السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الواحد شعير :إشكالية إلغاء القرار الإداري الفردي والتكييف القانوني في ضوء إلغاء مبارة تعيين عميد كلية الحقوق المحمدية

عبد الواحد شعير :إشكالية إلغاء القرار الإداري الفردي والتكييف القانوني في ضوء إلغاء مبارة تعيين عميد كلية الحقوق المحمدية د.عبد الواحد شعير

أثارني مقال للأستاذ ساجيد مصطفى، نشر بالموقع الالكتروني "أنفاس بريس" بعنوان: ما وراء إلغاء مبارة شغل منصب عميد كلية الحقوق المحمدية؟ يتناول بالتحليل موضوع إلغاء القرارات الإدارية، أعجبني التحليل، وهنا أردت أن أدلو بدلوي بنقاط أوجزها كما يلي:

-أليس من الغرابة والعجب أن تلغى القرارات الإدارية؟

-هل للإدارات الحق في إلغاء القرارات الإدارية؟

-هل هناك استثناءات لهذا المبدأ؟

-هل من المعقول أن تقفز الإدارات على المشروعية؟

-أين الحقوق المكتسبة مادام أن الوسائل القانونية هي الأداة التنفيذية لنشاط الإدارات؟

هذا ما حفزني لإثارة هذا الموضوع:

1-مفهوم القرار الإداري:

لم يضع المشرع المغربي وذلك على غرار باقي التشريعات الأخرى أي تعريف لمفهوم القرار الإداري، وقد أحسن صنعا مادام أنه ترك أمر ذلك لاجتهاد الفقه والقضاء، واكتفى بمقتضى القانون رقم 90-41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية في المادة 23، بذكر عبارة قرارات السلطات( ).

ويعرف الفقيه Vedel.G "بكونه العمل القانوني الذي يصدر عن الإدارة بصورة انفرادية بهدف تغيير التنظيم القانوني، انطلاقا من الالتزامات التي يفرضها أو الحقوق التي يمنحها"( )، كما عرفه الفقيه M. Hauriou بأنه: "إعلان الإدارة بقصد إحداث أثر قانوني إزاء الأفراد يصدر عن سلطة إدارية في صورة تنفيذية أي صورة تؤدي إلى التنفيذ المباشر" وعرفه كذلك الفقيه L. Duguit بأنه: "كل عمل إداري يصدر بقصد تعديل الأوضاع القانونية كما هي قائمة وقت صدورها أو ما ستكون في المستقبل"( ). وجاء تعريف الدكتور سليمان الطماوي للقرار الإداري كالتالي: "هو كل عمل صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة وأثناء أداء وظيفتها"( ).

وعرف الدكتور محمد كرامي بأنه انعكاس لاختصاص أساس تنفرد به السلطات العمومية، هذا الاختصاص الذي يمكن للإدارة بواسطته أن تعمل على خلق أوضاع قانونية جديدة أو تعديل الأوضاع القانونية القائمة أو إلغائها". ويضيف بأن ذلك الأمر يتعلق بإنتاج آثار قانونية، تتمثل في منح الحقوق أو فرض الالتزامات"( ).

2-إلغاء القرارات الإدارية:

القرارات الإدارية هي أنجع وسيلة في أداء الإدارة لمهامها، فقد رخص المشرع للإدارة تنفيذها تنفيذا مباشرا، دون حاجة للجوء للقضاء، وهذا يعتبر خروجا عن القاعدة العامة التي تقضي أنه: "لايجوز للخصم أن يقتضي الحق المتنازع عليه من خصمه مباشرة"( ) فالإدارة تسعى من أجل تحقيق المنفعة العامة للإصدار عدة تصرفات قانونية في إطار نشاطاتها المألوفة، سواء انصبت هذه التصرفات في شكل عقود أو قرارات، إلا أنه لكي تؤدي هذه القرارات الصادرة عن الإدارة دورها، لا بد أن تصدر في شكل قانوني وأن تكون مستوفية لأركانها، التي تضمن لها عدم التعرض للسحب أو الإلغاء الإداري أو للإلغاء القضائي( ).

