السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

أبو أيمن الفارح: حكم العدالة والتنمية من المقاربة الأمنية إلى المقاربة العسكرية

أبو أيمن الفارح: حكم العدالة والتنمية من المقاربة الأمنية إلى المقاربة العسكرية أبو أيمن الفارح
توجه الحكومة والدولة في معالجاتها للقضايا الكبرى من تنمية وديمقراطية وأمن، تعكسه، بشكل واضح جدا، القوانين وطبيعة المشاريع التنموية المطروحة والفئات المستهدفة من وراءها. فعلى الرغم من الانتقادات الموجهة للحكومة بخصوص عدم تجانسها السياسي والمذهبي والفكري فإنها تبقى على درجة عالية من الانسجام والانضباط للأجندة المنوط بها تحقيقها وتنزيلها. أجندة ليست في جوهرها سوى ردة فعل ظرفي على أحداث ما يسمى بالربيع العربي والذي جسده في المغرب حركة 20 فبراير، التي عرفت الدولة العميقة كيف تجهز عليها وتلتف على مطالبها وتفرغها من الطاقة والشحنة التي كانت تختزنها وتقوم بتصريفها عبر قنوات حزبية وجمعوية لها ما يكفي من التجربة في مصادرة وتهريب الحراكات الشعبية وحولتها لمجرد حركات شبابية معزولة رافضة للوضع كمثيلات لها في كل بلدان العالم.
بعد نهاية الفصل الأول والمرحلة الأولى من احتواء الخطر وكل مظاهر الغضب والحراك المهدد للبناء التقليدي للدولة، وبعد استنفاد كل رصيد ومخزون الحكومة الأولى واندفاعها الكبير في الدفاع وتنزيل السياسة الجديدة للدولة في عهدها الجديد ودستورها الجديد، وبعد نجاحها في زعزعة ثقة المواطنين بالمؤسسات الحزبية والنقابية والجمعوية الوطنية الحقيقية وزرع بذور اليأس وفقد الأمل في الإصلاح والتغيير وكذلكترسيخ ممارسات الانتهاز والريع والمحسوبية والزبونية وكل أشكال الفساد و"عفا الله عما سلف"، جاءت المرحلة الثانية تجسدها النسخة الثانية لحكومة برئاسة العدالة والتمنية مرة ثانية وبمكونات أغلبية تستعصي على الفهم، حكومة ستتحمل مسؤولية إنهاء مخطط الإجهاز على الآمال من خلال ما يمكن تسميته "المساحات الحقوقية المحروقة".
إدا كانت الحكومة الأولى قد أخذت على عاتقها "تنقية الأجواء المدنية والسيطرة عليها" بمهام الحد من الحريات وتقييدها وشل بعضها وإفراغ النصوص الدستورية من مضامينها، على المستوى الحقوقي والمدني، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، بدءا من حق الإضراب، قانون النشر والصحافة، التشغيل والتوظيف، حرية الرأي والتعبير. وكل ذلك بهاجس أمني يضع المبادرة كليا في يد الإدارة وأجهزة الدولة وبالاستفادة إلى الحد الأقصى من الظرفية الاقتصادية والأمنية الإقليمية والدولية، فالحكومة الثانية وبالنظر للتغيرات التي حدثت على مستوى عقل وسلوك الإنسان المغربي بفعل وسائل الإعلام ووسائط ومحركات التواصل الاجتماعي التي أصبحت محركا أساسيا ومؤطرا للأفعال وردود الفعل وتصورات مستقبل الفرد والجماعة، وبالنظر لاستحالة وقف هذا التأثير الخارجي والداخلي على حد سواء، كان من مسؤوليات الحكومة الثانية توسيع هوامش المقاربة الأمنية وإعطاءها نفسا جديدا وأبعاد أخرى من خلال إجراءات أكثر قوة ومدلولية تمنع تسرب رياح التغيير لبعض مؤسسات الدولة الرسمية التي باتت مرشحة للإنفلات من القبضة المخزنية.
في ظرف أقل من سنتين حدثت تغييرات وصدرت قوانين، على المستوى الأمني، لا يوازيها من حيث الأهمية سوى تلك المتعلقة بالإصلاحات الدستورية.
1-في شهر شتنبر 2016 بموجب مشروع مرسوم بقانون رقم 814-16-2 صادقت عليه الحكومة تصبح مؤسسة الوقاية المدنية خاضعة لقواعد الانضباط العسكري، إجراء تم اتخاذه بعد الاحتقان الكبير الذي عرفته هذه المؤسسة والمتمثل في حركات عصيان للأوامر واستقالات فردية وجماعية وشكايات في حق مسؤولين وكذلك مغادرة الجهاز والبلاد، من طرف العديد من الأفراد، للعمل في دول عربية وغيرها توفر شروط عمل وحماية اجتماعية أفضل.
