الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الكبير طبيح: هل يمكن للوزير أن يكيل بمكيالين؟

عبد الكبير طبيح: هل يمكن للوزير أن يكيل بمكيالين؟ عبد الكبير طبيح

اشتغل الرأي العام السياسي والحقوقي والقانوني والمدني برد فعل وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، السيد مصطفى الرميد، على الأمر بالإحالة الذي أصدره قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بفاس. كما تتبع الجميع الآراء والتعليقات والتقييمات المعارضة والمساندة لموقف الوزير. وطغت على كل ذلك مناقشات ذات طبيعة مرتبطة بقانون المسطرة الجنائية، سواء ما تعلق بالتقادم أو إمكانية إعادة التحقيق في قضية سبق التحقيق فيها من عدمه.

غير أن السؤال الحقيقي الذي من المفروض أن يقف عليه الجميع، ليس هو الاختلاف في تفسير قواعد المسطرة الجنائية بخصوص مدى تطبيق قاضي التحقيق لها، وهل له الحق في التحقيق في وقائع سبق أن أحيلت على القضاء. بل إن المشكل الكبير الذي وضع أمامنا اليوم كسياسيين وحقوقيين ومغاربة، بصفة عامة، هو مدى شرعية تدخل وزير في الحكومة في عمل ومهمة قاضي التحقيق، أي مدى شرعية ومشروعية تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية.

حقا يمكن أن يكون لمحاميي أطراف النزاع المعروض أمام تلك المحكمة آراء مختلفة بالنظر للمركز القانوني لكل طرف، وهو اختلاف مشروع في قراءة تفسير القانون، والذي ستحسم فيه المحكمة. خصوصا وأن أمر قاضي التحقيق، ليس أمر نهائيا، لأنه يجب أن يثبت صحته القانونية أمام 4 محطات سيخضع فيها للمراقبة، وهي المرحلة الابتدائية والمرحلة الاستئنافية ومرحلة النقض ومرحلة إعادة النظر أمام محكمة النقض. بينما موقف عضو السلطة التنفيذية، أي وزير في الحكومة، هو موقف نافد فورا ولم يسمح بأن تكون عليه أي رقابة. علما، وهذا هو ما لم يستحضره السيد الوزير، أن كل قاضي يغضب نصف المغاربة كل يوم، لسبب بسيط، وهو أنه ملزم بأن يبت في نزاع بين طرفين، فهو يحكم لطرف ضد طرف آخر.

من منا لم يغضبه مقرر قضائي صدر من محكمة عادية أو حتى من محكمة النقض، لكن الاحتجاج على المقررات القضائي حدد القانون الجهات المؤهلة لذلك، كما منع جهات أخرى ممارسة أي احتجاج على أحكام القضاء، خص بالذكر دستوريا، أعضاء السلطة التنفيذية.

لهذا أحدث موقف الوزير من الآثار ما ترجم برد الفعل عليه في المجتمع السياسي والحقوقي المغربي، بل قد يكون لموقف الوزير وهو المكلف بحقوق الإنسان تأثير كبير على صورة قضاء المغرب في الخارج. إذ الكل يتذكر كون محكمة أمريكية رفضت تنفيذ حكم أصدرته محكمة مغربية ضد شركة أمريكية، بدعوى أن وزير للخارجية سابق استعمل في حديثه عن القضاء المغربي عبارة فسرها القضاء الأمريكي على أنها تشكك من عضو في الحكومة المغربية في نزاهة القضاء المغرب.

فهل من حق وزير في الحكومة، أي عضو السلطة التنفيذية، أن يتدخل ويعقب بأسلوب المحامي على عمل قاضي في محكمة الاستئناف، علما أن قاضي التحقيق يعين من قضاة الأحكام، وليس من قضاء النيابة العامة.

إن موقف وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان فيه هدم لمبدأ فصل السلط وإلغاء للتقدم والتحول الذي أتى به دستور 2011، عندما نص على كون السلطة القضائية هي سلطة مستقلة، لأول مرة في التاريخ الدستوري للمغرب، استجابة لمطالب الحركة الحقوقية منذ بداية السبعينات.

كما مقتضيات الدستور لم تبق ديكورا يزين الدستور المغربي، بل حضرت الإرادة السياسية وفعلت الدستور بتنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وفصل هيأة النيابة العامة عن التبعية لوزير العدل؛ تأسيسا لاستقلالها هي كذلك عن السلطة التنفيذية.

فاستقلال القضاء هو مكسب حقيقي لكل المغاربة، نص عليه دستور 2011 الذي هو ترجمة لإرادة سياسية حقيقية لتوافق الدولة والمجتمع على التحول الذي عرفته هيكلة الدولة، هو لبنة من لبنات إعادة هيكلة الدولة من أجل تحديثها لتعلو إلى مصاف الدول الديموقراطية.