فما المقصود بالإلغاء الإداري للقرارات الإدارية؟

يقصد بإلغاء الإدارة لقراراتها الإدارية، إبطال الآثار القانونية التي تمخضت عنها، بالنسبة للمستقبل فقط، إذ أن الإلغاء لا يمس إلا المراكز القانونية التي تسري بعد عملية الإلغاء، مع ترك الآثار القانونية التي تولدت في الماضي.

وقد تلجأ الإدارة إلى إلغاء قرارها الإداري، متى شابه عيب بعد صدوره، أو أن ظروفا ومعطيات تغيرت وأجبرتها على اتخاذ مثل هذا الإجراء، ولا تقدم إلا السلطة الإدارية أصدرت القرار الإداري أو السلطة الرئاسية لها بإلغاء القرار الإداري.

قرارات تنظيمية وقرارات فردية:

يجب أن نفرق بين إلغاء القرارات التنظيمية، وإلغاء القرارات الفردية:

أ‌-القرارات التنظيمية:

تدخل ضمنها نصوص قانونية عامة ومجردة( )، لا تعني شخصا معينا بذاته، في هذه الحالة للإدارة الحق بأن تلغيها، بغض النظر عن مشروعيتها أو لا، في أي وقت تشاء، متبعة في ذلك الإجراءات القانونية اللازمة؛

ب‌-القرارات الفردية:

ما دامت هذه القرارات تتعلق بمراكز قانونية فردية، متعلقة بشخص المخاطب بالقرار الإداري( )فإنه لا يجوز للسلطة الإدارية إلغاؤها، وهذا حماية للحقوق المكتسبة.

تقضي القاعدة العامة في الفقه والقضاء الإداريين أن القرارات الإدارية الفردية شخصية كانت أم شرطية التى صدرت سليمة، وترتب عليها حق شخصي أو مركز خاص فإنه لا يمكن المساس بها إلا في الحالات التي أجازها المشرع قانونا( )مادام أن الأصل في هذا الشأن هو عدم جواز سحبها، كذلك الأصل عدم جواز إلغائها، ويقرر الفقهاء في هذا الصدد أن احترام المراكز الخاصة التي تنشأ من القرارات الفردية هو من الأسس التي تقوم عليها الدولة القانونية كاحترام المشروعية سواء بسواء( ).

1-مبدأ المشروعية:

لا يقصد به مجرد خضوع المحكومين في علاقاتهم بالقانون وإنما يعني أيضا خضوع الحكام في مزاولتهم لسلطاتهم المخولة لهم بحكم القانون مما يؤدي في النهاية إلى خضوع الحكام والمحكومين للقانون على حد سواء، يقول د/ جمعة عبد الفضيل الصادق( ).

2-تعليل القرارات الإدارية:

يعد التعليل الإلزامي للقرارات الإدارية من أهم معالم سياسة الوضوح الإداري، ومن الموضوعات التي اهتمت بها كتابات الفقه الإداري الحديث في إطار الاهتمام العالمي لحقوق الإنسان، على أساس أن أحد أهم هذه الحقوق بل ومقدمتها حق الحصول على المعلومة، الذي يتعرض مع مبدأ عدم التعليل الوجوبي للقرار الإداري، أي عدم الالتزام بالإفصاح عن أسبات قرارتها إلا عند وجود نص يلزمها بذلك.

فالتعليل يعتبر دليل على التزام الإدارة بقواعد المشروعية والقانون وعلى أساسه تتم محاسبتها كما أن إجبارية التعليل تحتم على الإدارة تقديم وجهة نظرها الحقيقية التي صيغ في ضوئها القرار، وفي هذه الحالة تتخلص كل الأطراف من الشكوك التي يثيرها مفهوم السر المهني أو الإداري والمشرع المغربي نص على ذلك في القانون رقم 01-03 المتعلق بإلزامية التعليل أو التسبيب على الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية( ).

تشير المادة الأولى من القانون رقم 03.01( )على ما يلي: "نلزم إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيأتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني المشار إليها في المادة الثانية بعده تحت طائلة عدم المشروعية، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها".

وبالرجوع إلى المادة الثانية نجد من بين القرارات الإدارية التي يجب تعليلها.

... في الفقرة الرابعة: القرارات القاضية بسحب أو إلغاء قرار منشئ لحقوق.

