الخميس 28 مارس 2024
سياسة

حميد النهري يفكك خطاب بنكيران الديني في دفاعه المستميت عن تقاعده السمين

حميد النهري يفكك خطاب بنكيران الديني في دفاعه المستميت عن تقاعده السمين الدكتور حميد النهري، و عبد الإله بنكيران ( يسارا)

التكلفة المالية لهذا الريع السياسي، المتمثل في التقاعد الاستثنائي؛ الذي فاز به عبد الإله بنكيران، تعتبر باهظة؛ لأن الأطراف المستفيدة متعددة وبأثر رجعي ومدى الحياة. وقد حان الوقت للقطع مع هذه الظاهرة المهزلة لأنه لا يمكن تحقيق أي تطور مؤسساتي مع تواجد مثل هذه الظواهر، هكذا يرى الدكتور حميد النهري، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق طنجة والذي توسع في تحليله ضمن الحوار التالي الذي أجرته معه "أنفاس بريس":

- كيف تقرأ خرجات بنكيران، الأخيرة، وحديثه عن تمتيعه بهبة تقاعد استثنائي، تخرجه من الضائقة المالية - كما يقول- في نظرك ألا يقطر الشمع على المغاربة؟

++في الحقيقة قضية تقاعد بنكيران أعادت للنقاش، وبقوة ظاهرة الريع السياسي في المغرب والذي يعتبر الإشكال الحقيقي الذي تعاني منه المالية العمومية (تقاعد البرلمانيين وتقاعد الوزراء..)

فالتكلفة المالية لهذا الريع السياسي تعتبر باهظة لأن الأطراف المستفيدة متعددة وبأثر رجعي ومدى الحياة... وقد حان الوقت للقطع مع هذه الظاهرة المهزلة؛ لأنه لا يمكن تحقيق أي تطور مؤسساتي مع تواجد مثل هذه الظواهر.

أما بالنسبة لردات فعل بنكيران على كثرة الانتقادات لتقاعده الاستثنائي، فتميزت كسائر خرجاته منذ 2012 بنوع من التفسيرات المتناقضة، والتي يهدف من خلالها مرة أخرى إستغباء المغاربة، ولعب دور الضحية، في مواجهة -في نظره أعداء- ( الله والوطن والملك).

وانطلاقا من ذلك برر بنكيران هذا الريع السياسي، بعدة تبريرات والتي من خلالها سعى ليس إلى تقطير الشمع على المغاربة، كما جاء في سؤالك، ولكن إلى تضبيع عقول المغاربة وخصوصا ضحايا سياسته، عندما كان للأسف رئيسا للحكومة.

فقد صرح بنكيران أن هذا التقاعد يحمل طابع القدسية لأنه صادر عن الملك وبالتالي أي انتقاد لهذا الإجراء سيكون بمثابة تطاول على قدسية الملك أو كما وصف بنكيران نفسه هؤلاء المنتقدين (ما كيحشموش وأعداء الوطن وأن تصريحات المنتقدين ضسارة على الملك..(

وهذا التصرف في الحقيقة عهدناه - دائما- من بنكيران، خلال توليه رئاسة الحكومة، وكلنا نتذكر العديد من تصريحاته التي أكد فيها ( أن علاقته جيدة مع الملك، وأن هناك من يريد أن يوقع بينه وبين الملك، وأنه يخشى ويدافع عن الملك....) وهذا التصرف نعهده، أيضا، في سياسة الحكومة عامة، كلما تم انتقاد سياسة ما للحكومة إلا ويتم ربطها بالملك لوقف هذا الانتقاد مع أن العديد من هذه السياسات كانت محط انتقاد من طرف الملك في خطبه الأخيرة.

كما أن بنكيران، حاول دائما لعب دور (الملكي أكثر من الملك ) وحاول، أيضا، التموقع كمقرب من الملك ولعب دور الوساطة ما بين الملك ومختلف الفاعلين، بل الوساطة حتى في علاقة الملك مع الشعب.

متناسيا أن الملك يؤكد في خطبه أنه فوق الأحزاب السياسية، وأنه ملك الجميع .

كما يجب تذكير بنكيران أن المسالة؛ فيما يخص تقاعده لا تتعلق بخروف العيد أو بهدية تصدر من القصر، ولكن الأمر يتعلق بمبلغ مالي ضخم يخرج من ميزانية الدولة أي أموال دافعي الضرائب.

إذن لا داعي لإستغباء المغاربة، وتقديم تصريحات كاريكاتورية لتحوير الموضوع.

