الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

السباعي: أروقة الأمم المتحدة،استقالة أم إقالة هورست كولر؟

السباعي: أروقة الأمم المتحدة،استقالة أم إقالة هورست كولر؟ الحسين بكار السباعي

لا يخفى على أي متتبع للشأن الدولي القرار الأخير لهورست كولر بتقديمه لإستقالة، تعددت تفسيراتها وتبريراتها سواء من المتتبعين أو المعنيين أنفسهم بهذا القرار، وإحتراما لقراء هذا المنبر الإعلامي فإننا لن نقدم نتائج جاهزة بقدرما سنسعى جميعنا في البحث عن تداعيات القرار وفق آليات التحليل السياسي، من خلال الفهم الدقيق لمسار الأحداث السياسية داخل أروقة الأمم المتحدة وإدراك دوافعها.


نقصد بالفهم الدقيق سبر أغوار الواقع السياسي وعدم الوقوف عند حد المعرفة السطحية للوقائع, فقد يحتمل الموقف السياسي أكثر من معنى, وقد يكون ظاهره شيئا آخر غير باطنه, ومسار الموقف ليس المقصود به اللحظة الراهنة للحدث, أو صورته الأخيرة الظاهرة فقط, بل المقصود به المعرفة والإلمام بالجزء التاريخي, والوقائع الراهنة ذات الارتباط, بالإضافة إلى الإدراك بطبيعة الشخصيات والدول الفاعلة ذات الصلة بالحدث أو الظاهرة محل التحليل.


التحليل السياسي يتضمن شقين أساسيين, يجيب كل واحد منهما على سؤال رئيسي، ولا يمكن وضع تصور سياسي لا يجيب عنهما شقين، الشق الأول: هو الفهم الدقيق لمسار الأحداث, عبر طرح سؤال ماذا حدث؟. الثاني:هو إدراك الأسباب الدافعة لهذا الحدث, ويجيب على السؤال الثاني, لماذا حدث؟
تتركز هذه الأدوات في إدراك البيئة السياسية الدولية ببعديها الداخلي والخارجي وما يتحكم فيها من مفاهيم وآليات تصيغ الأحداث وتُنشأ القرارت بكافة أنواعها لاسيما تقديم الإستقالات منها.


قراءنا الأفاضل، إن معرفة البيئة السياسية المحيطة تتحكم فيها عدة مدارس معرفية, لكن أقربها تلك المدرسة الواقعية التي تمزج التقسيم الجغرافي بأبعاده المسيطرة والمتحكمة فيه وفي توجهاته وآليات صنع القرار فيه، ووفق هذه المدرسة يمكن النظر للبيئة السياسية أن لها شقين: البيئة الداخلية ـ البيئة الدولية.


فيما يخص البنية الداخلية، فمن الجلي أن الأمم المتحدة قد استفادت من نظرية تسمى التغيير المفهومي، اي تغيير المفاهيم لدى ادمغة الناس في اطار البنية المفهومية، وبذلك قدمت لنا الأمم المتحدة ترسانة من المصطلحات، شكلت الإطار النظري الناظم لكل ما له علاقة بالصراع في الصحراء المغربية، بل أصبحنا نقرأه من خلال شبكة المصطلحات التي أرستها منظومة الأمم المتحدة، وألزمت الأطراف بالتصرف والسلوك وفقها، دون تحمل عناء مساءلتها وتمحيصها على ضوء واقعنا الحي المباشر، وهو ما يذهب في منطق أن الأمم المتحدة ليس لها الرغبة الحقيقية لإنهاء معاناة ساكنة تيندوف، وبالعودة لبنيتها الداخلية فإننا نجد أن المستفيد الرئيسي من هذا الصراع الذي طال امده هي الدول الخمسة الدائمة عضوية، وطرف يتصور أنه مستفيد هو الجزائر، وهنا قراءنا الأعزاء أحيلكم لمقولة شعبية تقول '' الفايق حاضي العايق والدمدومة قاضي غراض" وإذا ما أسقطناها في دهاليز الصراع فإننا نترجمها كتالي المغرب حاضي الجزائر والأمم المتحدة قاضية غراض.


وعن البيئة الدولية، فإنه لا يمكن ان نستثني الأوضاع في الجزائر، فالأمم المتحدة لا تعرف طبيعة الحكم الذي ستعرفه الجزائر وبالتالي فمنطق التريث وتمديد أجل تعيين مبعوث للأمين العام وارد بشكل كبير، إلى حين معرفة طبيعة سلطة الحكم، فالصراع الدائر الآن بين الدول الأعضاء الدائمة العضوية، والذي فرض على فرنسا تقاسم مقعدها مع ألمانيا لتشكيل قوة سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى وقائع التماس الإقتصادي بين امريكا والصين من جهة، ومحاولات بريطانيا الإنسحاب من الإتحاد الأوربي.


 يشكل بعد الصراع السياسي الإقتصادي جزءا مهما فيما يقع اليوم في الأمم المتحدة، وقد يكون المحرك الرئيسي في المد التوسعي أو في إشعال فتيل الحروب هو بعد الإقتصاد السياسي.


ومع ذلك فإن حصر التحليل السياسي على جانب الإقتصاد السياسي، دون غيره من أدوات التحليل يعتبر خللا سياسيا, فثمة دوافع أخرى تحرك الإنسان فضلا عن الإقتصاد، خاصة عند النظر لسياسات الدول الكبرى التي تتحرك بحزمة من الدوافع والمؤثرات. فمع كون محرك الإقتصاد السياسي حاضرا في الأحداث إلا أن هذا لا يعني أن يكون هو الذي يحدد الموقف النهائي في التحليل السياسي, فالأحداث السياسية قد يتحكم فيها الموقف المصلحي السياسي, والصراع تتعاوره عدة محركات، منها الإقتصاد ومنها الإرتباط التاريخي وغير ذلك من الدوافع.


وبالجمع بين البيئة الداخلية للأمم المتحدة والبيئة الدولية، وإسقاطهما في قالب المنطقة والأطراف المعنية، فإننا نقف على أن  تقرير المصير سائر في طريق حكم ذاتي يمنح للمغاربة الصحراويين، في إطاره سيتمكنون من تدبير شؤونهم المحلية في مختلف المجالات، من خلال مؤسسات منتخبة محليا. 
هذا التصور على “أيديولوجيا الوحدة الترابية”، وعلى أساسه يتحقق التفاف شعبي، يحافظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني المطلوب لإستمرار منطقة المغرب الكبير على  قيد الحياة.

    
    الحسين بكار السباعي : باحث في الهجرة الإعلام وحقوق الإنسان