القيود الواردة على سلطة الإدارة في إلغاء الإداري

هناك العديد من القيود الموضوعية والإجرائية التي يتحتم على الإدارة مراعاتها قبل أن تقدم على الإلغاء الإداري لقرار، كي يكون عملها مشروعا ومباحا ومتفقا مع صحيح حكم القانون ومحقق لمبدأ المشروعية وبعكسه سيكون عملها معيبا، وباطلا وحريا بالإلغاء، ومن بين هذه القيود عنصر التسبيب.

التسبيب:

قد يشترط القانون تسبيب بعض القرارات الإدارية، وحينئذ يصبح هذا الإجراء شكلا أساسيا في القرار يترتب على إهماله بطلانه، وهذا هو المسلك المقرر في فرنسا( ).

فالتسبيب يعتبر جزء لا يتجزأ من الشكليات ويحظى بأهمية كبيرة ومعناه ذكر الأسبابالحقيقية التي أدت بالإدارة إلى اتخاذ القرار الإداري والتكييف القانوني الذي خلعته الإدارة على الوقائع، فالسبب يعتبر ركن من أركان القرار الإداري مما يتعين ذكره وإلا كان القرار معيبا، أضف إلى ذلك أن يكون ممكنا، ولا يصطدم بفكرة الحق.

قد تقول الإدارة بأن الإلغاء جاء لمقتضيات المصلحة العامة، ولعل أهم هذه المقتضيات هي النظام العام بإحدى مدلولاته الثلاثة:

-الأمن العام؛

-الصحة؛

-الطمأنينة العامة، لذلك يجب أن يكون السبب واضحا عند الإلغاء للمصلحة العامة.

والملاحظ أن فكرة الصالح العام هي فكرة هلامية وفضفاضة، وينبغي أن لا يترك تقديرها تماما للإدارة وإلا أدى ذلك إلى اهدار استقرار الأوامر الإدارية السليمة، فلا يمكن للإدارة أن تقدم على إلغاء قرار إداري بحجة المصلحة العامة( )، لكي تحفظ الحقوق المكتسبة.

ماهي الحقوق المكتسبة؟

يعد الحق المكتسب ضمانا وحماية أكيدة للمراكز القانونية( )التي تولدت في الماضي، وقد عرفه الفقه الفرنسي بأنه: "المحافظة على القرار الإداري الذي كان سببا لنشوء هذا الحق أو المركز القانوني"( ).

الحق المكتسب وعلاقته بمبدأ عدم رجعية القرار الإداري

القرارات الإدارية شأنها شأن أي قاعدة قانونية تخضع لامحالة لسنة التغيير وأن القواعد القانونية المتمثلة بقرارات الإدارة تكون صالحة لاكتساب حقوق فردية لكونها لا تكتسب وصف القرار إلا إذا كانت مؤثرة بالمراكز القانونية، وموضوع الحقوق المكتسبة يعد موضوعا بغاية الأهمية وله ارتباط بمبدأ عدم رجعية القرار الإداري على الماضي، فبعد صدور قرار إداري معين تنتج عنه آثارا قانونية معينة بإنشاء مركز قانوني أو تعديل مركز قائم أو إنهاء له، لذا فصيرورة القرار لا يمكن المساس به، فلا يمكن إلغاؤه أو سحبه.

ومال بعض الفقه إلى القول بأن الحق المكتسب هو المانع من سحب وإلغاء القرار الإداري لكونه يتعلق بالحفاظ على المركز الذي أوجده القرار الإداري والأثر الذي أحدثه القرار الإداري وخاصة القرار الإداري الفردي المشروع وهو مما لاشك يمثل مانعا وسدا بوجه السلطة التنفيذية بأن لاتمس بالقرار المولد للحقوق المكتسبة( ).

ترشيد القرارات الإدارية:

يعد القرار الإداري واحدا من أهم وسائل الإدارة ومن أنجعها وأكثرها فاعلية في تأدية مهامها، ومن خلال إساءة استعمال هذه السلطة قد يتم تهديد الحقوق والحريات الفردية، والإدارة من جهة ثانية تحتاج إلى ترشيد قراراتها وأن لاتصدرها إلا بعد دراسة وتمحيص، لكي لا تضطر فيها بعد لإلغائها والدخول في أوضاع قانونية قد تضعها في موضع المعتدي على حقوق الغير.

