السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد شكاك: الدولة تغدق المال الوفير على أحزاب تزداد الهوة بينها وبين الشارع

سعيد شكاك: الدولة تغدق المال الوفير على أحزاب تزداد الهوة بينها وبين الشارع سعيد شكاك

نظرا للأدوار الموكولة للأحزاب السياسية والملقاة على عاتقها في الفصل السابع من دستور2011، فضلا عن أنها تدافع عن مصالح وآراء الأفراد والجماعات التي تكونها، فإنها تستند بالأساس في تمويلها على الأعضاء المكونين لها للقيام بمهامها. غير أننا لن نجازف بالقول باستحالة اعتماد الأحزاب السياسية على التمويل الذاتي، وحجتنا في ذلك أنه حتى في الدول الديموقراطية تتلقى هذه التكوينات السياسية تمويلات من الدولة مادام أنها تعبر عن مصالح وآراء مشروعة تقرها الدولة.

 

ويعتبر نظام الاشتراكات المظهر الأكثر تعبيرا عن التمويل الذاتي للأحزاب، فهو أصل النظام التمويلي للحياة الحزبية، في غياب التمويل العمومي للأحزاب السياسية، ويتخذ نظام الاشتراكات إما شكل اشتراكات الأعضاء أو تحويلات المنتخبين أو عن طريق مداخيل الصحافة الحزبية.

 

ولشرح دوافع تخصيص دعم عمومي للأحزاب السياسية والنقابية والصحافة الوطنية، ربطت الرسالة الملكية التي أقرت الدعم سنة 1986، بين قيام الهيئات والمنظمات النقابية والصحافة الوطنية بأداء الرسالة الملقاة عليها، في تنظيم وتأطير المواطنين وتمثيلهم، وبين توفر الروح الوطنية الصادقة والاستعداد المتواصل والنزيه لخدمة الصالح العام، ومن جهة أخرى توفر الوسائل الضرورية وفي طليعتها وسائل التعبير التي تتيح للهيئات والمنظمات مواجهة التكاليف والمتطلبات. وهو ما أدى إلى وضع قوانين خاصة بتمويل الأحزاب السياسية، وذلك حتى تتمكن هذه الأخيرة من القيام بالمهام المنوطة بها من قبيل إنتاج الكفاءات الشابة وتأطيرها وتكوينها حتى يتسنى لها المشاركة في النهوض بالنموذج التنموي المنشود.

 

إن الدولة في حاجة إلى أحزاب سياسية مهيكلة وناضجة وواعية بدورها عند مشاركتها في جزء من أعباء السلطة، عن طريق التنشئة السياسية، وتكوين الأطر وإنتاج النخب السياسية، إضافة إلى تأطير شرائح واسعة من المواطنين، وتعبئة الرأي العام الوطني عند الضرورة، ولعب دور الوساطة أو الربط بين المجتمع والدولة، بتمرير المطالب بين القاعدة والقمة، وهذا ما عجزت الأحزاب السياسية المغربية على القيام به في السنوات الأخيرة حيث تميز المشهد السياسي المغربي في السنوات الأخيرة بالفراغ والفتور والمحدودية والصراعات الجانبية مما أدى الى ظهور احتجاجات شعبية واسعة تطالب بإصلاحات في مختلف مجالات الحياة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافي.

 

وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية تلعب في المجتمعات التي تسير وفق النهج الديمقراطي أهمية بالغة في العمل السياسي والاجتماعي، حيث يكفلها الدستور والقوانين المنظمة المرجعية الصلبة لممارسة الديمقراطية، ويؤمن لها حرية الرأي والتعبير عن أفكارها وآرائها، والعمل على تنفيذ برامجها على الوجه الأحسن، من خلال منافسة قوية بينها في أفق تدبير وتسيير وصنع القرارات التي تتفق وبرامجها المدروسة بدقة تبعا لتوجهاتها وبعد انتخابات نزيهة.

 

وبما أن التمويل العمومي للأحزاب السياسية يعتبر الأداة التي تخول إمكانية القيام بالمهام المنوطة بها والمتمثلة في التأطير والتكوين السياسي، وتدبير الشأن العام، والتعبير عن إرادة الناخبين حسب الفصل السابع من دستور2011، فإن مسألة تأطير هذه العملية بمجموعة من النصوص القانونية والضمانات كفيل بالحد من مجموعة من الظواهر التي تفسد الحياة السياسية والحزبية وتحيد بها عن أهدافها المتوخاة منها.

