تحتفل الطريقة العيساوية، ابتداء من يوم الثلاثاء 12 ربيع الأول 1440 هجرية الموافق لـ 20 نونبر 2018، بذكرى عيد المولد النبوي الشريف، وهي مناسبة تحج فيها الطوائف العيساوية من مختلف مناطق المغرب صوب ضريح الشيخ الكامل مؤسس الطريقة العيساوية للاحتفاء بهذه المناسبة الدينية بالأذكار والتوسلات والأدعيات التي تمتزج بموسيقى من المزامير والطبول والدفوف وطقوس خاصة في الأداء تعطي طابعا فرجويا بديعا ومشاهد مسرحية رائعة..
عن الطريقة، يقول أبرز رموزها الشيخ الكامل: "طريقتنا لا تدخل في قلب قاسٍ، ولا في جسم عاصٍ، ولا في عقد جاهل، ولا تُدرك بالقياس، ولا هي خارجة عن الكتاب والسنة، بل هي حكمة عُليا وموهبة أوليَّة على السنة والنية ومُسَاقة على أثر الأنبياء والأولياء".
"الله.. الله.. الله يا مولانا.. الله.. الله.. الله.. والغني مولانا، بسم الله باش نبدا راه عندي مختارة.. بسم الله باش نبدا راه عندي مختارة..."؛ فعلى غرار هذه المقاطع وغيرها تدخل الطوائف العيساوية مكناس مزهوة بلباسها البهي من "الحنديرة" الصوفية الحمراء المزينة بـ "الموزون" والجلابة والقشابة، وهي تردد الأذكار والقرآن والتوسلات التي تصاحبها نغمات موسيقية من الطبول والمزامير والدفوف والطعارج وحركات راقصة للعيساويين، والتي كثيرا ما يرقص على إيقاعها الجمهور الحاضر في موسم الشيخ الكامل، الذي تحول منذ قرون خلت إلى محفل سنوي يستقطب الآلاف من الزوار.
ولعل أجمل ما في موسم الهادي بنعيسى بمكناس هو الطابع الاحتفالي المتميز، والذي يبرز الجانب الفني للظاهرة العيساوية، ويشد الجمهور كأنه عرض مسرحي رائع، إذ يعد المظهران الصوفي والتعبدي وكذا الفني والجمالي مكونيين بنيويين في الظاهرة العيساوية، وهو ما يمنحها الطابع الاحتفالي، خاصة في شهر ربيع الأول، تاريخ إحياء موسم المولد النبوي بمكناس. ولعل العنصر الفني البارز في الطريقة العيساوية هو الموسيقى التي تصاحب الأذكار والأناشيد سواء في الليلة العيساوية أو خلال موسم عيد المولد النبوي، حيث ترتفع الأصوات أحيانا وتعود وتيرتها فتعتدل وتتلون في التلحين والأداء بشكل فني؛ وتحضر في هذا الأداء مجموعة من الآلات الموسيقية: الطعارج، النحاسة، المزامير، الغيطة، الطبول، النفير، تبعا لبناء وتدرج مكونات الليلة العيساوية.. فالذكرات تكون بالطعارج فقط، لكن في مرتبة منها يستعمل النفير (مثلا آخر فقرة من الذكر).
ثم هناك أيضا مرتبة، وما "الحرم" إلا قصيدة تضرع للحماية بحرم رسول الله يقول مطلعها :"الحرم يا رسول الله.. الأمان يا حبيب الله.. الحرم جيت عند قاصد يا سيدي رسول الله.."؛ ويقوم "الحضارة" للرقص عليها بتأثير من إيقاعات البندير والطبيلة والطاسة والتعارج.. تارة إلى الأمام وتارة إلى الخلف في صف واحد، ويقف أمامهم "العلام" (وهو واحد من الفقراء يومئ لهم بالحركات والكلام).
