الأربعاء 8 مايو 2024
كتاب الرأي

لهلالي: 2019 سنة التوتر الاجتماعي وصعوبة في السياسة الخارجية لفرنسا

لهلالي: 2019 سنة التوتر الاجتماعي وصعوبة في السياسة الخارجية لفرنسا يوسف لهلالي
مع نهاية سنة 2019 مازالت فرنسا تعيش حالة توتر الاجتماعي، واستمرار الإضرابات بشكل غير محدود واستمرار رهان القوة بين النقابات والحكومة الفرنسية التي تندر بسنة اجتماعية صعبة بالنسبة لرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون وحكومته.
الحرب على الارهاب بالساحل؛ كانت صعبة بالنسبة لفرنسا هذه السنة وخلفت خسائر في الجيش الفرنسي، بالإضافة الى تنامي خطاب معادي لفرنسا ببعض بلدان الساحل، مما جعل الرئيس الفرنسي يطالب هذه البلدان بالتعبير عن موقفها من هذه الوضعية، كما اتخذت قرارا مهما على المستوى المالي تجلى في تعويض "الفرنك الافريقي سيفا" الذي كان محل انتقاد في السنوات الأخيرة بفرنك جديد تكون فيه الصلاحيات اكبر للبلدان الأعضاء وذلك من اجل وقف الانتقادات الافريقية لوضعية فرنسا بهذه البلدان التي يعتبرها البعض مرتبطة بالماضي الاستعماري.
فرنسا في هذه السنة اعتبرت الحلف الأطلسي قد ا انتهى دوره ويوجد في موت سرير حسب تعبير ايمانييل ماكرون بعد ان تخلى الرئيس الامريكي، دونالد ترامب على اصدقائه في الحرب على الإرهاب بسوريا وانسحب الجيش الأمريكي ليترك فرنسا وأصدقائها الاكراد امام الجيش التركي،وكذلك وحدات النظام السوري مدعومة من طرف روسيا، مما دفع الاكراد الى التحالف مع النظام السوري عدو الامس.
على المستو ى الداخلي وخاصة على المستوى الاجتماعي، فان الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون وأغلبيته السياسية فقد الشعبية التي تمتعت بها في السنتين الاولتين لولايته وقام بعدد من الإصلاحات أهمها قانون الشغل، رغم الصعوبات التي طرحتها حركة السترات الصفر في سنة 2018، وبعد تجاوز هذه الحركة من خلال العديد من التنازلات على بعض الإصلاحات وفتح النقاش الوطني الكبير، جاء اصلاح التقاعد كأحد اكبر الإصلاحات الاجتماعية التي وعد بها الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون، ورغم المشاورات الطويلة التي تمت حول هذا الإصلاح مع مختلف مكونات المجتمع الفرنسي، فان هذا الإصلاح اليوم وصل الى الباب المسدود ورفضته كل النقابات بما فهيا النقابات الإصلاحية، وبدأ هدف تعويض 42 صندوق لتقاعد الى صندوق واحد في نظام مبني على النقط أصبح بعيد المنال. بعد مرور 25 يوما من الاضرابات مازالت فرنسا تعيش على وقع اضراب مفتوح يشل جزاء من حركة النقل خاصة بالعاصمة الفرنسية في غياب أي افق للخروج من الازمة وتتمتع النقابات وحركتهم الاجتماعية بشعبية كبيرة وسط الفرنسيين حسب آخر ألاستطلاعات، وهو ما يعني ان الحكومة فقدت معركة الرأي العام حتى الآن وهي المعركة التي كانت تراهن عليها من اجل تمرير اصلاح التقاعد الذي تطالب به بعض النقابات بسحبه بشكل نهائي من أجل بداية أية تفاوض جدي وإنهاء الاضرابات.
على المستوى الدولي، فان فرنسا تتجه نحو العزلة في سياسيتها الخارجية وذلك في غياب حليف قوي وموثوق به متوافق مع مصالحها في غياب تام لأي دور لأوربا في مناطق التوتر، ولعدم قدرة فرنسا لوحدها كقوة متوسطة على التدخل في مناطق النزاع مثل سوريا والتي يوجد فيها لا عبون لهم قدرات كبيرة مثل تركيا وروسيا بالإضافة الى الصعوبة الكبيرة مع حليفها الكلاسيكي واشنطن، و رغم تعدد اللقاءات مع رئيس البيت الأبيض دونالد ترامب الذي قرر لعب ورقة "أمريكا أولا" في سياسته الخارجية وتدخلاته عبر بؤر التوتر، واتخاذ قرارات أحادية دون استشارة حلفائه، كان اخرها هو الانسحاب من الشمال الشرقي لسوريا وإنهاء سياسة "الحرب على الإرهاب "دون استشارة حلفائه في هذه الحرب خاصة فرنسا. وهو ما جعل هذه الأخيرة تتساءل عن جدوى الحلف الأطلسي بعد ان وجدت نفسها في تناقض جدري مع حليف اخر هو تركيا في الساحة السورية حول الاولويات بين تركيا التي تعتبر الحركات الكردية الانفصالية تهديدا لأمنها ووحدتها الوطنية، في حين تعتبرهم فرنسا حليف في مواجهة الإرهاب بالمنطقة. وهو ما جعل فرنسا تتساءل عن جدوى التحالف في اطار الحلف الأطلسي وتحدث رئيسها عن موت سريري مما عرضه لانتقادات كل من الرئيس الامريكي والمستشارة الألمانية.