 

وللإشارة، فإن الإطار القانوني المنظم للدعم العمومي للأحزاب السياسية المغربية يتحدد في ستة جوانب يمثلها ظهير الحريات العامة لسنة 1958، والرسالة الملكية لسنة 1986، ومرسوم 28 شتنبر 1992، والقانون رقم 04-36، والقانون التنظيمي رقم 29.11، فضلا عن مدونة الانتخابات الصادرة بتاريخ 2 أبريل 1997.

 

إن التمويل العمومي للأحزاب السياسية له أهمية كبرى في تقوية المشاركة السياسية، التي ظلت بدون تجسيد على أرض الواقع، فرغم مرور أزيد من عقدين من الزمن على مبادرة الدولة بتمويل الأحزاب السياسية وصحافتها وكذلك النقابات، ظلت الهوة بين الأحزاب والشارع تتسع سنة بعد أخرى، كما أن نسب المشاركة في الانتخابات أصبحت في تقلص مستمر، وظهر ضعفها أكثر مع الانتخابات التشريعية الأخيرة انتخابات 07 نونبر 2016، حيث بلغت النسبة حوالي 43 في المائة.

 

فالتمويل العمومي للأحزاب السياسية في اعتقادنا هو التمويل الأكثر فعالية وهو الذي يقيم التجربة الحزبية، لاسيما إذا كان هذا التمويل مؤسسا على أسس موضوعية، وبالتالي يقي  الأحزاب من الوقوع والسقوط في التمويلات الخارجية أو الداخلية المشبوهة بما يزيف التجربة الحزبية وتصبح معه الأحزاب السياسية مجرد واجهات لقوى  حقيقية دوليا ومحليا، وهو ما يؤدي إلى عكس الغاية من تواجد الأحزاب السياسية، خصوصا وأن الحديث عن التدبير المالي للأحزاب السياسية المغربية هو بمثابة الدخول إلى حصن محكم الإغلاق حيث الحذر والكتمان هما اللغة المستعملة بامتياز، وأي محاولة لاختراق جدار الصمت هذا والحصول على المعطيات والمعلومات التي تساعد على رسم صورة واضحة للكيفية التي تدير بها الأحزاب السياسية ماليتها، يبقى عملا مضنيا و ناقصا، لسبب أساسي هو أن الأحزاب السياسية في غالبيتها تفتقد إلى التقاليد الراسخة للممارسة الديمقراطية التي أحاطت ميزانياتها وعائداتها بالسرية التامة.

 

ومما لا شك فيه، فإن التمويل العمومي للأحزاب السياسية لا يجب أن يؤدي إلى المساس بمبدأ المساواة التي يجب أن تسود بين الأحزاب السياسية أو التمييز بينها على أساس التواجد في البرلمان من عدمه. كما يجب تفعيل الدور الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات باعتباره مؤسسة رقابية في هذا المجال، كي لا يبقى منحصرا في تلقي تقارير الأحزاب والمرشحين خلال الفترة التي تعقب الانتخابات، وإنما دراستها والتحري من مدى مطابقتها للواقع وفرض الجزاءات الملائمة في حالة تجاوز السقف المحدد للمصاريف، وكذلك نشر تلك التقارير في الجريدة الرسمية مصحوبة بملاحظات المجلس عليها.

 

 كما تجدر الإشارة إلى عدم ترك الأحزاب السياسية مرتعا للدسائس عوض أن تكون مشتلا للنخب والكفاءات دون حسيب ولا رقيب الشيء الذي يساهم بشكل أو بآخر في سحب الثقة عنها ويشجع على العزوف السياسي. علاوة على إعادة النظر في تقاعد ومنحة الوزراء الفاشلين والمبعدين لوضع حد للريع الحزبي.

 

وختاما، نود الإشارة إلى مسألة غاية في الأهمية، ويتعلق الأمر بالإرادة والإخلاص وقيم المواطنة المسؤولة والسعي نحو تحقيق المصلحة العامة والرغبة في خدمة التنمية عن طريق تأطير وتكوين المواطنين، لأن الأزمة الحقيقية للأحزاب السياسية على المستوى المحلي أو الوطني هي أزمة قيم وأخلاق أكثر منها أزمة قانونية ومالية.

 

- سعيد شكاك، دكتور باحث في السياسات العمومية