الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

احزرير: الإملاءات الدولية قتلت المرفق العام بالمغرب وعمقت الهشاشة وأغنت شرذمة قليلة جدا

احزرير: الإملاءات الدولية قتلت المرفق العام بالمغرب وعمقت الهشاشة وأغنت شرذمة قليلة جدا عبد المالك احزرير

يرى د. عبد المالك احزرير، أستاذ القانون العام بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، أن ظاهرة إهمال أو قتل دور المرفق العمومي هي مسألة هيكلية أولا، مرتبطة بالتوجه النيوليبرالي، ونحن نعرف أن هذا التوجه لا ينكر فقط دور المرفق العمومي الذي كان في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، بل هو ينكر الدولة نفسها.. مشيرا إلى أن هذا التوجه أضحى مرفوضا من طرف الحراك الاجتماعي الذي يعبر عن عدم رضاه على توجهات الحكومات في العالم. كما يطرح مفارقة كون الأحزاب التي تأخذ أصواتها من المجتمع، ثم تنهج بسرعة النهج نيو ليبرالي أو النهج المقاولاتي عند وصولها إلى السلطة، ولذلك لم تعد السلطات المضادة للتوجه نيو ليبرالي الخطير داخل هيكل السلطة، بل أصبحت في الشارع...

 

+ كيف تقرأ حالة «الانهيار» التي تطال المرفق العمومي في المغرب، وما هي أسباب ذلك في نظرك؟

- ظاهرة إهمال أو قتل أو إنكار دور المرفق العمومي هي مسألة هيكلية أولا، مرتبطة بالتوجه النيوليبرالي. ونحن نعرف أن هذا التوجه لا ينكر فقط دور المرفق العمومي الذي كان في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، بل هو ينكر الدولة نفسها. فالدولة محرم عليها منذ الثمانينيات من القرن الماضي، القيام بوظيفة تحقيق الرفاه الاجتماعي، ورعاية المواطن عبر المرفق العمومي (المستشفيات، المدارس، الجامعات..). وهذا التنظير الجديد يسير في اتجاه منطق العولمة ينكر هذه المرافق. وبالتالي تم بيع المرفق العمومي منذ الثمانينيات في إطار ما يسمى بالخوصصة، حيث تم بيع المرافق المنتجة أو ما يسمى المرافق الصناعية/ التجارية، في المزاد العلني بثمن بخس، وما تبقى من المرافق العمومي التي لن تؤتي شيئا يجب إهمالها -وفق هذا التوجه-، وهذا ما يفسر إهمال المرافق ذات الطابع الاجتماعي، وهذا هو المنطق الذي نضعه كإطار لهذا الإهمال الذي يطال المرفق العمومي.

وحتى على مستوى الموازنة المالية، الآن هناك تقشف كبير، ليس فقط في المغرب بل على مستوى العالم ككل. وأعتقد بأن هذا يعد من الأخطاء القاتلة للحكومات في العالم الثالث، حيث خرجنا من حروب الاستعمار، والحرب الباردة، ودخلنا في حرب أكثر خطورة وهي حرب العولمة، والتنافس غير المتكافئ بين بنيات مهترئة وهشة وبنيات قوية، صنعها الغرب منذ أزمة 1929، بالمقابل تم بناء مقومات للمنافسة الاقتصادية على مستوى أوروبا وأمريكا الشمالية، في حين أن الدول التي خرجت من الاستعمار عرفت الهشاشة. إذاً كان على هذه الحكومات والنخب السياسية بناء الدولة بكل مقوماتها من بنيات تحتية ورفاه اجتماعي، وللأسف فنحن نسير في انحدار في كل بلدان العالم الثالث.

