السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

من وحي تراث الرحامنة : رقصة أحواش على إيقاع رحماني وبطقوس صحراوية

من وحي تراث الرحامنة : رقصة أحواش على إيقاع رحماني وبطقوس صحراوية حفل عائلة آل المنسوم محمد علي، الفارس العلام الرحماني المتميز بصيحته وجواده وطقوس ركوبه
من عمق أرض الرحامنة بتراب جماعة أولاد حمو وتحديدا بدوار أهل لمقدم (أهل الحاج)، ينبعث أريج وعبق التراث الحساني والأمازيغي والعربي بطقوسه وعاداته وأصوله الإنسانية العميقة، من بين هضاب وتلال الكنتور تمتشق هامات أناس طيبين متشبتين بأصولهم، وهويتهم وانتمائهم وحضارتهم وثقافتهم الشعبية الجميلة، وعاداتهم وتقاليدهم المتجذرة .
عائلات وأسر رحمانية ذات أصول صحراوية تقاوم صهد وشتاء ورياح الطبيعة وجفافها وشظف العيش بأنفة عالية مثل شموخ الجبل الأخضر الفاصل جغرافيا وتاريخيا بين دكالة والرحامنة دون التفريط في هويتهم الضاربة بجدورها في عمق التربة المغربية الأصيلة .

أتذكر جيدا، شريط ليلة رحمانية تنفسنا فيها هواء نقيا طاهرا وصافيا من كل الشوائب الملوثة لتراثنا وثقافتنا الشعبية، بدوار أهل لمقدم بالرحامنة، في بيت متواضع البنيان، قوي الأساسات والدعامات، عميق الهندسة والمعمار، دافئ الحضن بطيبوبة قاطنيه، والمدعوين من ضيوف حفل عائلة آل المنسوم محمد علي، الفارس/ العلام الرحماني المتميز بصيحته وجواده وطقوس ركوبه .

 شريط ليلة سمر مغربية، متعددة الثقافات الشعبية ، ليلة اجتمعت فيها وجوه رحمانية، من رجالاتها ونسائها وشبابها الذين أتخذوا أماكنهم بعد أن تقاسموا وجبة عشاء وتحلقوا حول صينية الشاي الصحراوي لتبادل أطراف الحديث في مواضيع شتى تحت خيمة تقليدية مؤثثة بأفرشة من صنع المرأة المغربية الرحمانية، زرابي وحصائر ووسادات مسنودة على الجدران منبع منتوجها ما تجود به الطبيعة والحيوان وحذاقة الأيادي المتفننة في الإبداع السهل الممتنع .

لم يطل انتظارنا كثيرا حتى هل شيوخ مجموعة حمادة الرحمانية دوي الأصول الصحراوية القاطنين بمنطقة بوشان متأبطين وسائل اشتغالهم التقليدية ذات الإيقاعات الجميلة ( صينية / طعاريج / دفوف ) مدثرين بألبستهم التقليدية الرائعة ومدججين بخناجرهم الفضية ، وأصواتهم المتخشعة ابتهالا للسلام والمحبة والتمجيد والتبريك ....حمادة بوشان مجموعة تراثية تحافظ على طقوس وعادات وتقاليد وطننا بأرقى الأشكال التعبيرية نظما و مدحا وغناء ورقصا ....وتتخذ من مواضيع صلة الرحم و الأرض و الفروسية و الحب والطبيعة والشجاعة والكرم منبعا لتواصلها ...أفرادها يحفظون من روائع الثقافة الحسانية والأمازيغية والحوزية الممزوجة بنفحات أنماط غنائية تمتح من تراثنا الشعبي بحس وطني يرقى لسلم التصنيف الإبداعي المعرض للانقراض والتلاشي في غياب بنية استقبالية تحافظ على هذا الموروث المغربي العميق، وتضمن له الخلف لأن مجموعة شيوخ حمادة الرحمانية تعتبر من المجموعات الشعبية التي تحافظ على إرثنا المشترك الذي يحتاج للتثمين كرصيد لامادي للتاريخ والثقافة والمجال الصحراوي الحساني والرحماني.

نعم هنا مازال المجتمع الرحماني المتجذر في التربة الصحراوية يحافظ على طقوس وتقاليد وعادات الرقص الملتزم والضاج بالرسائل ، ولأول مرة أشاهد باندهاش كيف حافظ الضيوف على أمكنتهم شبابا ورجالا بعد أن اتخذت نساء الرحامنة ( المتزوجات والأوانس ) صفا موازيا لصف مجموعة حمادة ودخل الجميع في إيقاع راقص شبيه برقصة أحواش ... بدايته واستهلاله الذكر والصلاة على النبي ، ثم الانتقال لوتيرة أسرع إيقاعا لإعطاء الجسد فرصة الحركة المرافقة للطرب الإيقاعي في تناسق وتناغم يبهر المتلقي.... وتأكدت من مرافقي بأنه لا يمكن لأي كان من الذكور أن يرقص في هذه اللحظة احتراما للعادات واحتراما للمرأة واعتزازا بالانتماء المشترك .....لكي تترك الفرصة في هذه اللحظة للشباب لوضع العين على زوجة المستقبل من خلال الاختيار بالمراقبة أثناء الرقص ، ويمكن إخبار العائلة التي تتكفل بإبلاغ الخبر السار لأسرة الشابة المحظوظة التي وقعت عليها العين ، لأن فرصة مناسبة الفرح العائلي الجماعي هي اللقاء الوحيد الذي يمكن أن تخرج فيها الشابة للعلن وتكشف عن وجودها فقط .

هي بقعة أرضية تتربع على مجال جغرافي وطأته أقدام الفرسان وسنابك خيلهم القادمة من عمق الصحراء لمواجهة المستعمر وحكامه المتغطرسين ذات زمن كولونيالي ، بقعة تحتاج إلى مد جسور الوطنية لاستنهاض هامات رجالاتها المتجهة عيونهم لسماء الله لتجود بغيثها.

 هنا بموقع الكنتور، بأرض الرحامنة على حدود أحمر، تستمر وشائج اللحمة الوطنية بتعابير الفرح، والقناعة والصمود، وتتراكم صور تعزيز صلة الرحم وخلق متنفس للقبض على مساحات السراب الهارب حيث يتقاتل الناس من أجل العيش الكريم، وتنفس عبق الأجداد ، في انتظار لمة الخير في كل مناسبة عائلية من أجل صناعة الفرح، في حفل عقيقة أو زواج،  لاستحضار هوية مشتركة بين قبائل الصحراء المغربية وإخوانهم هنا بالمنطقة .