وتأكد هذا التحول عندما عين جلالة الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات في سنة 2011. كما أعاد تعيين رئيس الحكومة بعد انتخابات 2015 من نفس الحزب، وعندما فشل هذا الأخير في تشكيل الحكومة، عين رئيسا جديدا للحكومة من نفس الحزب، في احترام تام للمنهجية الديموقراطية.

وبما أن قواعد الدستور تشكل وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة، فإنه لا يمكن تجزيئ مقتضياته، والتمسك باحترام المنهجية الديموقراطية في تعيين رئيس الحكومة، بينما يتم فرض احترام باقي ما أتى به الدستور من التزامات، وعلى رأسها عدم شرعية ومشروعية تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية.

فاستقلال السلطة القضائية تعني بكل بساطة عدم شرعية تدخل أي عضو في الحكومة في العمل القضائي.

وأنه ينتج بالتتبع لذلك أن السيد مصطفى الرميد، وهو يوجد في منصب وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، عندما أعطى لنفسه الحق في انتقاد مقرر قضائي صادر باسم الملك وطبقا للقانون كما ينص على ذلك الفصل 124 من الدستور، يكون ببساطة قد خرق مبدأ فصل السلط المنصوص عليها في الدستور، أي خرق الدستور، وهو ما شكل خطأ جسيما سياسيا وقانونيا وأخلاقيا.

قد يكون واردا أن السيد مصطفى الرميد، هو وزير مكلف بقضايا حقوق الانسان، أن يهتم بقضية مرتبطة بحقوق الإنسان، لو تدخل في قضية مواطن عادي. لكن أن يتدخل في قضية شخص منتمي لحزبه، ومن المقربين له، في قضية لا زالت تشغل الرأي العام، فذلك يعني أن السيد الوزير سخر وقته ومهامه كوزير ومكلف بحقوق الإنسان فيما يهم جميع المغاربة، فقط للدفاع على شخص واحد من جهة، ومنتمي إلى حزبه من جهة أخرى. وهو ما يفقد تدخله أي شرعية حقوقية أو أخلاقية أو سياسية.

إن تدخل السيد مصطفى الرميد من أجل الدفاع على فرد من حزبه وأقربائه، وهو يحمل صفته وزيرا للدولة المكلف بحقوق الإنسان السيد مصطفى الرميد، أتى معاكسا لما سار عليه وزراء من قبله وجدوا في نفس وضعيته، وأتى معاكسا لمواقف سبق له أن أشرف عليها عندما كان وزيرا للعدل ورئيسا للنيابة العامة، مما يثبت الكيل بمكيالين.

وبخصوص معاكسة موقف السيد مصطفى الرميد، بصفته وزيرا للدولة المكلف بحقوق الإنسان، السيد مصطفى الرميد، لما سار عليه وزراء من قبله، أذكر بمثال واحد، وهو موقف الأستاذ عبد الواحد الراضي عندما كان وزيرا للعدل، وفي نفس الفترة كان الأستاذ خالد عليوة محال على التحقيق، ومع ذلك لم يثبت أن الأستاذ عبد الواحد الراضي أدلى بأي تصريح كيف ما كان بخصوص ملف الأستاذ خالد عليوة.

ودوليا، نشرت أحد الجرائد الفرنسية يوم الأحد الماضي استجوابا مع وزيرة العدل الفرنسية TOUBIRA وجهت فيه اللوم للقيادي MELENCHON عندما انتقد إجراءات التفتيش التي أمر بها قاضي التحقيق. معتبرة أنه لا يمكن التهجم عن السلطة القضائية كيف ما كان الحال. والأمثلة الأخرى متوفرة وطنيا ودوليا.

وبخصوص اختلاف موقف السيد مصطفى الرميد من قاضي التحقيق بفاس عن موقفه السيد مصطفى الرميد عندما كان وزيرا للعدل، فإن الأمثلة متعددة، التي طالبت فيها النيابة العامة فتح تحقيق في أفعال سبق أن تم التحقيق فيها و صدر بشأنها حكم.

وكمثال أخير على تغير موقف السيد مصطفى الرميد عندما كان وزيرا للعدل وكانت النيابة العامة تابعة له، أنها طالبت بإعادة فتح التحقيق ضد مواطن سبق أن حقق قاضي التحقيق في أفعاله أحيل على المحكمة وأصدرت المحكمة حكما في المتابعة؛ ومع ذلك أمرت النيابة العامة، والسيد مصطفى الرميد رئيس لها، بإعادة تكييف نفس الأفعال التي بت فيها قاضي التحقيق سابقا، وهي القضية موضوع الملف الجنائي عدد 1440/2610/2013 الغرفة الجنائية لدى محمة الاستئناف بالدار البيضاء .

فما الفرق بين طلب التحقيق في أفعال منسوبة لعضو مقرب من حزب السيد مصطفى الرميد وطلب التحقيق في أفعال نسبت لمواطن عادي أمر به السيد مصطفى الرميد، بصفته رئيسا للنيابة العامة.

هل يقبل، أخلاقيا، وسياسيا، الكيل بمكيالين اليوم.