الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

كريدية: أسفي تتربع على عرش فن موسيقى الطرب الأندلسي

كريدية: أسفي تتربع على عرش فن موسيقى الطرب الأندلسي جوق أندلسي آسفي يهودي وفي الإطارين الفنان عبد الله الكراوي (يمينا) والباحث إبراهيم كريدية

كلما تم ذكر اسم مدينة أسفي في مجامع الفن والإبداع والموسيقى والغناء الشعبي، إلا واقترن اسم حاضرة المحيط بفطاحلة وأيقونات شيوخ وشيخات فن العيطة الحصباوية.. إلا أن الذاكرة المسفيوية تحتفظ لأسفي بالعديد من الأسماء الرائدة التي تألقت في مجال فن موسيقى الطرب الأندلسي وطرب الآلة. وفي هذا السياق نقدم للقراء بعضا من أوراق النبش في التاريخ للمؤرخ والباحث الأستاذ إبراهيم كريدية، بالغة الأهمية في الموضوع، على اعتبار أن أسفي كانت قد احتضنت بانفتاحها وتعدد ثقافات أهاليها مجموعة من الأجواق اليهودية والمسلمة.

يقول الأستاذ إبراهيم كريدية، في ورقته حول تاريخ فن الطرب الأندلسي بمدينة أسفي، "كانت مدينة أسفي من المدن الرائدة في الطرب الأندلسي، فقد عرفت بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، تألقا كبيرا في فن الموسيقى الأندلسية، ماثلت وضاهت به حواضر كبرى، مثل فاس وتطوان والرباط وسلا ومراكش وغيرها. فقد احتضنت زمنئذ أجواقا مسلمة وأخرى يهودية وأخرى مختلطة، كانت تضم عازفين ومنشدين من الطائفتين المسلمة واليهودية". ويؤكد كريدية على أن ذاكرة أسفي في مجال أجواق موسيقى الطرب الأندلسي تحتفظ بذكر الأبرز منها حيث: "كان من أبرزها ثلاثة أجواق هي: "جوق الحاج عبد الله الكراوي"، و"جوق عبد الرحمان بن الهواري"، و"جوق اليهودي كوهن السعدية".

ويتنقل الباحث الأستاذ إبراهيم كريدية في ورقته، إلى التعريف برؤساء تلك الأجواق الثلاثة وشخصياتهم وانتماءاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والفنية.

ـ رئيس الجوق الأول عبد الله الكراوي، كان يمتلك صوتا رخيما، كان يؤدي به وصلات من السماع والمديح والغناء الأندلسي، وكان ذو ثقافة موسيقية واسعة، ومن ذلك حفظه لميازين الموسيقى الأندلسية، كما كان بارعا في العزف على عدة آلات موسيقية، ومنها آلة البيانو الذي كان من السباقين إلى إدخالها ضمن آلات عزف الغناء الأندلسي، في وقت رفضت فيه أجواق أخرى داخل وخارج أسفي، تبني هذه الآلة، باعتبارها آلة دخيلة، وبدعوى المحافظة على الطابع الأصيل لآلات للموسيقى الأندلسية، وإلى هذا الهرم الفني ترجع الريادة في إحداث ظاهرة "المجالس الفنية" بأسفي.

ـ رئيس الجوق الثاني عبد الرحمان بلهواري، كان من كبار أغنياء المدينة ويعتبر من "ألمع من أنجبتهم مدينة أسفي في دنيا (موسيقى) الآلة"، كان "يحفظ نوباتها وميازينها، ويجيد العزف على البيانو والكمان"؛ وكسابقه الكراوي، أسس هو الآخر مجلسا فنيا أو صالونا فنيا، كان يجتمع فيه بهواة الموسيقى الأندلسية من العازفين والمنشدين من الآسفيين وغيرهم، بحيث صار بمثابة مدرسة، فيها يتم التمرين على الميازين وحفظ الصنائع والتواشي، وزاد من أهمية مجلسه الفني أنه كان يستضيف فنانين كبار من شيوخ الطرب الأندلسي، من فاس وتطوان والرباط ومراكش، ومنهم: الفقيه المطيري ومحمد بن عبد السلام البريهي من فاس؛ وعبد السلام الخياطي والحاج محمد بلفاطمي وعباس بن الغالي وعبد الله الحنفي ومحمد بلمقدم من مراكش؛ وأحمد بن المحجوب زنيبر من الرباط؛ ومحمد العربي التمسماني من تطوان.

ـ رئيس الجوق الثالث السعدية كوهن، كان من أغنياء مدينة آسفي، عد في زمانه هرما متميزا في الطرب الأندلسي على الصعيد الآسفي والوطني، صوتا وثقافة وأداء وخبرة، تعلم موسيقى الآلة بمختلف صنائعها وميازينها بفاس على يد البريهي، كما تعلم عزف الكمان بالدار البيضاء على الموسيقي البارع محمد زنيبر، كان يحفظ الشعر العربي ويفهم معانيه ويجيد في إلقاءه وإنشاده؛ كان مقصد هواة الطرب الأندلسي ومحترفوه لتعلم بعض الصنائع، ومن الذين أخذوا عنه بأسفي عبد الواحد الحكيم وشقيقه عبد القادر ومحمد التويزي الفاسي عازف الإيقاع في جوق عبد الكريم الرايس بفاس والقانونجي المعروف صالح الشرقي والعواد المشهور محمد طنطاوي، وكان من المعجبين به أحمد البيضاوي وعبد القادر الراشدي.