الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: إحصائيات الرّضع في القمامة معلومة والحلول معدومة يا معالي الوزيرة

سعيد الكحل: إحصائيات الرّضع في القمامة معلومة والحلول معدومة يا معالي الوزيرة سعيد الكحل

قدمت جميلة المصلي، وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، أمام البرلمان يوم 6 يناير 2020 رقما يخص الرضّع الملقى بهم في القمامة . وعلى الرغم من كون الرقم إياه(360 رضيعا) لا يعكس الحقيقة المرة إلا أنه مع ذلك رقم مخيف ومفزع . لقد قدمت السيدة الوزيرة هذه الإحصائية بكل برودة كما لو أن الأمر يتعلق بمواد غذائية فاسدة .

لا يا معالي الوزيرة ، هؤلاء بشر ضحايا واقع قاسي ومؤلم ساهم حزبك ويساهم في قسوته وجحيمه . وهنا لا بد من ملاحظتين أساسيتين :

1 ــ إحصائياتك، السيدة الوزيرة ، أقل بكثير من تلك التي تقدمها الهيئات المشتغلة في الميدان ، والتي تتوفر على لجان رصد وتتبع ظاهرتي الإجهاض السري والأطفال/الرضع المتخلى عنهم. ومن تلك الإحصائيات ما سبق وكشفت عنه رئيسة جمعية "إنصاف" المدافعة عن حقوق الأطفال والنساء، مريم العثماني من أن ما يقارب 300 طفل يتم العثور عليهم في حاويات المزابل سنويا في جهة الدار البيضاء فقط. بينما أفادت إحصائيات المركز المغربي لحقوق الإنسان ، أن المغرب يشهد يوميا ولادة أكثر من 100 طفل مجهول الأب. فيما أكدت السيدة عائشة الشنا في أكثر من مناسبة ، أنه يتم التخلي سنويا عن 5000 طفل، وأنه يوجد في المتوسط 24 طفلا يرمون كل يوم في القمامة . نحن أمام ظاهرة خطيرة ( 8640 رضيع على الأقل يلقى بهم في القمامة سنويا) تستدعي التعامل معها ومع أسبابها بكل جدية ومسؤولية . فالسيدة الوزيرة كان من المفروض فيها أن تجسد هذه المآسي بنبرات صوت المسؤولية التي تحمل في داخلها وتحس بوقع هذه المآسي وتخاطب ضمير البرلمانيين بما يجعلهم يستشعرون مسؤوليتهم في تفشي الظاهرة والتغاضي عنها . أكيد ، السيدة الوزيرة، لن تذرفي الدموع ألما وحسرة أمام آلاف الرضع الملقى بهم في القمامة ، ليس لأنك فاقدة لأي إحساس بالأمومة أو شعور إنساني ، ولكن لأن مرجعيتك الإيديولوجية جفّفت كل أحاسيسك الإنسانية تجاه الأمهات العازبات والأطفال خارج إطار الزواج . مرجعيتك ، معالي الوزيرة، تحمّل النساء مسؤولية كل الشرور وتطالب بتشديد العقوبة ضدهن .

2 ــ حزبك الذي يقود الحكومة يتحمل المسؤولية الكاملة في اتساع هذه الظاهرة وتعميق مآسيها وتعقيد تبعاتها . يتحملها من موقعين :

أ ــ الموقع الحكومي ، من حيث كونه يقود الحكومة ويشكل عمودها الفقري وتحمّل عضوه القيادي مصطفى الرميد وزارة العدل والحريات في حكومة بنكيران وقدم مشروعا للقانون الجنائي يجرّم الإجهاض رغم مطالب الهيئات الحقوقية والنسائية برفع التجريم عن الإجهاض الطبي/الإرادي . فالحزب يعلم جيدا نسب الإجهاض والمآسي النفسية والاجتماعية المترتبة عن منع وتجريم الإجهاض ، إلا أنه يتجاهل الواقع ويصر على استفحال الظاهرة . فضلا عن هذا ، يتحمل الحزب مسؤولية التفاعل السلبي مع مطالب إلحاق الأبناء بآبائهم البيولوجيين وجعلهم يتقاسمون المسؤولية مع الأمهات . فالخلفية الإيديولوجية للحزب تحمّل المرأة وحدها مسؤولية وتبعات الحمل خارج إطار الزواج ، لهذا يرفض حزبك أي تعديل لمدونة الأسرة أو القانون الجنائي يجعل المسؤولية في الحمل مشتركة بين الأم والأب البيولوجي . وحري بك سيدتي وأنت تشرفين على قطاعي الأسرة والتضامن والمساواة أن تتخذي خطوات جريئة لمواجهة الظاهرة التي للأسف تتجاهلها الحكومة بينما تفاعل معها بقلب إنساني السيد هانسجورج هوبر تاركا بلده الأصلي سويسرا ليؤسس جمعية "Les enfants de Dar Bouidar" في منطقة الحوز بهدف إيواء ومساعدة الأطفال المتخلى عنهم .