- كما برر بنكيران هذا التقاعد بالاستشهاد بحالته الاجتماعية المزرية معبرا عن ذلك أن (الحال واقف )، وكأنه الوحيد في المغرب الذي تعتبر حالته الاجتماعية مزرية، بل وتستحق ذلك المبلغ الكبير زائد الامتيازات.. متناسيا الوضعية الاجتماعية المزرية التي تعيشها مختلف فئات الشعب المغربي والتي ساهم في تدهورها من خلال تطبيق سياسات عمومية لا شعبية مملاة عليه من أسياده داخليا وخارجيا في سبيل نيل رضاهم.

وهذا الأمر ليس غريبا على بنكيران، فالرجل عندما نبحث في تاريخه نجد أنه حاول دائما الوصول إلى تحقيق مصالحه الضيقة الخاصة على حساب آخرين، فلنرجع إلى سنوات الرصاص، وأين كان يشتغل بنكيران ؟ ولحساب من وكم عدد ضحاياه .

كما أن الانعكاسات الاجتماعية لهذا الريع الذي سيحرك حال بنكيران ويرضي عائلته التي سألته عن ما العمل بعد انتهاء امتيازات رئاسة الحكومة التي اعتادوا عليها .

تعتبر هذه الانعكاسات خطيرة فليس بالضروري أن نكرس الفوارق الاجتماعية كأنها قدر على هدا الشعب ابن الوزير مستقبله مضمون ومريح وابن باقي فئات الشعب لا مستقبل له. وان وجد فهو غامض ومبهم.

كما يُنَظِرُ بذلك وزير الشؤون العامة والحكامة، الداودي 1000 درهم في الشهر ستكفي لإخراج الفقراء من فقرهم وستجعلهم سعداء.....

والغريب أن الضائقة المالية التي يعيشها بنكيران والتي- حسب رأيه- كانت سببا في حصوله على هذا الريع تزامنت مع تظاهرة لأهالي الجنود الدين استشهدوا في الصحراء وكدا الدين اعتقلوا لأكثر من 20سنة والدين يعيشون حالة لا يستطيع مفهوم الضائقة المالية أن يصفها والدين ليس حالهم واقفا، بل لا وجود لهدا الحال أصلا حتى يتوقف ويكفي فقط إلقاء نظرة على حال هؤلاء حتى نكتشف المأساة التي يعيشونها .

لنعرف حقا معنى الضائقة المالية ولنعرف ما قدم هؤلاء كجنود شهداء في سبيل الوطن ومادا قدم بنكيران وأتباعه كانتهازيين لهدا الوطن.

كما تزامنت تصريحات بنكيران، أيضا، مع احتجاجات الطبقات المحدودة الدخل والتي أبدع في تبني سياسات أدت إلى تدهور وضعيتها الاجتماعية.

كما فسر تقاعده المريح بالتبرير الديني وأنه رزق من عند الله حلالا طيبا وإضفاء الصبغة الدينية على هذا الإجراء هي عادة بنكيران وتابعيه دائما يحللون ويحرمون متى يشاؤون، بل ويفتون في ذلك لتبرير تصرفاتهم، والأمثلة كثيرة ومتعددة حتى أصبحنا أمام احتراف في استعمال الدين أبان من خلاله بنكيران، عن علو كعب كبير في التجارة بالدين تجاوز به حتى معلميه من الشرق...

فدائما ما يربط بنكيران القضايا السياسية والاجتماعية بالجنة وبالحساب يوم القيامة.

وللتذكير في يوم ما انه خاطب مجموعة من المعطلين أنهم؛ إذا لم ينالوا شيئا في الدنيا فأجرهم في الآخرة كبير وكأنه يملك مفاتيح الجنة بين يديه وكان الشباب والمواطن المغربي لا يريد أن يستمتع بالحياة...

ولكن يجب أن ينتظر جزاء الآخرة، ومؤخرا صرح أن ما فعله لأجل الوطن يعلمه الله وسينال جزاءه عنه...كلها تصريحات تتاجر بالدين لتحقيق أغراض سياسية...

فالمنطق يقتضي أن بنكيران مارس مهمة رئيس الحكومة، ما بعد دستور 2011 وعليه أن يقدم الحساب وفي الآخرة (كلٌ وشُغْلو).