للتعليل استثناءات:

إذا كان المشرع ألزام الإدارات بتعليل القرارات الواردة حصرا، فقد أورد على ذلك استثناءات:

أ‌-القرارات الإدارية التي تقتضي الأمن الداخلي والخارجي: (المادة 3 من القانون 03.01)؛

ب‌-القرارات الإدارية الفردية التي تتخذها الإدارة في حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية؛

ج‌-القرار الإداري الضمني، ويقصد به ذلك القرار الذي تلتزم فيه الإدارة بالصمت( )؛

1-ما المقصود بالأمن الداخلي والخارجي؟

الأمن الداخلي:

تعرفه موسوعة ويكيبيديا الحرة كالتالي: الأمن الداخلي هو فعل حفظ السلم داخل حدود دولة ذات سيادة أو غيرها من مناطق الحكم الذاتي ويتم ذلك عمومًا من خلال الحفاظ على القانون الوطني والتصدي لمخاطر الأمن الداخلي. وتتراوح مخاطرالأمن الداخلي بمخاطر السلم العام من الاضطراب المدني المنخفض المستوى أو العنف الواسع النطاق أو حتى التمرد المسلح.

الأمن الخارجي:

الفقه الغربي يقف بالمفهوم عند حدود الكيان السياسي والقانوني المحدد المعالم، ويفيد بالدرجة الأولى أمن الدولة، ويعود اعتماد هذا المصطلح دوليا إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، وإلى صدور قانون الأمن القومي الأمريكي سنة 1947( ).

حالة الضرورة:

الأصل أن الإدارة تلتزم بقواعد المشروعية في أي وقت ومهما اختلفت الظروف، وإذا كانت هذه القواعد تستجيب لمتطلبات الوظيفة الإدارية في الظروف العادية، فإنها قد لا تسعف الإدارة على مواجهة الأزمات والاضطرابات التي قد يتعرض لها المجتمع، إذ قد يترتب على تطبيق هذه القواعد تعريض سلامة المجتمع لأضرار بالغة( ) وقد لعب مجلس الدولة الفرنسي دورا مهما في تشييد هذه النظرية وتحديد مضمونها ووضع الضوابط والشروط التي تنظم وتحدد الإدارة الخروج على قواعد المشروعية العادية.

ومن بين شروط إعمال نظرية الضرورية:

1-وجود خطر جسيم يهدد النظام العام أو سير الموقف العام؛

2-استحالة دفع الخطر بالوسائل العادية؛

3-أن تستهدف الإدارة تحقيق المصلحة العامة؛

4-أن تكون الإجراءات المستخدمة متناسبة مع الظرف الاستثنائي؛

5-أن تكون الإجراءات التي اتخذتها الإدارة مؤقتة( ).

الخلاصة:

إن حادت الإدارة عن المشروعية قد تسقط في عيب الانحراف.

-إن تعبير "détournement de pouvoir" في اللغة الفرنسية يكشف بدرجة كبيرة عن معناه القانوني: فكلمة détournement بمفردها تفيد معنى تغيير الاتجاه، والتعبير كله:

"détournement de pouvoir"، يفيد أن نشاطا معينا، كان من الواجب أن يصل إلى هدف معين (التعيين في منصب سام مثلا، أو وجهة معينة، فحاد عنها لسبب أو لأخر( ).

وهنا يجب على العضو الإداري أن يحكم (بضم الياء) ضميره ليقرر في هدوء ما إذا كان من الصالح التدخل لاتخاذ قرار معين، وإذا قرر أن يتدخل فأي القرارات يتخذ، وأن يكون تدخله مدفوعا بغرض تحقيق الصالح العام، وذلك عبر الوسائل التي وضعها القانون.

وفي إطار الحصول على المعلومة (طبقا للقانون رقم 13/31 الخاص بالحق في الحصول على المعلومة)

ومن الأفيد أن تضع الإدارة أصبعها على مكامن الخلل والأسباب الحقيقية التي أدت إلى إلغاء المبارة ثلاث مرات، ومن المتسبب في هته الحالة الشاذة، وربط المسؤولية بالمحاسبة حفاظا على المصلحة العامة ولمبدأي الحكامة المالية التي كرسه الدستور المغربي.

الأستاذ عبد الواحد شعير، دكتور الدولة في الحقوق.