إعادة هيكلة جهاز الوقاية المدنية وتحصينه وتأهيله للقيام بدوره والمسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقه لحماية الأرواح والممتلكات، شيء مهم جدا، بل واجب وضروري في ظل التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية المتزايدة والمتنوعة التي أصبحت تعرفها بلادنا وكذلك ارتفاع أعداد حوادث الطرقات والحوادث التقنية وغيرها. ووجود جهاز عسكري للإسعاف والحماية من الحرائق والتدخل أثناء حدوث الكوارث، مهم جدا وضروري كما هو معمول به في جل دول المعمور، من أجل حماية الثكنات والمؤسسات العسكرية والمساهمة عند الحاجة في كل مجهود مدني إلى جانب باقي الوحدات المدنية المختصة في الميدان.
لكن وجود جهاز وقاية مدنية، ضرورة ملحة كذلك، فحوالي 9000 عنصر المشكل لجهاز الوقاية المدنية بالمغرب هو نفس عدد أفراد جهاز الإطفاء العسكري بفرنسا، لكنهم إلى جانب الجهاز العسكري يتوفرون على ما يفوق 240 ألف عضو من نساء ورجال يكونون جهاز وقاية مدني حقيقي من بينهم حوالي 27 ألف عنصر رسمي والباقي متطوعون ومتطوعات خضعوا لتكوين وتدريب مهني يؤهلهم للقيام بكل أعمال الوقاية والإسعاف والتدخل، في كل الظروف والأحوال.
إذا كان المغرب، بالنظر لعدد سكانه الذي يقارب نصف أعداد سكان فرنسا في حاجة لنصف أعداد إطفائييها، فهل هو قادر على خلق جيش قوامه على الأقل 100 ألف رجل إطفاء في إطار نظام عسكري؟
2- في شهر فبراير 2018 صدر الظهير الشريف رقم 71-17-1 الخاص بإعادة تنظيم القوات المساعدة، هذا الإجراء الذي كانت أسباب نزوله أكثر حضورا بالنسبة لهذه الفئات إبان أوج الصراع والحرب في الأقاليم الجنوبية المسترجعة بين سنوات 1975 و1991، حيث كانت وحدات المخزن المتنقل ضمن الطلائع الأولى على جبهات القتال إلى جانب وحدات القوات المسلحة الملكية، بالرغم من تسليحها الخفيف وعدم تطابق تكوينها الأمني الصرف مع شروط الحرب الدائرة، الخاصة جدا، مزيج بين حرب كلاسيكية مفتوحة وحرب عصابات استعمل فيها العدو أحدث المعدات والأسلحة والذخيرة وأحدث الأساليب القتالية بمشاركة وتأطير أجنبي جزائري وكوبي ومرتزقة من جنسيات محتلفة.
إخضاع هذه المؤسسة للنظام العسكري، هي التي أنشأت في الأصل لمهام اسثتباب الأمن الداخلي، يدفعنا إلى محاولة تلمس الأسباب والدوافع. لقد عرفت مؤسسة القوات المساعدة تطورا كبيرا خلال السنوات العشر الأخيرة، سواء على مستوى العدد أو النوع أو على مستوى العتاد والمعدات وهو ما جعل منها قوة لا يستهان بها في المعادلة الأمنية، لكنها عرفت كذلك ارتفاع أصوات التذمر وعدم الرضى عن الوضع المادي وشروط العمل الشيء الذي أدى إلى اتخاذ جملة من الإجراءات التأديبية في حق العديد من أفرادها. هذه العوامل لها من دون شك أثرها في قرار الإخضاع لضوابط النظام العسكري، وكذلك إسناد القوات المسلحة الملكية
ودعمها بشكل رسمي بأجهزة تعرفها عن قرب، عامل آخر يحضر بقوة.
3- في صيف 2018 ترجع الدولة إلى العمل بنظام التجنيد الإجباري، رجوع في ذروة النقاش حول مؤشرات نكوص وتراجع بين عن مكتسبات حقوقية ومدنية وفي ظل أزمة سياسية داخلية لم يعد بالإمكان إنكارها أو التستر عليها وكذلك احتقان اجتماعي تذكيه الحسابات السياسية الضيقة بين الشركاء السياسيين والتصيد الذي أصبح من أهم سمات الحكومة، ناهيك عن القرارات المرتجلة وغياب التخطيط والرؤية الاستراتيجية. الحكومة أشبه بفرقة إطفاء في مواجهة حرائق في مناطق مختلفة، تتمدد يوما عن يوم.
لقد دخل حزب العدالة والتنمية للحكومة في ظروف خاصة جدا وتسلم زمام التسيير وواضح جدا كونه استنفر ودفع به دفعا لأسباب أمنية، الخوض فيها مرة أخرى هو هدر للوقت والجهد، وبدل الانكباب على إبداع الحلول التنموية لنزع فتيل الأزمة التي تعيشها البلاد على كل المستويات، وجد في المقاربة الأمنية ضالته من أجل إسكات أصوات الجماهير المتعطشة للحرية ولحياة أفضل.
وأصبحنا من قبيل أولاءك الذين "ما قدهم فيل زادوهم فيلة" من مقاربة أمنية لم تعد كافية دخلنا مرحلة المقاربة العسكرية.