الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

هذا ما أصاب ملف تدبير سلامة تنقل المواطنين في غياب انضباط الوزارة

هذا ما أصاب ملف تدبير سلامة تنقل المواطنين في غياب انضباط الوزارة محمد عرسي مع نماذج من صور حوادث السير

"لقد ضاع ملف تدبير سلامة تنقل المواطنين بين ارتباك الوزارة وتنصل مسيري اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير واسترزاق أغلب الجمعيات المتخفية وراء شعارات السلامة الطرقية"؛ من المؤكد أن هذا الكلام لن يروق لمن ينتمي لهاته المؤسسات أو لمن تحركه عاطفة الانتماء السياسي، كما لن يروق هذا الكلام لكل مستفيد مما يدره هذا الملف من أسباب الاسترزاق.

 

كل المؤشرات تؤكد لنا فشل الوزارة وتنصل اللجنة واسترزاق أغلب الجمعيات.. أموال طائلة صرفة وملتقيات وطنية وقارية ودولية نظمت، مسيرات ووصلات وتحركات، سترات ومطبوعات، دون الحديث عن المآدب والتنقلات...

 

تساؤلات:

كم كلفنا المنتدى الإفريقي للسلامة الطرقية بمراكش؟ بالمقابل ماذا استفدنا من هذا المنتدى؟

حتى لا أنعت بالنعوت القدحية فأرقام وزارة التجهيز والنقل تؤكد أن عدد قتلى حوادث السير بالمغرب خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2019 عرف ارتفاعا بنسبة ناهزت 10 في المائة، في حين أن الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية تسعى لتقليص عدد الوفيات على الطرق بنسبة 50 في المائة في أفق عام 2025. ولبلوغ هذا الهدف يجب تقليص عدد قتلى حوادث السير سنويا بنسبة 5 في المئة ابتداء من 2016، فقط سنة 2016 عرفت ارتفاعا لقتلى حوادث السير بنسبة 0.24 في المئة كارثة، كما عرفت سنة 2018 انخفاضا بنسبة 0.4 في المئة، (يا له من إنجاز).

 

للتذكير عدد قتلى حوادث السير بالمغرب خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2019 عرف ارتفاعا بنسبة ناهزت 10 في المائة.

إذا فشل ذريع يستوجب تحمل المسؤولية. خصوصا إذا علمنا أن هذا الارتفاع تزامن مع التعديلات التي قامت بها الوزارة الوصية سنة 2016 على القانون رقم 56.15 المتعلق بمدونة السير على الطرق بالقانون رقم 11.611، فحوالي 71 مادة غُيرت أو تُممت لم تقدم الكثير لتحسين سلامة تنقل المواطنين.

إذا استثنينا الندرة القليلة من هاته المواد سنجد أغلبها تم تتميمه أو تغييره لإرضاء متمرد أو استمالة متعاطف أو تأليف قلب طامع أما سلامة مواطن فتأجل لحكومات مستقبلية.

 

ومما زاد الطين بلة هو تفريغ ما صودق عليه بشق الأنفس سنة 2010 من محتواه وخصوصيته لتحسين سلامة التنقل، أذكر على سبيل المثال:

 

- تم تغيير وتتميم المادة 219 قصد الحد من إشكالية الرشوة، فاستحسنت التخفيض نفوس مرتكبي المخالفات، أمر طبيعي، فغرامة 700 درهم تحولت إلى 400 درهم وغرامة 300 درهم تحولت إلى 150 درهم، الأمر لم يعد مكلفا ولا منهكا للجيوب، وقد يشجع على تأدية الغرامة دون التفكير في إعطاء الرشوة، إلا أن الراشي تعامل بمبدأ التناسبية ولم يكتف بالتخفيض القانوني، بل طمع في تخفيض الرشوة فضاعت المبادئ وضاع معها الدور الردعي والوقائي للغرامة.

 

- كذلك التغييرات التي عرفتها المادة 216 كانت من وراء شبه تعطيل الدورات التكوينية للتربية على السلامة الطرقية، فتعطل معها طموح من أراد أن يجعل من هاته الدورات التكوينية آلية بيداغوجية لتغيير سلوك كل سائق، خصوصا إذا علمنا أنه كان مقرر لها أن يستفيد منها كذلك كل ناجح في امتحان الحصول على رخصة السياقة.

 

- من التغييرات كذلك تحويل دور لجان البحث في حوادث السير المميتة (التي لم يكتب لها الظهور) إلى دور استئناسي لا غير.

 

- كما عرفت هاته السنة تعديلات أخرى يستشف منها القارئ أن من يشرف على سلامة تنقل المواطن آخر همه سلامة الإنسان.

