الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور: احتفالات فاتح ماي من عيد الطبقة العاملة الى عيد للرقاة و العشابين؟!

الحسن زهور: احتفالات فاتح ماي من عيد الطبقة العاملة الى عيد للرقاة و العشابين؟! الحسن زهور
ما شهدته بعض تظاهرات فاتح ماي في بعض المدن المغربية ينبئ بأن الأمر بلغ مدى ينذر بدخول المغرب مرحلة أخرى بعد مرحلة الوهابية، اي مرحلة المزج بين الوهابية والاخوانية في وقت بدأ فيه النظام العالمي الجديد يتجه نحو الحد من خطورة هذين الفكرين المنتجين والحاضنين للتطرف الديني؟
فما شهدته بعض تظاهرات فاتح ماي في بعض المدن المغربية من خروج العشابين و تجارالرقية الشرعية، حاملين لافتاتهم علنا يطالبون فيها بتكريس الجهل، يبدو مضحكا و مبكيا في نفس الوقت.
هذا المشهد الكاريكاتوري يوحي بأن الخلل تجذر في المجتمع المغربي، و بأن الفكر المغربي الذي عرف منذ تاريخه بالعقلانية قبل الاسلام و في ظل الاسلام بدأ يتلاشى و ينكمش امام نوع من الفكر المستورد من الشرق الاوسط ابتداء من الفكر القومي الذي مهد - بتوجهه الشرقي لاجتثات الهوية المغربية-  الطريق للوهابية و للاخوانية و اللتين تنخران بنية الفكر المغربي حاليا.
ذلك الفكر المغربي المتميز عبر تاريخه والذي انتج عمالقة الفكر العالمي و الاسلامي امثال القديس اوغسطين و ابوليوس و ابن خلدون و ابن رشد... هو فكر العقلانية الذي أعطى مجتمعا مغربيا يعتمد على القوانين الديموقراطية المتكيفة مع واقعه الاجتماعي و مع هويته و التي لا ترى تعارضا بين الفصل بين الشريعة و بين القوانين التي سموها اعرافا و التي اعتمدوها و نظموا بها مجتمعهم و فصلوا بين وظيفة الفقيه (أمورالعبادة وتعليم الصبيان) و وظيفة "ئنفلاس" أي الامناء المختصين  بالامور الدنيوية اي الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية...
فاتح ماي لهذه السنة يعبرعن ضمور هذا الفكر المغربي المتميز ليدثره بالقوة فكر آخر بدوي خرافي يمتح من مخلفات القرون الوسطى التي تعلي من شأن الخرافة و التطرف والتمسك الحرفي بالطقوس بدلا من أعلاء شأن العقل والعلم وشأن قيم العمل والاخلاق والتي هي جوهرالدين كما عرفها أجدادنا الامازيغ ( كل المغاربة امازيغ هوية وثقافة).
ان تخرج جمعيات العشابين والرقاة ( الذين يستغلون  الجهل المستشري) للاحتفال بعيد العمال الذي هو تذكير باستغلال الراسمال الجشع للعمال ليس شيئا مفاجئا ما دامت مقدمات كثيرة مهدت لهذا الخروج ، وما دامت سحابة فكر بدوي انغلاقي غطت الكثير من نواحي الحياة الفكرية و الاجتماعية لبلدنا منذ فتح الابواب للفكرالشرقي بمختلف تلاوينه الايديولوجية والفكرية للهيمنة (مع استثناءات ممثلة في الفكرالعقلاني لكن مع الاسف غلف بغلاف ايديولوجي قومي) للدخول الى البلد.
أولى التيارات التي هبت برياحها الشرقية فلوثت الفكر المغربي وحولته من فكرانفتاحي متحرر الى فكر انغلاقي (رغم مظهره المتحرر) هو الفكر القومي الذي جعل المغرب في مواجهة الغرب نتج عنه ضياع عقود الستينات والسبعينات في مواجهة حادة بين تيارين: تيار اشتراكي قومي يتطلع الى الشرق البعثي و الناصري و تيار متحكم في دواليب الدولة يريد المزج بين السلفية والعصرنة، لكنه سيتقوى بالسلفيه بادخاله الفكر الوهابي الى البلد لمحاربة التيار القومي، و إزالة الفلسفة من البرامج الدراسية، فكانت الكارثة التي اتت على الاخضر واليابس ليتسلل فكراخر متخلف يمزج بين السياسة و الدين هو الفكر الاخواني الذي خرجت من رحمه التيارات التكفيرية المعاصرة.