 

+ لكن لا مجال للمقارنة بين البلدان المتقدمة التي تعرف انتعاشا قويا للمرفق العمومي وعناية مهمة بالخدمات والرفاه الاجتماعي (الرعاية الصحية، التعليم، ضمان حق الشغل، النقل العمومي الذي أصبح في بعض البلدان متاح بالمجان..)؟

- هذا يعود لاعتبارين: أولا، على المستوى العمودي، يعود الأمر إلى مساهمة المنظمات في بناء أوروبا بعد مشروع مارشال، كما أن هذه البلدان هي مساهمة كبيرة في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ولها وزن كبير داخل هذه المؤسسات وتتحكم في هذه الصناديق وفي السياسات التي نحن ضحاياها اليوم. بالمقابل، فالبلدان الكبرى مثل اليابان وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية التي تساهم بأكثر من 25 في المائة من ميزانية المؤسسات الدولية لا تخضع لهذه السياسات. السياسات التي فرضت علينا من النهج نيوليبرالي أو من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ومنظمة التجارة العالمية منذ الثمانينيات تحكم فيها منطق القضاء على المرفق العمومي وإضعاف الشرائح الاجتماعي والاهتمام بسوق المنافسة، في حين أننا لا سوق لنا ولا مقاول لنا ولا رأسمال لنا، وهذا ما يفسر القتل البطيء للمرفق العمومي الذي نشهده الآن.

والنقطة الثانية، وهي أننا شجعنا المقاول في جميع السياسات المالية، على حساب المجتمع، وهو ما جعل شرذمة من الناس تستفيد من النهج نيوليبرالي منذ الثمانينات، وهو ما أعطى الهشاشة الاجتماعية التي نشهدها اليوم مقابل وجود سياسات سطحية لا تمس الهيكلة الاجتماعية، وهو الأمر الذي كانت له آثار على مستوى مردودية المستشفى ومردودية الجامعة والمدرسة مقابل الاهتمام بالمقاول باعتباره أصل نسبة النمو، في حين أن اليد العاملة المنتجة التي كانت في الأطروحات السابقة وهي صاحبة النمو وصاحبة الإنتاجية، تم تهميشها. إذاً هذه النظرة الهيكيلة لها تأثير على المغرب، ولها تأثير على مختلف الحكومات المتعاقبة. فكل الحكومات منذ الثمانينيات حاملة للنهج نيوليبرالي، سواء كانت الشفافية في صناديق الاقتراع أو لم تكن، وسواء كان اليمين أو اليسار في الحكومة، فهناك منطق يسير عليه الجميع.

 

+ ما جدوى وجود الدولة أصلا، إذا كان سنقبل بتحكم أصحاب رؤوس الأموال في مصير الشعوب؟

- هذا هو المنطق الذي يتبناه الحراك الاجتماعي للتعبير عن عدم رضاه على توجهات الحكومات في العالم. فالحكومات منذ 40 سنة تتوجه إلى المقاولات على حساب المجتمعات، وهذه الروح الجديدة للرأسمالية في العالم. والمفارقة العجيبة هي أن الأحزاب تأخذ أصواتها من المجتمع، ثم تنهج بسرعة النهج نيو ليبرالي أو النهج المقاولاتي، ولذلك لم تعد السلطات المضادة داخل هيكل السلطة بل أصبحت في الشارع، والتي تناهض هذا التوجه الخطير الذي أفسد على المجتمع حياته وسكينته، واستقراره، وهذا ما يفسر ردود أفعال بعض المثقفين من قبيل جيليان جون ضد العولمة وضد هذا التوجه الذي أغنى المقاولين، لدرجة أننا أصبحنا نعثر في مجلة «فوربس» على جيل جديد من الأغنياء الجدد، والتي لم تكن في السابق.. إننا نعيش في زمن «قارونات» وليس قارون واحد نتيجة السياسة نيوليبرالية الأنجلوسكسونية التي فرضت علينا منذ عهد رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر والرئيس الأمريكي السابق ريغن، والتي كان لها آثار على بلدان العالم الثالث علما أنها لا تتوفر على البنيات التحتية الكفيلة بتمكينه من المنافسة.