تبقى منطقة الساحل التي تعتبر فرنسا فيها قوة أساسية ولاعب رئيسي، ومشاركة اوربية رمزية، وقد تعرضت هذه السنة لخسائر بشرية مهمة جراء حادث بين مروحيتان خلف 13 قتيل اعتبرت اكبر خسارة للجيش الفرنسي بالمنطقة مند 40 سنة الأخيرة.
وحسب وزيرة الجيوش الفرنسي فلورانس بارلي فان الوضع بالمنطقة يتدهور وان المعركة ضد الجهاديين سوف تستغرق وقتا طويلا، خاصة ان عدد من البلدان المشاركة في عملية برخان تكبدت خسائر بشرية مهمة مثل بوركينا فاسو،مالي والنيجير.
ويبلغ الجيش الفرنسي بالمنطقة 4500 عنصر، وفقدت فرنسا في هذه الحرب ضد الجهاديين 41 جنديا، ورغم تحذيرها لحلفائها بان هذه المنطقة تقع على أبواب أوربا، فإن بلدان الاتحاد الأوربي لا تشارك في هذا المجهود الحربي الذي يقع على عاتق فرنسا والبلدان الافريقية الحليفة لها.
وتعكف حاليا على تنظيم قمة لبلدن المنطقة في منتصف شهر يناير بعد تزايد الانتقادات حول التواجد الفرنسي بالمنطقة، وقال الرئيس الفرنسي ان كل الخيارات مطروحة وان فرنسا في منطقة الساحل توجد نيابة على الجميع. .
ومن اهم تصريحات التي همت العلاقات الفرنسية الافريقية هي استبدال الفرنك الافريقي بالايكو الذي استمر مند 1945 والذي كان يمثل الماضي الاستعماري مع العملة الجديدة التي ستبدأ السنة المقبلة، لم يعد ملزما على الدول الافريقية على وضع خمسين في المائة من الاحتياطي بالابناك الفرنسية وكذلك انسحابها من هيئات الحكامة بهذه العملة. وتم ذلك بالعاصمة الايفوارية ابيدجون بحضور الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون الذي قال ان الفرنك كان ينظر له على انه من بقايا العلاقات الاستعمارية.
العلاقات المغربية الفرنسية التي يصفها دائما مسؤولي البلدين بالعلاقة الممتازة والاستثنائية، تعرضت هذه السنة على ما يبدو الى نزلة برد حادة والتي تعود الى غياب المقاولات الفرنسية على اغلب الصفقات الكبرى التي عقدها المغرب في هذه سنة 2019 ،حسب المتتبعين لشأن الفرنسي المغربي، خاصة ان باريس هي اول مستثمر بالمغرب بوجود فروع لحوالي 900 مقاولة فرنسية.
المغرب قام بصفقة لتجديد سلاحه الجوي فازت بها الولايات المتحدة الامريكية وصلت قيمتها المالية 10 ملايير من الدولار، وبناء مصفاة لتكرير البترول بالشمال بقيمة 2 ملايير فازت بها روسيا، في حين سجل الفائض التجاري هذه السنة تقدما لصالح المغرب في المبادلات التجارية بين البلدين وهي سابقة.
لكن يبدو ان ما اثار حفيظة باريس هو صفقة القطار السريع بين مراكش واكادير، واهتمام المغرب بالعرض الصيني المنخفض الثمن وهو ما جعل وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير يتحدث على" ضرورة عودة صناعة السيارات الى فرنسا" ويقصد الاستثمارات الكبيرة لرونو وبوجو بالمغرب.
لكن الاجتماع الأخير دو المستوى العالي بين الحكومتين، يبدو انه قدم تطمينات للجانب الفرنسي التي ربما سوف يتم تأكيدها في الزيارة المقبلة لرئيس ايمانييل ماكرون الى المغرب في شهر فبراير خلال القمة بين البلدين ربما سوف يتم الاعلان عن صفقات كبرى بهذه المناسبة.
و‘ذا كانت العلاقة بين الرباط وباريس شهدت بعض الفتور في سنة 2019 وتراجع نسبيا حصة المقاولات الفرنسية في السوق المغربية، سنة 2020 ربما ستكون العلاقات بين البلدين احسن ، ومرشحة لتطور من جديد في صالح البلدين خاصة مع الزيارة المبرمجة لرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون الى الرباط.
فرنسا في علاقتها مع بلدان الساحل الافريقي هذه السنة حاولت بناء علاقة جديدة تتجاوز الماض الاستعماري وتتبنى شراكة جديدة ولم يتردد الرئيس الفرنسي في انتقاد الماضي الاستعماري لبلده.
لهذا فان قمة فرنسا مع بلدان الساحل في شهر يناير المقبل ستكون مناسبة لسير في هذا الاتجاه.