الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى العراقي: انتخابات تونسية ذات حقائق مغاربية

مصطفى العراقي: انتخابات تونسية ذات حقائق مغاربية مصطفى العراقي

أبرز النتائج التي أفرزها الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية خلال نهاية الأسبوع، أنها أكدت حقائق سياسية مغاربية تعيشها المنطقة في السنوات الأخيرة وتشكل أبرز تحولات المشهد السياسي خاصة في الدول المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط.

الحقيقة الأولى، أن تأثير الخطاب الحزبي لدى الرأي العام  لم يعد بنفس الوقع الذي كان عليه قبل عقدين على الأقل. لقد فقد الناخبون بشكل عام الثقة في هياكل جلها فرط في روحه النضالية وهويته الإيديولوجية وهجرها بشكل جماعي منتسبوهاوأصبحت مجرد قاعات انتظار تتلقف بعض "إكراميات" السلطات  من  مواقع ومقاعد، لتوزعها على أتباع متنفذين...

هاهي انتخابات تونس تفرز للدور الثاني مرشحين اثنين بدون انتماء تنظيمي من بين 26 شخصية ينتمي أغلبها لأحزاب سياسية. ودون شك فإن الناخبين عبروا عن عقابهم للخطاب والسلوك الحزبي الذي شهدته تونس خاصة منذ ثورتها سنة 2011. وحتى الذين لم يتجهوا إلى صناديق الاقتراع كان لهم نفس التعبير تجاه المترشحينوهيآتهم.

وهاهو حراك الجزائر وهو في شهره السابع  يلفظ كل الأحزاب ويذكرها بتواطئها مع النظام الذي زج بالبلاد في مشاكل  اجتماعية واقتصادية عميقة ..ويرى أن الخروج من مرحلة الفساد إلى دولة الديمقراطية لن يمر  رفقة  هذه الأحزاب لأن لها مسؤولية جسيمة فيما وصلت اليه البلاد.

أما المغرب فليس ببعيد عن هذه الحقيقة .والرأي العام ومواقفه تجاه العديد من القضايا السياسية والمؤسساتية يعطي الانطباع بأن منسوب الثقة في الأحزاب السياسية قد انخفض إلى مستوى لم تعرفه البلاد منذ استقلالها. 

الحقيقة الثانية ، أفول مرحلة التنظيمات الأصولية التي اتخذت  من الدين خطابا سياسيا لها .لقد فشل مرشح حزب النهضة بتونس في المرور إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ولم يحصل سوى على 11 بالمائة من الأصوات .

وهاهو حراك الجزائر يتواصل، تعبئة وشعارات ومشاهد عامة، دون أي تأطير أو لون من ألوان الأحزاب الأصولية عكس ما عرفته الجزائر في استعراض القوة بالشارع من طرف جبهة الإنقاذ الإسلامية وحلفائها في نهاية ثمانينيات القرن الماضي وبداية تسعينياته.

في ليبيا التي تعيش على وقع مواجهات مسلحة بين العديد  من الفصائل،  توارى بشكل كبير الخطاب الأصولي بشقيه السياسي والعسكري بعد أن كان حاضرا بقوة غداة الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي..

المغرب الذي قاد حكومته ولولايتين اثنتين حزب ينتمي للمشهد الأصولي المغاربي يتوقع أن يتقلص عدد ناخبيه بشكل كبير في الاستحقاق المرتقب سنة 2021. فمن جهة بسبب فشل السياسات العمومية للحكومة التي يرأسها والتي لم تعالج   الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. ومن جهة ثانية للوقائع التي وصلت حد الفضائح  وكان قياديون له أبطالها وأبرزت هذه الوقائع ازدواجية فظيعة في الخطاب والممارسة.

الحقيقة الثالثة، لم تعد الانتخابات في ظل الأوضاع الحالية بالمنطقة المغاربيةتستقطب اهتمام الشباب للمشاركة فيها . فتراكم الخيبات التي أفرزتها الاستحقاقات السابقة أفقدت الثقة في صناديق اقتراع لا تعبر عن الإرادة الحقيقية للناخبين، وأن الحكومات المتعاقبة  فشلت في معالجة أمراض الجسد السياسي للمنطقة .. ونسبة المشاركة في انتخابات تونس والفئة العمرية للمشاركين تؤكد ذلك ..وقبل استحقاق الأحد الماضي كانت هذه الحقيقة بارزة في الانتخابات التشريعية بالمغرب سنة 2016..

هذه بعض من حقائق  تعرفها المنطقة المغاربية في مخاض لها تتفاعل تحولاته طيلة العقد الأخير . ومن المحتمل أن يفضي إلى مرحلة جديدة في العقد المقبل بحثا عن ديمقراطية حقيقية ومؤسسات ذات مصداقية.