الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور : الصحفية هاجر الريسوني بين الإسلاميين و الديموقراطيين

الحسن زهور : الصحفية هاجر الريسوني بين الإسلاميين و الديموقراطيين الحسن زهور

 

تضامننا كديموقراطيين مغاربة مع الصحفية الريسوني يدخل في باب مبدإ حقوقي مدني تقوم عليه المجتمعات المدنية المتحضرة، و هو مبدأ احترام الحرية الشخصية للمواطن كمبدإ مقدس لا يجوز المساس و لا العبث به، و هو حق من حقوق المواطنة في الدول الديموقراطية.

إنطلاقا من هذا المبدأ ،نتضامن مع الصحفية و نندد باعتقالها لأن ما قامت به يدخل ضمن اختياراتها الشخصية و الفردية ، و هي الإجهاض لدوافع هي أدرى بها أو لأسباب صحية يعلمها الطبيب الذي قام بالعملية.  لذلك تستوجب مبادئنا الديموقراطية التضامن معها و مع الطبيب و طاقمه التمريضي المعتقلين, و هذا المبدٱ الحقوقي هو ما تناساه الديموقراطيون حين أفاضوا في التضامن مع الصحفية و أغفلوا إعلانهم التضامن مع الطبيب مع طاقمه المعتقلين و الذي كانت له الشجاعة في تطبيق حق المواطنة المغربية في الإجهاض، و هو أدرى بالأسباب الصحية أو النفسية الدافعة للقيام بالعملية.
إذن اتفق الديموقراطيون و الإسلاميون على إدانة الإعتقال؛ و يبدو هذا الإتفاق و كأن الإسلاميين أقروا أخيرا  بالحقوق الشخصية التي يقوم عليها المجتمع المدني، في وقت كانوا هم من أشد خصوم هذه الحقوق تحت يافطة الدفاع عن الدين بمفهومه السلفي أي بمفهومه السياسي الذي أبانت عنه أيديولوجيتهم الدينية السياسية.
فإدانة الديموقراطيين لاعتقال الصحفية و الطبيب و طاقمه التمريضي يختلف كليا عن إدانة الإسلاميين لهذا الاعتقال, فأين يكمن هذا الاختلاف إذن؟ ؟
يكمن الإختلاف في أن الديموقراطيين ينددون باعتقال مواطنة مارست حقها الشخصي في الإجهاض لأسباب هي أدرى بمصلحتها في ذلك؛   كما أن الطبيب هو المختص الوحيد - بحكم تخصصه - في القيام بالأمر لمصلحة المواطنة أو منعه.

و هنا نذكر المنددين بالإعتقال بأن حق الإجهاض حق طالب و يطالب به الديموقراطيون بما في ذلك المنظمات النسوية الديموقراطية و تم رفضه بشدة من قبل الاسلاميين بدعوى دينية و أخلاقية ؛و عارضت حكومتهم سن قوانين تعطي الحق في الإجهاض و فق ما تقتضيه مصلحة المواطنة الصحية و النفسية و الإجتماعية... فلو تمت الإستجابة لمطالب الديموقراطيين هذا لما تجرأت السلطات على اعتقال الصحفية بتهمة الإجهاض .
لكن تنديد الإسلاميين باعتقال الصحفية( عكس الديموقراطيين)  يتأرجح بين موقفين، أولاهما يكتنفه التشويش و عدم الوضوح و يقترب من التلويح بمبدإ الحرية الشخصية للفرد كما ينادي به الديموقراطيون،  لكن موقف الإسلاميين هنا هو شعار آني و ظرفي مصلحي سيزول بزوال دواعيه، لأن الإعتراف بمبدإ الحرية الشخصية في هذه الحالة يستوجب الإعتراف بحق الإجهاض قانونيا؛ و هذا ما يعارضونه بشدة  فيسقط عنهم بذلك قناع الدفاع عن الحقوق الشخصية و الفردية ،ويكشف زيف دفاعهم عن الحريات الشخصية التي يلتجئون إليها وقت الأزمات كواجهة فقط من الواجهات الدفاعية و كمبدإ حقوقي.

و أمام هذا الإشكال يلتجئون إلى الموقف الثاني و هو  موقف سياسي ديماغوجي يقوم على إدانة هذا الإعتقال من زاوية سياسية هي أن السلطات لفقت التهمة للصحفية أي الالتجاء الى إشهارالتهمة الجاهزة و هي المؤامرة.
إذن ،هنا يكمن الخلاف بين من يناضل من أجل إقرار الحقوق المدنية بما فيها الحقوق الفردية والشخصية للمواطن و التي ينبني عليها المجتمع المدني الذي يناضل من أجله التيار الديموقراطي في المغرب؛ و بين من يتخذ الحقوق الشخصية كغطاء ظرفي لمشكل آني فقط سرعان ما سينقلب عنها بانتفاء دواعيها.
نقول للإسلاميين : تعلموا من الديموقراطيين احترام الحريات الشخصية لأنها ستحميكم أنتم.
تعلموا منهم مبادئ حقوق الإنسان الشخصية و الدينية و الفكرية...لأن المجتمع المدني أي "العلماني" بخصائصه المغربية هو من سيحميكم من أنفسكم و من ايديولوجيتكم ؛و لنا في تراثنا القانوني و الثقافي الأمازيغي( الأعراف مثلا) ما يساعدنا على بناء مجتمع مدني مغربي منفتح على القيم الكونية.


** الحسن زهور كاتب ومحلل سياسي