السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

علي بوطوالة: منح امتيازات جديدة للمتهرّبين من أداء الضرائب يمسّ بهيبة الدولة

علي بوطوالة: منح امتيازات جديدة للمتهرّبين من أداء الضرائب يمسّ بهيبة الدولة علي بوطوالة

قال الدكتور علي بوطوالة، منسّق فيدرالية اليسار الديمقراطي والكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، إن مشروع قانون المالية 2020 يكرس نفس الاختيارات السابقة رغم الإقرار الرسمي بفشل النموذج التنموي؛ مشيرا إلى أن مشروع قانون المالية الجديد منح مزيدا من الامتيازات للمحظوظين، من قبيل العفو الجبائي عن المتهربين من أداء الضرائب لمدة سنوات؛ معتبرا هذا المعطى تقليدا يسيء إلى هيبة الدولة، كما يتطرق إلى انخراط الفيدرالية في مشروع تشكيل جبهة اجتماعية لإيقاف ما أسماه بـ «تغول لوبيات الفساد»، بالإضافة إلى مشروع الوحدة الاندماجية لمكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي قبل استحقاقات 2021.

 

+ أصدرتم داخل الهيئة التنفيذية لفيدرالية اليسار بيانا للرأي العام أشرتم من خلاله إلى أن مشروع قانون المالية 2020 يكرس نفس الاختيارات السابقة التي تنهل من «النيو ليبرالية المتوحشة» رغم الإقرار الرسمي بفشل النموذج التنموي، فهل من توضيح بهذا الخصوص؟

- في الحقيقة هذا يعد من التناقضات التي تتطلب تفسيرا من طرف الدولة، ومن طرف المسؤولين، ففي الوقت الذي يرفعون شعار ضرورة إعادة النظر في النموذج التنموي، نلاحظ في نفس وقت وجود إصرار على تكريس نفس الاختيارات السابقة.. فمن مفارقة مشروع قانون المالية الجديد هو منح مزيد من الامتيازات للمحظوظين، من قبيل العفو الجبائي عن المتهربين من أداء الضرائب لمدة سنوات، والتي تتكرر للمرة الثالثة أو أكثر، وهذا تقليد يسيء إلى هيبة الدولة كما يقال، فهيبة الدولة لا تظهر للأسف إلا في القمع ومتابعة نشطاء الحركات الشعبية، في حين أن الذين يتهربون من أداء الضرائب لا يتابعون، بل يمنح لهم العفو الجبائي. وكذلك ما يتعلق بالحيف الجبائي، رغم أن المناظرة الثالثة للجبايات أصدرت عدة توصيات فإنها لم تجد لحد الآن الآذان الصاغية، حيث نسجل استمرار نفس السياسة الجبائية.

 

+ كيف يمكن تحقيق العدالة الضريبية، من وجهة نظرك؟

- هذا يتطلب ضرورة مراجعة جذرية للسياسة المالية، وعمودها الفقري هي الميزانية العامة للدولة، سواء في ما يتعلق بالأولويات أو التوجهات أو المراسيم التطبيقية، ودون ذلك سيبقى الوضع على ما هو عليه، لأنه بدون إقرار سياسة جبائية جديدة ورفع الحيف الضريبي، خاصة عن المأجورين الذين يعانون من الاقتطاع من الأجر.. وهو الأمر الذي لن يتحقق بدون إحداث ضريبة على الثروة، وبدون إحداث ضريبة على الإرث، وتخفيض الأجور العليا، لمدراء المؤسسات العمومية ولنواب البرلمان، وإلغاء معاشات الوزراء والبرلمانين، علما أن عددا من البلدان التي كانت تعاني من عدة اختلالات مالية أقدمت على اتخاذ هذه الإجراءات مثل لبنان والأردن، نظرا للمداخيل الضعيفة للدولة. ولعل المفارقة التي نعيشها في المغرب هي أن الذين يؤدون أقل هم الذين يستفيدون أكثر من الميزانية العامة للدولة، وهذه المفارقة ينبغي وضع حد لها.

 

+ لكن البعض يرى أن ما تطرحونه من إجراءات قد يمس بالتوازنات الماكرو اقتصادية، خصوصا أمام ضعف موارد الدولية وتفاقم مشكل المديونية؟

- الاقتراحات التي تقدم بها نائبا فيدرالية اليسار الديمقراطي حول الإجراءات التي ينبغي إدخالها في مشروع قانون المالية الجديد اذا تم النظر إليها بموضوعية، هي اقتراحات مهمة ومن شأنها أن تمكن الدولة من كسب 20 مليار درهم إضافي، ويمكن من خلال ذلك الزيادة في ميزانية التعليم والصحة العمومية، والخدمات العمومية بشكل عام دون المساس بالتوازنات الماكرو اقتصادية.

 

+ ما هي أبرز الاقتراحات التي تقدم بها نائبا فيدرالية اليسار الديمقراطي بالبرلمان؟

- لابد من مراجعة الأجور العليا، ومنظومة الأجور بصفة عامة في اتجاه الإنصاف وتقليص الفوارق، وقد تقدم نائبا الفيدرالية بمقترح يقضي بتقليص الفوارق بين الفئات، وهذا سينصف عدد من الفئات، حيث أن الفئات التي تتقاضى أجورا أعلى تؤدي تدريجيا وتصاعديا ضرائب أكبر، وهذا ما يتم العمل به في جميع البلدان. أيضا تقليص ميزانية الجيش رغم أن الدفاع هي مسألة أساسية ومهمة، خاصة أن القضية الوطنية بالصحراء مازالت مطروحة بقوة، كما أن هناك ميزانيات أخرى يمكن التقليص منها بدل الزيادة أو المحافظة عليها. وأعتقد بأن المسألة تتعلق بضرورة ترشيد النفقات العمومية.

 

+ هل يمكن أن تقدم لنا مثالا بهذا الخصوص؟

- مثلا ميزانية وزارة الداخلية، علما أن هذه الوزارة تمنح لها إمكانيات للتوظيف تفوق قطاع التعليم وقطاع الصحة العمومية، وهذا غير معقول. ويمكن أن نضيف أيضا ميزانيات أخرى غير معروفة، وفي رأيي أن كل المقترحات التي تقدم بها نائبا فيدرالية اليسار الديمقراطي بخصوص مشروع قانون المالية 2020 تلقى ترحيبا من طرف مناضلي الفيدرالية.

 

+ تحضرون لتشكيل جبهة اجتماعية، فما هي أبرز الرهانات الحاضرة بهذا الخصوص؟

- تشكيل جبهة اجتماعية يأتي كجواب عما وصل إليه المغرب من تدهور، خاصة التراجعات الحقوقية والديمقراطية، والتدهور الكبير للأوضاع المعيشية للأغلبية الساحقة من المواطنين والمواطنات. تشكيل الجبهة الاجتماعية يأتي استجابة لحاجة موضوعية لإيقاف هذه التراجعات أولا، ثم الضغط لتعديل ميزان القوى ثانيا، والاستجابة للمطالب المشروعة للشعب المغربي، خاصة المركزيات النقابية التي تمثل أغلبية قطاعات الشغيلة المغربية. وأعتقد أنه بدون هذه الجبهة يصعب خلق ديناميكية جديدة. إذاً الرهان هو خلق ديناميكية جديدة، أي مجموعة من النضالات الاجتماعية السلمية المشروعة، من أجل تغيير ميزان القوى، وانتزاع الحقوق المشروعة للأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، حيث وصل الاحتقان الاجتماعي إلى مداه، والمغرب مقبل على سكتة قلبية أو سكتة دماغية جديدة. وأعتقد أن الهدف الجوهري للجبهة الاجتماعية هو هدف إنقاذي أي إنقاذ المغرب من السقوط في هوة سحيقة، أو الدخول في المجهول، بتعبئة القوى الحية في البلاد، القوى الديمقراطية والتقدمية، وكل القوى المناضلة لسد الفراغ ولإيقاف تغوّل لوبيات الفساد، لدرجة أن هيبة الدولة أصبحت لا تظهر إلا في مواجهة الكادحين والمناضلين، أما لوبيات الفساد فتتغول سنة بعد أخرى، ولا تعير أي اهتمام لقرارات ولا لتوجهات الدولة.

 

+ لكن البعض يقول إن الجبهة الاجتماعية التي أنتم بصدد تشكيلها لن تتمكن من حلحلة ميزان القوى في ظل حالة التشتت التي تطبع العمل النقابي وتشرذم قوى اليسار، ما رأيك؟

- الجبهة الاجتماعية لا تعني فقط قوى اليسار، بل هي مشروع منفتح على كل القوى المناضلة. وكما يقال فالوحدة تخلق القوة، ولا يمكن إصدار أحكام سابقة لأوانها بخصوص الجبهة الاجتماعية التي لم تتهيكل بكل مكوناتها ولم تتحرك لحد الآن، وحين تشرع في تطبيق برنامجها النضالي، آنذاك نتساءل هل لها تأثير أم ليس لها أي تأثير، أما التشكيك أو تبخيس قيمة هذه الجبهة الاجتماعية فيدخل في الحقيقة في خانة أعداء هذه الجبهة الاجتماعية، الذين ليس في مصلحتهم تشكيل هذه الجبهة الاجتماعية، لذلك تجدهم منذ الآن يشككون في هذا المشروع، والتقليل من قيمته، من أجل تثبيط العزائم.

 

+ بالموازاة مع هذا المشروع الاجتماعي، تحضرون لوحدة اندماجية لمكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، فأين وصل هذا المشروع؟

- كما تتبع الرأي العام عقدنا مؤخرا اجتماعا للهيئة التنفيذية ووقفنا على تقييم حصيلة البرنامج التنظيمي والإشعاعي والنضالي الذي صادقنا عليه منذ شهر أبريل 2019 بكل موضوعية؛ كما قررنا عددا من الخطوات ومن ضمنها تنظيم الجامعة الشتوية، المسألة النقابية، الندوات المحلية، الاستمرار في تكوين اللجان المحلية واللجان القطاعية، وكذلك الانخراط في عدة أنشطة نضالية... وهذا كله نتمنى أن يؤدي إلى إنضاج شروط اندماج مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي. طبعا هناك معوقات بسبب بعض الأوهام لدى بعض المناضلين، ووجود محاولات للتأثير على الفيدرالية من خلال مكوناتها ومن خلال مناضليها، ولكن نحن مصرون على الذهاب في هذا المشروع إلى نهايته.. ونحن نتمنى أن يتحقق هذا الاندماج قبل الاستحقاقات القادمة، علما أن هناك شبه اجماع داخل الهيأة التنفيذية للفيدرالية بهذا الخصوص. وإذا لم تساعد الظروف، فهذا لا يعني أننا سنتخلى عن هذا المشروع، وسنعمل على تدليل كل الصعوبات بكل هدوء وبكل رزانة، وبكل تروي، من خلال الحوار والنقاش الرفاقي العميق في جميع القضايا النظرية والسياسية، والتنظيمية والجماهيرية، حتى نصل إلى التوافق حول جميع أبعاد المشروع الفيدرالي.