ثم مرتبة الدرقاوية (أيا بابا وانا خديم سيدي رسول الله يلا رضى لي)، ومرتبة حد في الذكر العيساوي (يا احد يا رحمان).. ولعل نغمات الطبول والإيقاعات تكون ألوان من الحضرة أو الرقص هو ما ينقلنا من الموسيقى كإطار فني إلى عنصر آخر وهو الجانب الفني المتعلق بالحركة الجسدية التي يتم توظيفها في الطريقة العيساوية، تماما مثل العبادة التي تحضر فيها الحركات الجسدية، الحج مثلا (السعي نحو الصفا والمروة)، الصلاة التي ليست إلا مجموعة من الحركات (قيام ركوع سجود جلوس..)؛ لكن الحركة في الطريقة العيساوية تقترن بالموسيقى وإيقاعات مختلفة تجمع تحت مصطلح "الحضرة" وهي أنواع.. مثلا "الحرم يا رسول الله.." تتم فيها الحضرة بهدوء، ثم ترتفع لتصل إلى قوة أكبر عندما نصل إلى "الفريسة" في الظاهرة العيساوية التي يتشبه فيها العيساويون بأنواع من الحيوانات والوحوش في حالة صيد وافتراس؛ لذلك نجد ظاهرة "السبع" و"اللبيات" و"الذيب" كمصطلحات عيساوية، ويحاول الذئب أن يستعمل القناع كعنصر مسرحي مما يضفي طابعا من الفرجة، وهي الطقوس التي غابت عن احتفالات عيد المولد في السنوات الأخيرة؛ ثم هناك "الهدية" في موسم المولد النبوي كعنصر من الشعائر الدينية، حيث تكون الهدايا عبارة عن ثيران فحول مزينة بالحناء وأغطية بيضاء وألوان خضراء، كما تحمل الزرابي والشموع في موكب مهيب نحو ضريح الهادي بنعيسى مؤسس الطريقة.
وتكون "الخرجة" من بيت المقدم نحو ضريح الشيخ الكامل المتواجد بالمدينة العتيقة لمكناس، وعلى امتداد سبعة أيام تجد طائفة تلو الأخرى تعبر شوارع المدينة، وهي تشكل صفوفا متراصة، والكل يؤدي رقصة "الحضرة" في عفوية تامة وانسجام، وهم يرددون الأذكار الربانية مع نغمات الموسيقى العيساوية وإيقاعاتها، وتساق الهدايا إلى الضريح تقربا إلى الله تعالى وتوسعة عن الناس والمريدين والزوار.. لكن العنيف فيها هو التمرغ الذي نلاحظه في الذبح أو شرب الدماء،.. إنه التمازج الجميل بين الجانب الفني والجمالي والجانب الصوفي الذي تصنعه الطريقة العيساوية.
ماذا تعرف عن مؤسس الطريقة العيساوية
عاش سيدي محمد بنعيسى دفين مكناس الذي تنتسب إليه الطريقة العيساوية خلال عصر الدولة السعدية بالمغرب، أثر في عصره وامتد تأثيره من المغرب إلى مصر، وعلى الرغم من شح المصادر حول شخصيته وآثاره؛ لكنه رغم ذلك خلف آثارا وتلامذة وطريقة في النظر للكون والإنسان والوجود، وترك أحزابا وأورادا وشعرا ونثرا.
ولد سنة 872هـ حسب ما جاء في كتاب "دليل مؤرخ المغرب الأقصى" للعلامة بنسودة، أصله من عرب سوس بالإجماع، إلا أنه اختلف في هل أنه سملالي، أم أنه من السباعيين أولاد سيدي عيسى المعروف بأبي السباع.
هاجر والد محمد بن عيسى من سوس ونزل عند الفهديين وهم فرع من قبيلة مختار، فتزوج منهم ورزق بمحمد بن عيسى، وقد حضي الطفل مَحمد (فتحا) بعناية خاصة من طرف والده وأخواله، وقد رافقه والده إلى مدينة فاس ليهيئ له الظروف الملائمة للإقامة من أجل تلقي العلم بجامع القرويين، لينتقل بعدها إلى مكناس.. ومازال المكان الذي كان يدرس به العلم بالجامع الأعظم بمكناس معروفا عند الناس إلى يومنا هذا.
يقول أحمد الخليفي في كتابه المذكور: "ولم يزل إلى اليوم يحفظ له تعليمه وتدريسه ونفعه الأمة بصفة عامة وذلك بواسطة رخامة عتيقة ملصقة على سارية من سواري المسجد الأعظم تحمل اسمه، وقد وقفنا عليه وشاهدناه".
لقب محمد بنعيسى بالشيخ الكامل وبالكبريت الأحمر وبلقب "بركة أهل السماء والأرض"، ويعد حزب "سبحان الدائم" الحزب الرسمي للطريقة العيساوية، وهو من أشهر ما خلفه الشيخ بن عيسى من أوراد.