الكثير من النساء المغربيات التحقن بديار المهجر عبر التجمع العائلي، في الستينيات من القرن الماضي، مستفيدات من القرب الجغرافي للمغرب مع الضفة الشمالية، ومن الإتفاقيات المشتركة التي تجمع المغرب بعدد من البلدان الأوروبية، كما التحقت بعد ذلك نساء وحيدات بديار المهجر من أجل العمل أو استكمال دراستهن العليا، لكن بقيت العديد من الأسئلة تحيط بملف هجرة النساء المغربيات.
فهل هناك رصد للنساء في الهجرة ؟ وهل هناك دراسات وأبحاث حول النساء والمهاجرات ؟ والى أي حد استطاعت النساء المغربيات المهاجرات اتباث حضورهن وكفاءتهن بديار الغربة ؟ وهل يمكن القول أن بروز بعض الأسماء المتألقة في ديار المهجر من قبيل نجاة بلقاسم وزير التعليم الفرنسية من أصول مغربية السابقة، وزكية الخطابي رئيسة حزب الخضر البلجيكي مجرد استثناء لايمكن أن يحجب حجم معاناة النساء المهاجرات بأوروبا، وضمنهن العاملات في حقول " الفراولا " باسبانيا ؟
أسئلة كثيرة من هذا القبيل، كانت مثار نقاش مستفيض من طرف نساء مغربيات مهاجرات في إطار الندوة العلمية التي احتضنتها مدينة جرسيف بمناسبة اليوم العالمي للمرأة تحت عنوان : " المرأة المغربية المهاجرة : الواقع والآفاق " والتي نظمتها هيأة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع مساء أمس السبت 30 مارس 2019، وتم خلالها تكريم نساء مهاجرات وناشطات جمعويات، كما شكلت مناسبة لتكريم بعض الوجوه الإعلامية المهتمة بقضايا الهجرة، وضمنهم هشام ناصر، الصحفي بأسبوعية " الوطن الآن" وجريدة " أنفاس بريس " .
ثريا العمري الناشطة الجمعوية المهتمة بقضايا المرأة المغربية، التي افتتحت الندوة قالت إن المهاجرين يعدون مصدر أساسي للثروة والغنى في المغرب، مقدمة على سبيل المثال التطور الذي شهدته جرسيف، والذي كان بفضل الجالية المغربية المقيمة بكل من ألمانيا، بلجيكان فرنسا، اسبانيا والمنحدرين من المنطقة، وهو نفس المعطى الذي يمكن ملاحظته أيضا في الناظور ونواحيها والعديد من المناطق المغربية، كما مكنت الهجرة العديد من النساء المهاجرات من اكتساح المجال السياسي والإقتصادي، ودعت العمري الى استحضار معطى كون 16 في المائة من الأسر المغربية تعيلها نساء، وهو الرقم الذي يبيين أن هناك موقع للنساء على المستوى الاقتصادي، وعلى مستوى المسؤوليات، وربما كان هذا من بين الأسباب التي جعلت النساء يخضن مغامرة الهجرة القانونية والهجرة غير القانونية.
وقد مرت هجرة المغاربة الى الخارج من عدة مراحل تاريخية، حيث تبقى لكل مرحلة تاريخية خصوصياتها وإفرازاتها الإجتماعية، وهو الأمر الذي حاولت شرحه زهرة دراس، الناشطة الجمعوية التي تعمل كوسيطة إدارية بين المهاجرين والمصالح الإجتماعية الفرنسيةن حيث أشارت أن المرحلة الأولى لهجرة المغاربة الى فرنسا تمتد من 1970 الى غاية 1982 شهدت قدوم نساء مهاجرات من الى فرنسا عبر الزواج وبالضبط النساء المنحدرات من الأحياء الشعبية بالدار البيضاء والضواحي، مضيفة بأن مستوياتهن التعليمية لم تكن تتعدى السلك الإعدادي، وكن متمكنات من اللغة الفرنسية ويمتلكن قدرة على التأقلم مع المجتمع الفرنسي، حيث تمكن من الحصول على عمل في باريس، والإستقرار في مدينة أميان.
ومع مجيء الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران المنتمي لليسار عام 1982، سيتمكن العديد من المهاجرين من تسوية أوضاعهم القانونية بفرنسا، وهو ما شجع فئة أخرى من المغاربة الى القدوم الى فرنسا ( بالضبط من الناظور والنواحي ) والذين حلوا رفقة أبنائهم الكبار، وبالتالي لم تكن لهم نفس القدرة على التأقلم مع المجتمع الفرنسي – تضيف دراس – حيث أضحوا يعيشون حالتين اجتماعيتين : حالة اجتماعية داخل البيت بطقوسه وتقاليده وثقافته المغربية وحالة اجتماعية خارج البيت مع المجتمع الفرنسي.