ب ــ الموقع التشريعي/البرلماني ، فالحزب يمثل أكبر كتلة نيابية في البرلمان ، ومن المفروض فيها أن تقترح مشاريع قوانين تعالج الأسباب المباشرة للظاهرة ، لكنها بالعكس تناهض كل تعديل قانوني من شأنه أن يعالج الظاهرة ويحد من آثارها . تعلمين سيدتي أن التجريم والمنع على مدى عقود لم يقض على الظاهرة ولا حتى حدّ من اتساعها .

تعلمين كذلك المآسي التي تنتج عن المنع والتجريم ، لكنك سيدتي لم تبذلي أدنى جهد أو تحرك لمعالجة جذور الظاهرة في شموليتها . وأولى مداخل المعالجة يمكن الإشارة إلى أهمها كالتالي:

ــ رفع التجريم القانوني عن الإجهاض وذلك بالانفتاح على الاجتهادات الفقهية في باقي المذاهب والتي تبيح الإجهاض داخل مدة أربعة أشهر . ومن شأن هذا الإجراء القانوني أن يحد إلى حد كبير من آثار وتبعات الإنجاب خارج إطار الزواج ( رمي الرضع في القمامات ، التخلي عن الأطفال في الشوارع ، انتحار عدد من الأمهات أو انحرافهن بعد فرارهن من بيوت الأسرة ، الاتجار في الحوامل وابتزازهن ، ارتفاع الوفيات بسبب المواد المتناولة للتخلص من الحمل، التعاطي للدعارة الخ) . أما مسألة الحق في الحياة التي يتذرع بها حزبك فأحق به يوفر ويضمن الحق في العيش الكريم للأطفال المتخلى عنهم وليس للأجنة في أرحام الأمهات.

ــ إلحاق الابن بالأب البيولوجي باعتماد التحليل الجيني حتى لا يفلت الأب من مسؤوليته القانونية والأخلاقية . فالحمل هو نتيجة لعلاقة جنسية بين أنثى وذكر ، ومن الظلم أن تتحمل الأنثى وحدها المسؤولية والتبعات فيما الذكر يُعفى من أية مسؤولية . وإذا تم إقرار قانون الإلحاق فإن نسبة الحمل خارج إطار الزواج ستنخفض إلى الحدود الدنيا كما ستنخفض أعداد الأطفال المتخلى عنهم .فضلا عن هذا سيضمن هذا القانون كل الحقوق لهؤلاء الأطفال ( النسب ، الهوية، الوضعية الاعتبارية ، الكرامة ، الرعاية ، الإنفاق..). فالأمر يحتاج إلى قليل من الإرادة والجرأة السياسية ، من جهة ، لتعديل المادة 156 من مدونة الأسرة التي تقرّ بالحمل في فترة الخطوبة وتنسبه إلى الأب والأم معا لتشمل كل حالات الحمل ، ومن جهة ، تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينص عليها الدستور . فالمسؤولية لا تقتصر فقط على الوظيفة الإدارية بل تشمل كل تصرفات الأشخاص البالغين/الراشدين .

ــ دعم الجمعيات المدنية والمؤسسات التي تُعنى بالأطفال المتخلى عنهم قصد تأهيلهم للاندماج في المجتمع تربية وتعليما وتكوينا .

ــ تخصيص برامج إعلامية ودينية لتشجيع التبرع لفائدة مؤسسات رعاية الأطفال في وضعية صعبة ، فلا يُعقل أن تُنفق الملايير في بناء مساجد متقاربة بنفس الحي فيما الحاجة ماسة لمؤسسات الرعاية الاجتماعية .وعار على الحكومة أن تهمل هؤلاء الأطفال وتركز اهتمامها على ترسيم معاشات الوزراء والبرلمانيين التي تستنزف مبالغ مالية مهمة من خزينة الدولة ودعم كبار الفلاحين ومالكي وسائل النقل العمومي ونقل البضائع. إن المخاطر التي ستترتب عن آلاف الأطفال المتخلى عنهم عديدة وستتضاعف حين تتمكن العصابات المنظمة والتنظيمات الإرهابية من استقطابهم.