 

وخير دليل كيف أن مخالفة عدم تأدية مبلغ الأداء عن استعمال الطرق السيارة تعد مخالفة من الدرجة الأولى (700 الى 1400 درهم) في حين عدم وضع حزام السلامة مخالفة من الدرجة الثانية؟

 

لا قيمة لك يا إنسان، رغم أن جروحك ووفاتك تتسبب في ضياع ثرواتنا البشرية ومواردنا المادية، وللأسف من يدبر الملف همه إرضاء القوات الضاغطة.

 

- السياقة المهنية، آخر ما طلع علينا من تعديل، لقد تم التوقيع على قرار سيعود بالويلات على سلامة السائق المهني الجديد ومعه على باقي مستعملي الطريق.

 

للأسف الخطأ واضح لا يستوجب أن نكون خبراء حتى نلاحظ الارتجال وعدم الموضوعية في تعديل القانون، بل سنتأكد أنه كان تغييرا من أجل إرضاء طرف ما.

 

إذا تصفحنا برنامج تكوين السائقين الجدد (البرنامج التأهيلي) وقارنا السابق بما عدل، سيتبادر للأذهان أن مدة التكوين الجديدة، غير كافية، وأن كل من أراد الالتحاق بالمهنة، سواء نقل البضائع أو نقل الركاب، لا يمكنه الاعتماد على هذا التكوين كي يصير سائقا مهنيا، خصوصا أن مهنة المرافق (كريسون) صارت ممنوعة عند أغلب الشركات. للأسف كنا ننتظر أن الوزارة ستضع آليات لضمان مدة التكوين خصوصا ما تعرفه كل مدارس السياقة المهنية من تلاعب بمدة السياقة الفردية.

 

للأسف عوض مواكبة المستجد وضمان الحق، قرر المسؤول استمالة من لا يهمه سلامة المواطن، ولإرضائه خفض من عدد ساعات التكوين بالنسبة لمن يريد الولوج لهاته المهنة من 4 أسابيع إلى 10 أيام ومن 7ساعات ونصف سياقة إلى 4 ساعات، بالنسبة لنقل البضائع؛ أما بالنسبة لنقل الأشخاص: فمن 6 أسابيع خفضت إلى 13 يوما، أما السياقة الفردية فمن 23 ساعة إلى 5 ساعات.

نعم 23 ساعة سياقة فردية حولت إلى 5 ساعات،

 

أسئلة:

ما هو المعيار الذي اتبعتموه في اختيار 23 ساعة بالنسبة للبرنامج الأول؟ ولماذا قلصت هاته المدة للخُمس؟ بالنسبة للجدد، هل 5 ساعات تجعل من الشخص سائقا مهنيا؟ أي تناقض هذا؟ فبالنسبة لتعليم السياقة من صنف (ب) تتحدثون عن 20 ساعة سياقة وبالنسبة لسائق مهني 5 ساعات؟

أمام هذا التناقض من حقنا السؤال، لماذا التعديل الأول جاء مباشرة قبل الانتخابات بحوالي 3 أشهر؟ هل هاته التعديلات الأخيرة التي همت السياقة المهنية بريئة؟

 

بل أكثر من ذلك عندما نتفحص المؤشرات والنتائج الأخيرة التي طلعت علينا بها الوزارة يلاحظ أنها غير دقيقة ولا تساعد على إيجاد الحلول، فعندما توافينا الوزارة بأن من الأسباب الرئيسية لحوادث السير طيلة الأربع أشهر من سنة 2019 يذكرون عدم الانتباه (27.5 في المائة) وعدم التحكم (14.2 في المائة)، أي مقياس علمي جعلنا نصنف الحادثة أن سببها عدم الانتباه أو عدم التحكم ...

 

ومما زادنا يقينا أن الوزارة في ارتباك من أمرها، هو التركيز على اقتناء الرادارات والكاميرات قصد تخفيض عدد قتلى حوادث السير، نعم قد يكون ضمن الحلول، لكن إن كان كذلك فلا حاجة لنا بوزارة النقل خصوصا مع تعيين الوكالة، فنسند الأمر لوزارة الداخلية وللدرك هم من يتكفل بالرادارات والكاميرات ونجعل للعون المراقب نسبة من الغرامات المستخلصة فنحد من الرشوة، ونقلص من عدد الحوادث، ونوفر تكاليف وزارة النقل.

 

للأسف بات واضحا أن من يشرف على سلامة تنقل المواطن همه البحث عن التعاطف والرضا، حتى وإن كان ذلك على حساب سلامة المواطن. ناسيا أو متناسيا أنها أرواح تزهق ودماء تراق على طرقات المغرب، سيسأل عنها أمام من يسر له التنعم بالمنصب.