الثلاثاء 19 مارس 2024
مجتمع

سعيد جعفر: محمد بنعبد القادر القارئ النهم الذي عرفته..

سعيد جعفر: محمد بنعبد القادر القارئ النهم الذي عرفته.. د.سعيد جعفر، ومحمد بنعبد القادر ( يمينا)
لم تسبق لي معرفة حقيقية بالسيد محمد بنعبد القادر قبل 2016-2017 إلا كعضو لجنة إدارية للحزب و عضو لجنة العلاقات الخارجية وكمدير، سابق، للتعاون الدولي بوزارة التربية الوطنية.
وأول لقاء، أو لنقل أول احتكاك، حدث أثناء تحضيرات المؤتمر العاشر عندما اختلينا، نحن عدد من أطر الحزب ببوزنيقة، للنقاش والتداول في الورقة التوجيهية للمؤتمر وللمرحلة الفاصلة بين المؤتمرين العاشر والحادي عشر.
أعد السي محمد بنعبد القادر ورقة حول "الاشتراكية الديمقراطية: تجارب مقارنة" وأعددت ورقة حول "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والمسألة الدينية"، وأعد الإخوة عبد الكريم بنعتيق وعمر بنعياش وعبد السلام الرجواني و عبد السلام الموساوي و بنيونس المرزوقي و أحمد العاقد أوراق متنوعة وغنية حول تأثيرات العولمة واليسار الجديد والهوية الاشتراكية الاتحادية وغيرها.
كان عرضي هو الأخير، والحق أنه كان مستفزا وأثار عددا من الردود والاعتراضات و الدفاع ومن بين هذه الردود كان رد الأخ محمد بنعبد القادر الذي كان أقرب إلى اعتراض فكري عميق وراقي.
بصدد طرح تصوره حول فكرة ضرورة اهتمام الاتحاد بالمسألة الدينية كجزء من هويته، استدل بنعبد القادر بعدد من الوقائع و المؤشرات الجيو-بوليتية و بعض المنتجات الفكرية في الموضوع، ومن بين الكتب التي استدل بها خلاصات كتاب "الإسلام المعولم لأوليفييه روي.
كنت قد انهيت لتوي قراءة الكتاب وكانت لا زالت أفكاره طازجة في مفكرتي لذا نشب بيننا نقاش أقرب إلى البوليميك منه إلى النقاش البناء.
بعد نهاية النقاش اكتمل نقاشنا بحضور أظن الأخ أنور المرتجي، ورغم حرارة هذا النقاش و اندخاله بالنفسي فقد تشكلت لدي أفكار و استنتاجات مهمة عن محمد بنعبد القادر الذي لم يصبح وزيرا بعد، أولاها سعة إطلاع الرجل قياسا على الاستشهادات الفكرية المتنوعة التي كان يسكبها في تدخلاته وشروحاته، وثانيها حرصه على إقناع محاوريه بأفكاره مستعينا بالوسائل الفكرية والقراءات التي باشرها ويباشرها.
وثالثها إنصاته و تحمله للردود.
كانت هذه استنتاجاتي وتأكد جزء منها في لقاءات حزبية حضرتها كان متدخلا فيها في الحي المحمدي والفقيه بنصالح.
ومنذ تحمله المسؤولية الوزارية لم تتوفر فرص أكبر لاختبار استنتاجاتي خصوصا وأنه بدأ يغرق أكثر في العمل الوزاري نتيجة المشروع الإصلاحي الذي سطره للإدارة المغربية، وتحولت صفحته في الفايسبوك إلى ما يشبه ملحقة إعلامية للوزارة وبدأ محمد بنعبد القادر القارىء والمحاور يغيب شيئا فشيئا تماما كما يحدث لأغلب السياسيين والمسؤولين الحكوميين الذين تستهلكهم السياسة و الوزارة، وبدا لي القارىء الذي حاورني وتناقشنا بحرارة وبغير قليل من الإندخال النفسي مجرد طيف انتهى مع نهاية التحضيرات وما قبل الاستوزار.
لكن فجأة وبدون إنذار بدأت صفحة بنعبد القادر "تصرف" قراءاته بتزامن مع عطلة الصيف وبدا كما لو أن المعني بالأمر رجع لصلاته ولطقوسه مبحرا في قراءاته بين الكتب والدوريات باللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والعربية.
وجدته قارئا للفلسفة الإغريقية (محاورة جورجياس لأفلاطون) وللفلسفة الحديثة ( اسبينوزا) والمعاصرة ( شوبنهاور ونيتشه وميشال فوكو).
ووجدته باحثا في الانتاجات في مجال الإدارة( دافيد كريبر وروبير كينغ مورتون)، و قارئا للآداب ( أبو الفرج بن الجوزي و أدونيس وغابرييل غارسيا ماركيز و شكسبير وعبد الرحمان منيف و وابن الفارض).
ووجدته متتبعا للإصدارات الجديدة والدوريات المحكمة ( شانتال موف و جوردي سييرا إفابرا و أوليفيي روي و بول فاليري و لوران ألكسندر و أوبير فيدرين ومارسيال فوكو ودوريات لوموند الحياة ومجلة الشؤون الخارجية).
ورغم أنه يصعب الحكم على مدى تمثل السي محمد لما يقرأه فلا يمكن نفي قدرته على القراءة والفكر وسط مشاغل الوزارة، وبشكل أقرب إلى العبارات الكلاسيكية فهو يمثل نموذجا للوزير المثقف.
يمثل محمد بنعبد القادر حالة مخصوصة من بين حالات أخرى لوزراء قلائل في حوليات السياسة المغربية نجحوا على الحفاظ فيهم على المثقف كالسي محمد جلال السعيد ومحمد العربي المساري و حبيب المالكي وفتح الله ولعلو وبنسالم حميش وعبد الله ساعف ومحمد الكحص ومحمد الأشعري..
هذا هو السي محمد القارئ الذي عرفته وفي انتظار تقييم بنعبد القادر الوزير ننبه إلى أن لا سياسة دون فكر.
                             -د.سعيد جعفر،عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية