الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

شريف الغيام : طبيعة النيابة العامة على ضوء قرار محكمة النقض وسؤال السلطة القضائية

شريف الغيام : طبيعة النيابة العامة على ضوء قرار محكمة النقض وسؤال السلطة القضائية شريف الغيام
أثار قرار لمحكمة النقض الفرنسية بجلستها العامة يوم 15دجنبر 2019 الصادر عن الغرفة الجنائية والقاضي في منطوقه بعدم اعتبار قضاة النيابة العامة سلطة قضائية لانتفاء عنصري الحياد والاستقلالية مع اعتبارهم جهة إدارية،هذا الذي أثار نقاشا واسعا داخل الأوساط القضائية والحقوقية..
مما أدى لإعادة نقاش محسوم بنص القانون المغربي بحسب ما نص عليه الدستور (كالفصل 110 - 128 منه) وكذا القوانين الداخلية الجاري بها العمل .
إلا أن ذلك لا يمنع من فتح هذا النقاش مرة أخرى لإماطة اللثام عن هذا القرار الذي اعتبرته شريحة مهمة من المهتمين بشؤون العدالة و القانون قفزة نوعية في باب الاجتهاد القضائي بل لدرجة اعتبره البعض قرارا رائدا تتوفر فيه جميع شروط الاجتهاد المتطلب من جهة ،وانتصارا للمفهوم الحقيقي للسلطة القضائية .
لكن أعتقد أن قراءة هذا القرار يستلزم عدم الانسياق وراء ظاهر ما تم إقراره وكأن الأمر يتعلق بقرار منشأ لحق جديد بقدر ما يمكن اعتباره كاشفا لحقوق.
فالالتباس الحاصل حول طبيعة جهاز النيابة العامة موضوع قرار المحكمة النقض بعدم اعتبارها سلطة قضائية لانتفاء عنصري الحياد والاستقلالية يجعلنا نحاول قراءة هذا المقتضى من جهات مختلفة بالقول بمفهوم المخالفة لنفس القرار أن قضاة الحكم ليسوا قضاة نيابة عامة أو جهة للاتهام وهذا أمر جد بديهي لأن لكل أدواره،وخاصة أن النيابة العامة لا يدخل ضمن اختصاصها البتة الفصل بالنزاعات بين الأفراد والجماعات يجعل إقحامها بأمر لا يدخل من الأصل في مهامها حتى يتأتى معه توافر عنصري الاستقلالية والحياد أثناء الفصل بالنزاعات..
وإذا ما ذهبنا مع ما جاد به القرار المذكور فإنه يتعين معه للقول كذلك أن قضاة الأحكام ليسوا جهة اتهام ولا يمتلكون صفة ضبطية سامية في تلقي بالشكايات وإعطاء التعليمات،مما يجعل من مكمن اعتبار قضاة الأحكام سلطة قضائية ينصرف لتوافر عنصري الحياد والاستقلالية أثناء البث أو الفصل في القضايا المعروضة أمامهم الذي يعد اختصاصا أصيلا لهم دون غيرهم يحد من تجليات السلطة القضائية من خلال إقرار مفهوما ضيقا تتحدد حدودهم في الفصل بالنزاعات لا غير وهذا ما يجعل غيرهم من القضاة لا يشكلون سلطة قضائية ،كما هو الآمر لقضاة التحقيق طالما أنهم أيضا جهة متابعة مثلهم مثل النيابة العامة بهذا الشأن
ولا يمتلكون صلاحية البت أو الفصل بالنزاعات حتى يتأتى توافر الاستقلالية والحياد،وهذا أمر ربما يبتعد عن قواعد المنطق القانوني السليم، الشئ الذي يجعل من مسوغات القرار المذكور ناتج عن خلط بين صلاحية قضاة الأحكام في الفصل بالنزاعات وما يتطلبه من حياد واستقلال وإسباغ ذلك لجهة غير مكلفة من الأصل في الفصل بالنزاعات ألا وهي النيابة العامة،وكأن الأمر يتعلق بتحميلها أكثر مما تحتمل ناتج عن تصور معيب أو خلط بين المهام الوظيفية للمؤسسة القضائية ومتطلباتها الموضوعية و البنية الهيكلية للسلطة القضائية.
فالحديث عن السلطة القضائية بمفهومه الواسع لا شك أنه يتسع لمؤسسات عديدة كهيئة الدفاع التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من أسرة القضاء و هيئة كتابة الضبط التي تعد العمود الفقري للسلطة القضائية وكذا باقي مساعدي القضاء الذين تتظافر جهودهم كل من موقعه لبلورة تصور جامع و مانع للمفهوم الحقيقي للسلطة القضائية،والتي يظل فيها مطمح للعدالة لا محيد عنه.
ذلك أنه لا مجال للقول اليوم أن قضاة النيابة العامة ليسوا بسلطة قضائية لانتفاء عنصري الحياد والاستقلالية وخاصة إذا استحضرنا خصوصية الأدوار المسندة لقضاة النيابة العامة بدءا من صلاحياتهم البت في الشكايات وخاصة مقرراتهم بالحفظ او المتابعة بالإضافة لتنفيذ المقررات القضائية وغيرها التي من المهام التي تدخل في صلب مهام السلطة القضائية
كما أن مبادئ الاستقلالية و الحياد تكون أكثر حضورا بالنسبة للنيابة العامة إلا أن لمعانيها خصوصية مستمدة من طبيعتها كجهة اتهام التي تفرض عليها أن تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية من جهة.
وبعيدة كل البعد للتأثير عن قضاء الحكم أو التأثر من قبل أي جهة كانت أي أن لمفهوم الاستقلال والحياد مما يجعل من تجليات استقلال النيابة العامة و الحياد ذات أبعاد عمودية و أفقية بنفس الوقت.
إذ لا مجال للقول أن قضاة النيابة العامة جهة إدارية ،فلا يمكن تصور مجرد جهة إدارية تمتلك أحقية قطع طريق للأفراد و الجماعات في تقديم بالشكايات بحفظها أو بتقرير المتابعة بشأنها، والذي يشكل لا محالة صورة من صور الحق في التقاضي وكذا تنفيذ الأحكام و المقررات القضائية.
كما أنه لا يمكن الاصطفاف إلى جانب ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية بهذا الشأن مع الاحترام الواجب لما جادت به بمضمون مقررها ،لأن خصوصية جهاز النيابة العامة بالمغرب جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية طالما أنها تتمتع بكافة الضمانات التي تجعلها جهازا مستقلا تمام الاستقلال عن السلطة التنفيذية وبعيدة كل البعد عن أي مؤثرات ماسة بمبدأ الحياد طالما أن رئاستها مسندة لجهة قضائية ممثلة في السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض والذي يعد انتصارا حقيقيا لمبادئ السلطة القضائية .
شريف الغيام، أستاذ زائر ، مستشار لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة