السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

عبد العزيز عليلي: متى سينعم الجنوب الشرقي بإنشاء نفق تيشكا للحد من إزهاق الأرواح؟

عبد العزيز عليلي: متى سينعم الجنوب الشرقي بإنشاء نفق تيشكا للحد من إزهاق الأرواح؟ عبد العزيز عليلي مع منعرجات تيشكا الخطرة

أدت التساقطات المطرية الغزيرة التي شهدتها أقاليم الجنوب الشرقي للمملكة، وخاصة ورززات والحوز خلال الأيام الأخيرة إلى انهيار طريق بمنطقة تيشكا، وقطع الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين مراكش وورززات عبر تيزي تيشكا بفعل  الثلوج، وتسبب ذلك في شل حركة السير لساعات طويلة بهذه الطريق، وهو ما يطرح من جديد معضلة مضيق تيشكا المزمنة، وتأكيد مطلب إنجاز نفق تيشكا الاستراتيجي وفق ما تفرضه قواعد العدالة المجالية. "أنفاس بريس" اتصلت في هذا الإطار بعبد العزيز عليلي، الكاتب العام لجمعية درعة الكبرى  للتنمية والتضامن، فأعد الورقة التالية :

"اليوم يتأكد بأنه لا مناص من إنشاء نفق تيشكا، لأنه أحد أهم مداخل التنمية بجهة درعة تافيلالت، وكعادتنا نقف كل مرة مندهشين وممتعضين أمام هول ما تعانيه ساكنة وزوار الجنوب الشرقي من معاناة وآلام، وهم يهمون بالمرور عبر مسالك مرتفعات تيشكا الوعرة من وإلى أقاليم جهة درعة تافيلالت. معاناة  تتكرر كلما تهاطلت الأمطار والثلوج على هذا المقطع الطرقي الذي أضحى ذكر اسمه تشمئز منه الأنفاس وتقشعر منه الأبدان. منذ أن انطلقت الأشغال به في شتنبر 2014 لتحسين السلامة الطرقية ومستوى الخدمة، والحال مازال على ما هو عليه -اللهم بعض التحسن على مستوى مقاطع معينة-: وعورة المسالك وخطورتها، منحدرات ومرتفعات مخيفة، تساقط الأحجار الكبيرة نتيجة انجراف التربة بفعل التساقطات المطرية. وكذا افتقار هذه الطريق إلى معايير السلامة بسبب عدم مطابقتها لمواصفات الهندسة القياسية. هذا، وحتى بعد خضوع المقطع الطرقي تيشكا للإصلاحات والتوسعة، إلا أنه صنف من ضمن أخطر الطرق في العالم .

وعلى الرغم من تبني خيار توسيع الطريق، لم يكن هذا الخيار ليحل المشكل، خصوصا وأنه لم ولن يوفر الوقت على صعيد المدة المستغرقة بين مراكش وباقي أقاليم جهة درعة تافيلالت. كما لم تمنع هذه التوسعة من حدوث العديد من حوادث السير المميتة؛ وكذلك الانسداد الذي تعرفه الطريق بين الفينة والأخرى. طريق دائما ما تجبر مستعمليها على الحيطة والحذر والتريث.. يقظة مفرطة، و السير ببطء شديد نظرا لمنعرجاتها الملتوية، والتي تحجب الرؤية من الأمام.. نعيش هذه الأيام فعلا انقطاعات متكررة على مستوى هذه الطريق، وفصل الشتاء لم يحل بعد. معاناة تلو أخرى. هل تعلمون كم مريضا توفي وهو في سيارة إسعاف متوجها إلى مستشفيات ومصحات مراكش بسبب انسداد هذه المسالك؟ هل تعلمون كم من امرأة حامل ماتت وهي في الطريق إلى نفس الوجهة عبر نفس المسالك؟ هل تعلمون كم طالبا تخلف عن موعد إجرائه لامتحان بسبب انقطاع هذه الطريق؟ هل تعلمون كم سائحا يتوق إلى زيارة تلك الجهة لكنه لا يجرؤ، لأنه يخشى من تلك المنعرجات المميتة؟

أستحضر هنا تجربة مرعبة عشتها في هاته المنعرجات الخطيرة، وهي رحلة الذهاب إلى مسقط الرأس لقضاء عيد الأضحى بمعية العائلة.. ازدحام كبير جدا امتد على طول منعرجات تيشكا، ذهابا وإيابا.. ازدحام ناتج عن انقطاع الطريق بسبب تساقط الثلوج. نعرف جميعا ساكنة الجنوب الشرقي القاطنة خارج الجهة وارتباطها الوثيق بالمنطقة.. الكل يشد الرحال بهذه المناسبة لصلة الرحم. بات الجميع ليلتين متتاليتين في العراء بدون أغطية، ولا طعام أو ماء، اللهم من إمدادات وزعت بمروحيات، وكانت على شكل خبز وحليب؛ في مشهد درامي شبيه بحصار أسفر عن وفاة بعض الأشخاص من بينهم أطفال.

أمام ما تعانيه ساكنة تلك الجهة بشكل خاص، ومرتادو طريق مرتفعات تيشكا الخطيرة، أصبح إنشاء نفق يخترق مرتفعات تيشكا أمرا ملحا يفرض نفسه، والحاجة إليه تزداد يوما بعد يوم، مع ضرورة الاهتمام بالطريق الوطنية رقم 9، خصوصا على مستوى تيشكا لتحسين مستوى خدماتها وعصرنتها، حتى تستجيب لتطلعات مستعمليها. لا مناص من الاستثمار في البنية الطرقية بشكل جيد لأن مؤشر جودة الطرق يعد من مكونات مؤشر التنافسية العالمية الذي ينشره سنويا المنتدى الاقتصادي العالمي .

سيظل حلم إنشاء النفق يثار بشكل مستمر ما دامت طريق الموت بمنعرجاتها المرعبة تحصد المزيد من الأرواح، وتشكل حجر عثرة أمام تنمية تتوق إليها جهة درعة تافيلالت. وعلى الحكومة أن تتحمل المسؤولية كاملة عن أعداد المواطنين الذين تزهق أرواحهم بين ثنايا هاته المسالك. عليها أن تخرج هذا المشروع الاستراتيجي إلى حيز الوجود لما له من أهمية تتجلى في:

 -تيسير جلب الاستثمارات للجهة وتقليص نسبة البطالة؛

- توفير الكثير من الوقت، وذلك بتقليص مدة العبور والانتقال بين جهة درعة تافيلالت وباقي جهات المغرب؛

- زيادة نسبة الأمان لضمان سلامة المسافرين، وبالتالي تقليص حوادث السير؛

- دعم وتثمين مؤهلات وخصوصيات أقاليم الجهة؛

- تنمية الصناعة السينمائية، السياحة، الطاقة الشمسية ...

وأشير بالمناسبة بأن المسؤولين يثيرون دائما الكلفة الباهظة لإنشاء هذا النفق، والتي تقدر بثمانية مليارات درهم، وتحتاج، حسب وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء إلى تعبئة مالية. ونحن في هذا الصدد نؤكد أنه بلغ إلى علمنا داخل جمعية درعة الكبرى للتنمية والتضامن بأن الصين قد قدمت مؤخرا مقترحا لدى هذه الوزارة لتمويل إنشاء النفق في إطار ما خصصته الصين من استثمارات للمغرب وإفريقيا في قمة التعاون الصيني الإفريقي، التي احتضنتها بكين في شتنبر 2018 .

ألا تستحق جهة درعة تافيلالت التفاتة واهتماما خاصا لرد الاعتبار لجهة عانت التهميش والفقر لعقود طويلة؟ أعتقد أنه حان الوقت لخلق نوع من التوازن المجالي وتحقيق عدالة ترابية على صعيد هذه الجهة. ألا تستحق هذه الجهة بنية تحتية تليق بساكنتها، وهي الجهة التي يستخرج منها أنفس المعادن كالذهب والفضة؟ الجهة التي تزخر بمؤهلات سياحية متفردة. الجهة التي تدر مداخيل مهمة على المركز السينمائي المغربي. الجهة التي تحتضن مشروع الطاقة الشمسية الأضخم في العالم. الجهة التي تتوفر على منتوجات زراعية متنوعة...

إن إحدى أهم المداخل لتنمية جهة درعة تافيلالت هو إنشاء نفق يخترق مرتفعات تيشكا. ونعتقد أن مكونات المجتمع المغربي سوف لن تدخر جهدا في المشاركة الفعلية في إنجاح هذا المشروع الهام. والذي سيصبح أحد أهم المعالم التي يحق للمغاربة أن يفتخروا بإنشائه. أملنا ليس حلما، بل هدفا سنسعى جاهدين إلى تحقيقه".