الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

العمراني : بعض المهرجانات الفنية والتراثية تستغل عنوان " تحت الرعاية السامية" من أجل الغنيمة (1/2)

العمراني : بعض المهرجانات الفنية والتراثية تستغل عنوان " تحت الرعاية السامية" من أجل الغنيمة (1/2) الحسين العمراني

في نقاش حميمي مع الإعلامي المتميز الحسين العمراني، أحد ركائز البرنامج الناجح صناع الفرجة، حول المهرجانات التي تقام في فترة الصيف خلصنا إلى أن هناك " احتكارا وتكرارا واستنساخا لنفس المطربين والمطربات، و لا يوجد فرق بين تلك المهرجانات شكلا ومضمونا، بل افتقادها للبصمة التي تميز مجالها وخصوصيته الثقافية والتراثية..". وتساءلنا خلال جلستنا  عن الأسباب الحقيقية التي "أبعدت وجوها فنية عن هذه المهرجانات ، والإقصاء الذي يعاني منه مثلا فنانون من الأقاليم الجنوبية ( كلميم والعيون والداخلة والسمارة وحرمانهم من المشاركة في هذه التظاهرات الوطنية".

 فكانت خلاصات جلستنا صادمة،  ومقلقة حد القرف، بعد الوقوف على عدة معطيات و حقائق تقدمها جريدة " أنفاس بريس" لعموم القراء.

لقد أضحت الفوضى والعشوائية والتسيب سمة ملتصقة بأغلب المهرجانات التي تقام طيلة السنة، قاسمها المشترك هو الارتجال، بحيث أصبح قرار إقامة مهرجان معين يخضع لمزاجية البعض، دون دراسة أو تصور وأهداف محترمة تروم احترام ذكاء وذوق الجمهور المغربي.

تصور معي أن مجموعة من الجماعات المحلية تشكو العوز وعجز في الميزانية طول السنة وتبرر تقاعسها في تقديم خدماتها وحل قضايا الناس والمجتمع بتبريرات مالية، لكنها تجتهد وتشمر على ساعدها كلما حلت مناسبات وطنية لاستغلال الحدث الوطني للانقضاض على المال العام عن طريق إقامة "مهرجان" لا يحمل من خصوصية المجال الترابي إلا الاسم ، حيث يصدم الجمهور بالمال السايب يتهاطل على رؤوس المحظوظين من " الفنانين والفنانات " الذين قطر بهم السقف، سواء في شكل سيولة مالية أو عبر شيكات تمرر في الحسابات وتضمن نسب مائوية لإدارة المهرجان.

إن فوضى وتسيب المهرجانات تفرض طرح سؤال توضيحي ونقطة نظام: ـ ما علاقة فنان يغني نمط وألوان فنية تمزج بين الأمداح والأندلسي والشعبي بمهرجان فن الراي بمدينة وجدة، الذي له خصوصية محلية لا علاقة لها بما يقدمه هذا الفنان الذي التهم مبلغ 20 مليون سم في رمشة عين؟ ألا يستحق هذا السلوك مساءلة مرتبطة بالخصوصية المحلية ؟ كيف سمح مدير المهرجان لنفسه ببرمجة هذا الفنان في مهرجان له بصمة خاصة ترتبط بنمط فن الراي بالمنطقة ؟

لقد تتبعنا مجموعة من المهرجانات كلها موسومة بالفوضى و العشوائية والتسيب، لكن لا بد أن نقر بأن هناك بعض المهرجانات التي مازالت تحافظ وزارة الثقافة ، على خصوصية مجالاتها الفنية والتراثية وبصمتها الإبداعية مثل مهرجان الفنون الشعبية بمراكش، وكناوة بمدينة الصويرة، والعيطة بأسفي ، وعبيدات الرمى بخريبكة....بحيث كلما ذكرت مدينة أو منطقة تجدها رسخت بشكل إيجابي عنوان مهرجانها بلمسة فنية تعكس احترافية إدارتها الفنية، و تستقطب كل سنة جمهورا واسعا من عشاق تلك الأنماط والألوان الموسيقية والغنائية والفنية بشكل حرفي ومهني جاد ومتميز.

إن نجاح المهرجانات مرتبط بشكل وثيق باحترافية المسئولين بالإدارة الفنية وامتلاكهم المهارة و القدرة والجرأة على تحديد فقرات البرامج والأطباق الفنية المتنوعة، و تحديد الأسماء الفنية الوازنة، لكن ما نشاهده اليوم عكس ذلك، بحيث هناك تطفل على الميدان، واقتحام هذه الواجهة من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالميدان نهائيا، اللهم تغماس " المرقة والزرقة ".

السبب في اعتقادنا هو تحويل بعض المنتخبون إلى متعهدي حفلات وسهرات ومهرجانات من خلال خلق جمعيات لهذا الغرض، تشتغل بالتحكم عن بعد، وتمنح صفة الجهة المنظمة التي تحول لها السيولة المالية في حسابها البنكي، لصرف التعويضات والمستحقات للفنانين والمنشطين بسخاء ، وبقدرة لوبي متمرس يتم تنصيب "مدير المهرجان" من قائمة المنتخبين بالجماعة يقرر في مصير خصوصية المجال الترابي على مستوى الفني والإبداعي بشكل تعسفي وارتجالي بغرض الإنقضاض على المال العام.

نعم هذه المهرجانات تتشابه في استنساخ شعاراتها الرديئة، والتي تتكرر كل سنة دون قيمة مضافة على جميع المستويات، وتتشابه في الأسماء الفنية التي تحتكر منصات السهرات هنا وهناك، وقاسمها المشترك كذلك يتجلى في الوجوه " المقصدرة" التي تقدم الفقرات المبرمجة، وتتنافس إداراتها في تبذير صرف المال العام والنفخ في التعويضات، وتتقاسم في الأخير الفشل الدريع، وتوزيع القلق واليأس على الجمهور المغربي للأسف الشديد.

لا نختلف على أهمية خلق جمعيات متخصصة، بمكونات بشرية متمكنة، هدفها الأسمى هو السهر على إقامة مهرجانات ذات مضامين ثقافية وفنية و تراثية ، لكن شريطة ألا يسيطر عليها "منتخبون"، ويحولونها لبقرة حلوب يخططون من خلالها لتمرير صفقات مشبوهة لا علاقة لها بفتح نافذة أمل على الحقل التراثي والموروث الثقافي الشعبي ، والانفتاح على عمالقة الأنماط الغنائية والموسيقية المتعددة الخصوصيات في مختلف مجالاتنا لجغرافية.

هناك قلق ويأس عارم يجتاح نفوس المواطنين والمراقبين والمتتبعين لتدبير الشأن الفني والإبداعي على اعتبار أن الجمعيات التي تختلق من رحم بعض الجماعات المحلية وتتسابق لبرمجة مهرجانات فنية تتهم اليوم باستغلال شعارات وعناوين رنانة لكي تستفيد من ريع الحفلات والسهرات الفنية بمختلف المدن المغربية، بتواطؤ مشبوه مع "أشباه الفنانين" والوسطاء عبر جسر ما يسمى بإدارات المهرجانات .

لذلك حان الوقت لنطالب جميعا بضرورة وضع نخبة من المثقفين والمفكرين والمتخصصين على رأس هذه الجمعيات لإعطاء بصمة خاصة وحقيقية لخصوصية المجال الجغرافي من خلال رد الاعتبار للموروث الثقافي والفني وكل الأنماط الغنائية التي تمثل هوية الشعب المغربي بمختلف مناطقه. للحفاظ على عاداته وطقوسه و تقاليده الشعبية.

الأخطر من ذلك أن بعض المهرجانات، تستغل بتواطؤ مع جهات معينة اسم المؤسسة الملكية لتضع صفة " تحت الرعاية الملكية " كعنوان " باهر" على واجهة اليافطات الإشهارية، حيث أن الأمر أصبح لا يطاق لما يتم تمرير صفقات مشبوهة و " سرقة المال العام " في واضحة النهار، رغم أن جلالة الملك بعت بأكثر من رسالة واضحة المضامين في هذا المجال للمؤسسات المنتخبة للابتعاد عن استغلال المناسبات الوطنية من أجل الظفر بالغنيمة واقتسام الكعكة. وهذا السلوك المرفوض يخدش صورة الوطن أمام الشعب وكل المتتبعين. ويضر بمصلحة الوطن والمواطنين.

 نعم، هناك مهرجانات لا تستحق عنوان " تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة ". لأن هذه الصفة وجدت لتمنح الدعم المعنوي والتشجيع لمن يشتغل بحب من أجل الرقي بثقافتنا وفننا وإبداعات شعبنا . وهي عبارة وصفة تؤكد نجاح مسارات تلك المهرجانات في تسويق منتوجنا الثقافي والفني وليس العكس مثل واقع الحال.

 لقد حان الوقت لوضع حد لهذا التسيب وهذه الفوضى ، وتلجيم هؤلاء المتنطعين المتهافتين على نهب المال العام والاحتماء بالمؤسسة الملكية، والإساءة لصورة الوطن من خلال ممارساتهم التي تتنافى مع ما راكمه المغاربة من أعمال فنية وإبداعية يشهد بها العدو قبل الصديق والتي كانت تمثل أرقى التعابير الفنية المتعددة الخصوصية المغربية الثقافية والفنية.

نستغرب لبعض المهرجانات الفنية التي تقوم بدعوة فنانين، و فرق ومجموعات غنائية تحافظ على خصوصية وهوية مجالها الجغرافي بطابع المحلية ويتعامل معهم "مدير المهرجان" الآمر بالصرف، بشكل تعسفي وظالم، وبأسلوب حاط من الكرامة، حيث لا تتعدى تعويضات تلك الفرق مبالغ هزيلة لن تغير من الواقع المعيشي لهؤلاء الشيوخ والفنانين الوافدين من تخوم المغرب وجباله و مداشره، في الوقت الذي تمنح تعويضات سخية لبعض الفنانات والفنانين الذين تتكرر وجوههم في كل المهرجانات سواء عن طريق السيولة المالية أو شيكات منتفخة الأوداج ، مع ضمان نسبة محترمة للمنظمين طبعا؟.

فكم من فنان أدى فقرته الغنائية على منصة سهرة بمدينة معينة، تفتقر لأبسط شروط البنية التحتية ، وتسلم فور نزوله من الخشبة مبلغا ماليا مغريا قد يستثمر في اقتناء سيارة إسعاف تحتاجها الساكنة للخدمة الصحية؟ في حين يسلم الفتات للفرق الغنائية التي تحمل مشعل المحافظة على تراثنا المغربي. الذي يعكس موروثنا الثقافي الشعبي العميق. ألا يعتبر هذا السلوك احتقارا لوجه تراثنا المشرف.؟

لقد قام فريق صناع الفرجة بجولة في المناطق الحدودية مع الجارة الجزائر، حيث اكتشفنا ألوانا وأنماطا غنائية وموسيقية غاية في الروعة والجمال، تتعرض للاندثار والضياع، موروث ثقافي مغربي يحتاج لرد الاعتبار والتثمين والتحصين والتوثيق. اكتشفنا أنماطا غنائية بمناطق بوعرفة وفكيك وبودنيب وبعين الشواطر...مثل اللون الغنائي الذي يطلق عليه اسم " هوبي هوبي"، وهو لون تراثي محلي جميل ورائع ، والأجمل من ذلك نتقاسمه مع أشقائنا الجزائريين، وعلمنا أن الجزائر تهتم بهذا اللون الشعبي جيدا وتقيم له مهرجانا كبيرا ، فضلا على أن الفرق الغنائية التي تمارس غناء " هوبي هوبي" تنتمي لنفس العائلات والأسر التي تربطها علاقة القرابة والدم بين الجزائريين والمغاربة. وتتقاسم نفس الطقوس والعادات والتقاليد على جميع المستويات الاجتماعية والإنسانية. لذلك نتساءل : ألا يستحق هذا اللون الغنائي مهرجانا وطنيا للتعريف به والترويج له ؟ هنا يكمن دور وزارة الثقافة التي ترعى الشؤون الثقافية والفنية والإبداعية على طول مساحات مملكتنا العزيزة .؟؟

الزميل أحمد فردوس رفقة طاقم صناع الفرجة

ـ يتبع..