وأضافت دراس أن الفوج الأول من النساء المهاجرات والقادمات من الدار البيضاء والنواحي استطعن الإندماج والتأقلم في المجتمع الفرنسي وتحسين مستوياتهن التعليمية والإجتماعية، خلافا للفئة الثانية التي حلت في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث ظلت أوضاعهن مستقرة ولا تختلف عن أوضاعهن السابقة في المغرب، موضحة بأن أبنائهن من الفتيات لم يتمكن من الإندماج، حيث لم يتقبلن وضعهن كفتيات يعشن في وسط تحظى فيه النساء بالكثير من الحقوق، بينما يجدن أنفسهن محاصرات بالواجبات فقط داخل بيوت عائلاتهن، وهو الأمر الذي قاد الكثيرات منهن الى الهروب من عائلاتهن، وهو ما طرح مشاكل اجتماعية كثيرة، فالهروب لم يشكل أبدا وسيلة لخلاصهن، بل زاد من تفاقم أوضاعهن، بسبب عدم تمكنهن من استكمال مسارهن الدراسي.
لتخلص الى أن الفتيات المغربيات بفرنسا استطاعن إكمال دراستهن والحصول على مراكز اجتماعية أفضل مقارنة مع نظرائهم الذكور، حيث يبقى المثال الساطع بهذا الخصوص هو نجاه بلقاسم الوزيرة الفرنسية السابقة.
من جانبها سلطت عائشة باشا، الناشطة الجمعوية والباحثة في الجامعة الحرة في بروكسيل الضوء على العمل الذي تقوم به بعض الناشطات الجمعويات المغربيات في بلجيكا من أجل هدم الصور النمطية الملتصقة بالنساء المغربيات المهاجرات، وتحرير المرأة المهاجرة كي تتمكن من الإستفادة من التعليم والتكوين الضروري لمساعدتها على إتباث ذاتها في المجتمع البلجيكي.
كما تطرقت الى تجربتها في تأسيس مدرسة تم تسميتها " المدرسة الأم " ، بغية تمكين المرأة المهاجرة من حقوقها، وتمكينها من الآليات الكفيلة بمعرفة طرق التعامل مع أبنائها، بالإضافة الى تقوية قدراتهن الذاتية والمعرفية، وخصوصا النقدية كي يتقبلوا الآخر، دون التفريط في جذورهن وأصولهن المغربية، وأشارت باشا أن التطرف الفكري يمكن أن يشكل عائقا في بعض الأحيان أمام اندماج النساء المهاجرات، ولهذا السبب تقوم الجمعيات المغربية بحملات تحسيسية لأبناء المهاجرين ضد الحركات الدينية المتطرفة التي تنشط في أوروبا مع توجيههن الى الجهات المخولة قانوا بتقديم الإرشاد الديني، كما تطرقت الى المشاكل السياسية والاقتصادية التي تواجهها المرأة المهاجرة، والتي لا يمكن – حسب عائشة باشا – أن تشكل عائقا في وجههن، داعية الى مزيد من التعاون من طرف كافة الجهات المتدخلة في موضوع الهجرة لإبراز مكانة المرأة المهاجرة التي استطاعت اقتحام العديد من المجالات : السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، العلمية، ولعل خير مثال على ذلك الهام القادري التي ترأس " صولفاي" أكبر مجموعة صناعية في أوروبا.
من زاويتها أشارت فاطمة الزهراء الحراق، الناشطة الجمعوية في اسبانيا الى كون النساء المهاجرات يعانين من مشكل عدم تقبل أزواجهن لفكرة خروجهن من أجل تعلم اللغات أو العمل، بالإضافة الى مشكل التأقلم الناتج عن الإختلاف الثقافي، مقدما مثال ارتداء الحاجب الذي يشكل عائقا أمام حصول المرأة المهاجرة على العمل، وهو ما جعل الكثير من الفتيات مضطرات لنزعه، بالإضافة مشكل تصادم الهويات، سواء في ما يتعلق بقضية التوحيد لدى المسلمين التي تتصادم مع المناهج التعليمية الإسبانية، أو قضية الزواج حيث يتم تلقين التلاميذ منذ سن السابعة أن المعاشرة الزوجية تدخل في خانة الحرية الشخصية، بما فيها " الزواج المثلي " وهو الأمر الذي يتصادم مع الهوية المغربية.
ولم تفوت الحراق فرصة هذا اللقاء العلمي، للحديث أيضا عن عن النساء العاملات في حقول " الفراولا " باسبانيا، حيث يتم استقطاب أكثر من 19 ألف امرأة سنويا للعمل في الحقول الإسبانية، ضمنهن العازبات والمطلقات، مشيرة الى أن العاملات يقطنن في سكن غير لائق، ويعانين من طول ساعات العمل، كما يشكلن طوابير لولوج المراحيض، ويتعرضن للإهانات والتعسف، والتحرش والإعتداءات الجنسية من طرف أرباب الضيعات، وهن غير قادرات على التصريح بذلك خوفا من نظرة المجتمع ورد فعل عائلاتهن.
وأشارت الحراق أن بعض العاملات استطعن السنة الماضية توجيه نداء استغاثة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ووصلت قضية معاناتهن الى بعض وسائل الإعلام، فتدخلت بعض الجمعيات للمطالبة بفتح تحقيق في الموضوع، وعلى إثر ذلك تعهدت كل من وزارة التشغيل ووزارة الجالية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج بتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أوضاع العاملات في حقول " الفراولا " بتنسيق مع السلطات الإسبانية.