و بما أن الجامعات هي مرآة فكر أي مجتمع، فلا غرو ان نجد جامعاتنا تصنف في ذيل الجامعات العالمية ما دام هذا الفكر الانغلاقي بوجهيه الوهابي و الاخواني يرتع فيها.
أليس مخجلا لنا جميعا أن تصبح جامعاتنا مرتعا لهذا الفكر؟
أليس من المخجل ان تتسابق بعض الكليات العلمية و المعاهد ( في طنجة مثلا)  لاستدعاء دعاة مهرجين للتهريج الفكري ( ولا نريد ذكر الاسماء) امام الطلبة الذين كان عليهم، باعتبارهم حاملي الفكر العلمي، محاربة هذا الفكر اللاعقلاني؟     
اليس من المخجل استدعاء بعض الشعب في الجامعات  للدعاة المتطرفين الذين ما يزالون يحنون الى مجتمع الموالي و الاماء امثال
الداعية هيثم طلعت و الداعية المتطرف عمر عبد الكافي الذي تم استدعاؤه لتدنيس مسرح محمد الخامس، و الداعية محمد العريفي صاحب فتوى جهاد النكاح و تحريم اختلاء الأب بإبنته في المنزل والذي إستدعته جمعية الاصلاح والتوحيد و تم منعه من دخول البلد حفاظا على سمعة البلد، وغيرهم من الدعاة المتطرفين؟
و في هذا الاطار سنفهم العداء الشديد للتيار الاسلامي بالمغرب للغة الفرنسية باعتبارها لغة حاملة للقيم التنويرية لفلسفة الانوار وللثورة الفرنسية التي أطاحت بالكنيسة أي بالسلطة الدينية وهو ما يخافه الاسلاميون لأنها اي السلطة الدينية هي وسيلتهم السياسية الى الحكم، لكن هذا العداء للفرنسية باسم الهوية العربية و باسم الدين ينبهنا الى انه تكتيك سياسي لاستراتيجية بعيدة المدى للهيمنة على البلد، وهو ما يدعونا كذلك الى التنبيه على ان فشل اقرار اللغة الفرنسية في تعليم العلوم بالمدرسة المغربية  هو نجاح للمشروع الاخواني بالمغرب (فالتعليم يجب ان نبعد عنه السياسة و الايديولوجيات)
هذا المشروع الذي يبتغيى سحب بساط الشرعية الدينية من السلطة الشرعية.
لكن ليس العشابون و الرقاة من ميزوا فاتح ماي لهذه السنة فهناك الفئة الطليعية للمجتمع و التي من البديهيات أن تقف في الطليعة لتنوير المجتمع و هي الحاملة عبر تاريخها الانساني والوطني لفكرة التنويروهي فئة الاطباء، فهل الجيل الجديد من الاطباء الذي تربى في ظل الفكرالوهابي والاخواني المنتشر قادر على الاستمرار في حمل لواء التنوير مما حملته الاجيال التي سبقته؟  
نرجو أن يكون البرنامج النضالي لطلبة كلية الطب باكادير والذي يظهر تسلل الفكر الاخواني الى فقرات هذا البرنامج، برنامجا لا يعبرعن فكرهم  العقلاني والتنويري المعروف عند الاطباء.
و لهذا فالواجب الوطني الآني يقتضي من القوى الحية و الديمقراطية و التنويرية التعجيل باصلاح المنظومة التعليمية على اساس تنويري قاعدته الارث الثقافي العقلاني المغربي و الانفتاح على الفكر العقلاني و التنويري الانساني، بالاعتماد على اللغتين الرسميتين و ارجاع الفرنسية الى تعليم العلوم. فبناء الانسان اهم من كل الاصلاحات، لأن الاصلاحات بدون تكوين مواطن واع بهويته المغربية و متشبع بالفكرالعقلاني و الانساني ككسكاس نغرف به الماء، أومثل " زوند والي ئران اد يامز تاكوت" كما يقول المثل الامازيغي.
   

                                                                                                                                                
كاتب ومحلل سياسي