المشروع، وخصوصا في شقها المتعلق بالعقوبات السجنية والمصادرة المالية، مع العلم بأن حزب "المصباح"، له من المنتخبين ما يجعله محط شبهة.. هل يمكن القول إن هذا الحزب يتواطأ مع المفسدين من خلال هذا التلكؤ؟

- هناك عوامل عديد متداخلة تُعرقل مناقشة المقتضيات المتعلقة بالإثراء غير المشروع في القانون الجنائي. وأعتقد أنه على رأس هذه الصعوبات انعدام الثقة بين الأحزاب السياسية نفسها. ويكفي أن نتذكر التعامل الانتقائي لفترة طويلة مع ملفات الفساد سواء خلال مرحلة محكمة العدل الخاصة، أو حاليا مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، حتى يتبين لنا هيمنة هاجس التخوف من انتقام الأحزاب السياسية من بعضها البعض.

إن ظروف وضع تعديلات القانون الجنائي كانت تسير في اتجاه اعتماد حزب العدالة والتنمية على "سياسة" تخويف باقي التنظيمات باعتباره آنذاك كان حديث العهد بتدبير الشأن العام، أما الآن فالأمور قد تغيرت، وأبان تدبير الحزب في العديد من القطاعات ومن الجماعات الترابية عن اختلالات قد تضعه بنفسه تحت طائلة هذه المقتضيات الجنائية الجديدة. لذا، فمن الطبيعي أن يتم بعض التلكؤ في المصادقة على هذه المقتضيات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن "البلوكاج" نابع أيضا من صعوبات الحسم في مواضيع أخرى كما أشرنا أعلاه. لذلك أنا لا أعتبر أن هناك "تواطؤ للحزب مع بعض المفسدين"، ولكن هناك حزب يُدافع عن منتخَبيه المتحملين لمسؤولية تدبير شؤونه.