كما نلاحظ من خلال هذه التصريحات أن الفتوى أصبحت لدى بنكيران، وأتباعه تحت الطلب، ويمكن ملاءمتها، حسب المصلحة المادية الخاصة ، كتلك الحكاية القديمة التي تحكى عن شخص ربح مبلغا كبيرا من القمار، فسال الفقيه: هل هو حلال أم حرام فأجابه الفقيه بأنه حرام بطبيعة الحال، وعندما قال هذا الشخص للفقيه أنه ينوي أن يحول جزء من هذا المال لفائدته من أجل بناء منزل خاص بالفقيه بجانب المسجد مع تخصيص متجر للفقيه للحصول على دخل يعيش به فكر الفقيه، وأجاب بسرعة، أنذاك، سيصبح هذا المال حلالا وتبريره في ذلك أن مصدر هذا المال من سباق الخيل، وهذه الخيول فقدت الكثير من العرق خلال السباق وبذلك يصبح هذا المال حلالا؛ لأنه جاء نتيجة مجهود عضلي (أي أن هذه الخيول عرقت في ذلك).

الوضعية للأسف متشابهة حتى أن الفتاوى، وخصوصا فتاوى بنكيران أصبحت تهم جميع المجالات وهدفها هو المصلحة الخاصة به وبتابعيه .

+ ما هو تفسيرك إصرار بنكيران على الظهو، وقد تم إعفاؤه من الحكومة، بل ومن الأمانة العامة للحزب، ايضا؟ وهل يصح هذا من الناحية الدستورية ؟

++أعتقد أن ظهور بنكيران، يكون مدروسا، وليس اعتباطيا، كما يحلو للبعض الإشارة إلى ذلك، حيث يظهر في محطات مهمة ومحددة، مثلا، ظهوره خلال مؤتمر شبيبة الحزب ومخاطبته لأخنوش بعبارة (من هي الشوافة التي قالت لك أنك ستفوز بانتخابات 2021(.

فظاهريا يعتبر هذا التصريح جزء من القفشات الرديئة لبنكيران، لكن في العمق يتبين

أن بنكيران خاطب شبيبة الحزب التي كانت تحمل صوره وتهتف باسمه، وعندما نقول الشباب فأغلب هؤلاء سيصلون إلى السن القانوني 2021، سواء كناخبين أو كمرشحين، وبالتالي الخطاب واضح من الناحية الكمية فالعدد كبير جدا، ومن الناحية النوعية الحماس والتعصب ....خصوصا وأننا نعلم أن الأحزاب الأخرى تغلق الأبواب أمام فئة الشباب.

والاستنتاج الثاني، هو بالنسبة للحزب، صحيح أن العثماني حاول تهدئة الوضع، لكن الرسالة كانت واضحة وتم تمريرها وهي أن بنكيران لا زال حاضرا، ويمكن استعماله من طرف الحزب في حالة التخوف من فقدان منصبه خصوصا وأن الحزب فرض على المغاربة حملة انتخابية مفتوحة منذ 2011 كما فرض نفسه انه حزب انتخابات بامتياز.

إذن، لا داعي لاستغباء المغاربة والقول أن بنكيران بدون مسؤولية واثر تصريحاته لا يعتد بها فالرجل يمكن استعماله في أي لحظة خطر المتمثل في الأحزاب المنافسة أي كان سواء متحالفة أو معارضة المهم هو الحفاظ على المصالح الخاصة والانتهازية .

كما يمكن استعمال تصريحاته لتضبيع المغاربة خصوصا الكتلة الناخبة المرتبطة بحزبه.

+  ماهو رأيك في أنه في عهد حكومة العدالة والتنمية، ارتفع حجم اقتصاد الريع، وتنوعت أشكاله، بل توجه نحو تطبيع هذا الحزب مع اللوبيات المستفيدة من اقتصاد الريع؟

++إن زيادة انتشار ظاهرة الريع في السنوات الأخيرة ترتبط في الحقيقة بتغيير المركز الاجتماعي لأعضاء حزب العدالة والتنمية، وطرحهم مجموعة من الخيارات للاندماج في إحدى الأنظمة من أجل المحافظة على وضعهم الاجتماعي الجديد...

أما نظام الإصلاح والذي يعتبر صعبا ويحتاج إلى برامج بعيدة المدى والى استراتيجيات شمولية عملية، والاستفادة فيه غير مضمون، أو نظام الفساد والذي يعتبر أقل صعوبة والاستفادة فيه مضمونة دائما.

فمنطق الحزب وطبيعته ومرجعيته جعلته يختار الاختيار الثاني مستفيدا في ذلك من الظروف الداخلية والخارجية المواتية لذلك.

فظهرت مفاهيم جديدة في قاموس بنكيران وحزبه من قبيل العفاريت والتماسيح كأن لا بد أن تأتي بسياسات عمومية ذات نتائج سلبية على الاقتصاد الوطني من قبيل "عفا الله عما سلف".

أما فيما يخص مسألة التطبيع مع اللوبيات المستفيدة، فقد أثبت حزب العدالة والتنمية؛ أنه مستعد للتحالف حتى مع الشيطان؛ مقابل الحفاظ على مصالح قيادييه الخاصة وهذه ظاهريا تعتبر سياسة لكن في الخفاء تعتبر قمة الحقارة السياسية.

وهنا أعطيك مثالا معبرا...أعود إلى سنة 2012، حيث انعقد اجتماع بين حزب العدالة والتنمية واتحاد مقاولات المغرب، آنذاك برئاسة حوراني، وتم الاتفاق بين الطرفين على حجم استفادة أصحاب الأموال والثروات من مجموعة من الإجراءات في حالة نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وكان أولى هذه الإجراءات هي إقبار مشروع النص على الضريبة على الثروة والإرث حيث خرج حوراني، آنذاك، مهددا الدولة من مغامرة تطبيق الضريبة على الثروة.

هنا بدأت الاجتماعات السرية والعلنية من أجل ضمان الاستفادة وجاءت فيما بعد إجراءات من قبيل اقتطاعات الإضراب الطرد من العمل قمع الاحتجاجات إلى غيرها. اي كل ما يرضي الطبقات الاجتماعية المستفيدة حيث أصبح الوضع بمثابة حملة ابتزاز منظمة من بنكيران وحزبه لجميع المستفيدين من الريع الاقتصادي.

أما اقتسام الكعكة أو تحمل مواجهة المعارضين، بل إن بنكيران صور نفسه، وحزبه هو الوحيد القادر على حماية هؤلاء المستفيدين، وإسكات أصوات المعارضين، بل و تضبيعهم.

فظاهريا الحزب يصف نفسه أنه حزب الفقراء، لكن عمليا سياسته ضربت وتضرب في العمق مصالح الفقراء، بل وتتخذ منهم وسيلة لابتزاز لوبيات الفساد، بل حتى ابتزاز الدولة.

إذن، دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها؛ فما تأخذه يا بنكيران مدى الحياة، هو ريع سياسي مأخوذ من جيب المواطن الفقير الذي للأسف استغلته وتستغله وستستغله بخطابك الديني الانتهازي

فلا مبرر لك في دلك والملك ليس في حاجة إلى أمثالك للدفاع عنه وترديد عبارة الشعب (يْضْصَرْ على الملك)، فالملك يعرف حق المعرفة علاقته مع الشعب، والشعب يعرف حق المعرفة حدود علاقاته مع الملك، كما أن الملك يعرف السياسيين الانتهازيين الذين اشتغلوا بالأمس في مهام دنيئة يعاقب عليها التاريخ، ولا مجال فيها لرد الاعتبار لأنها كانت على حساب مناضلين شرفاء.

وهؤلاء الانتهازيون يشتغلون اليوم على حساب مطالب الفقراء ومستعدين لتقديم خدماتهم لإسكات أي صوت مطالب بحقوقه.

كما يجب تذكيرك أن الريف ومعتقليه ليسوا في حاجة إليك وإلى وساطتك، فيكفي أنك كنت مسؤولا عن مأساة المنطقة، بل وصل بك الأمر وببعض أتباعك إلى حد تكفير ساكنة المنطقة، وللأسف ساعدك كثيرا الحزب الذي تصوره دائما عدوك الأزلي، وتحمله ما آلت إليه أحوال المنطقة.

فابحث لنفسك عن ضحية أخرى غير الريف، واترك فقراء المغرب فكفاك أنك مصصت دماءهم وقدمتهم قربانا لاأسيادك داخليا وخارجيا، وتركت مستقبلهم ومستقبل أبناءهم غامضا، ومبهما وحصلت أنت على امتيازات وتعويضات تضمن بها مستقبل أحفاد أحفادك وستغنيك عن الرجوع إلى المهمة إياها أو جافيل أو المدارس الخاصة الدينية .

وأخيرا، نقول ،فعلا، الخيول جرت كثيرا خلال السباق، وتصببت عرقا، إذن حلال.

لكن، لا تنسى بنكيران أن التاريخ سيسجل انتهازيتك الرخيصة واستعمالك كل الأساليب الدنيئة فقط للحصول على المقابل الشخصي سواء من (الله أو الوطن أو الملك).

لذلك سيسجلك هذا التاريخ في خانة مظلمة تسمى (مزبلة التاريخ).