يعيش الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم محنة إكراهات السياسة و سؤال الهوية وسيبقى الوضع على ما هو عليه ما لم يحسم أمره، نافلة القول أن اتحاد السبعينيات ليس هو نَفْسُهُ في الألفية الثانية و لا يمكن أن يبقى على نفس المرجعيات في الألفية الثالثة، بعد هذا التمهيد أقول أن المشكل الأساسي للاتحاد أنه لم يحسم بَعْدُ هذه الأَرْجَحَة بين الماضي و الحاضر التي تُقَوِضُ الانفتاح الحقيقي و التحالفات المُجْدية و كذا إِعادة النظر في آليّات الاشتغال و التواصل التي تستلزمها المرحلة .
كَثيرٌ من الاتحاديين لم يستوعبوا بَعْدُ أن العالم تَعَولَمَ بَعْدَ 1986؛ أن الحرب الباردة انتهت؛ أن القطبية أصبحت من التاريخ و أن إيديولوجيات القرن التاسع الجاهزة كلبرالية، اشتراكية أو شيوعية ٱلت إلى رفف المكتبات على غرار مؤلّف آدم سميث "ثروة الأمم" الذي يُفتَح للاستئناس و الغور في التاريخ. أُصابُ بالخيبة كلما أقدمت القيادة على عملية انفتاح مُحتشمة و تفاهمات محتملة مع أحزاب من خارج اليسار ، حيث يرفع بعض المناضلين من مُدْمني الإيديولوجيات الخلاصية يرفعون عقيرتهم للتَّشهير بالقيادة و كأن تحالف الاتحاد لا يمكن أن يكون من خارج اليسار كقضاء و قدر!!!
التفاهمات الحزبية و التحالفات تَتِمُ بناءً على برامج مُشتركة ملموسة و ليس على متمنيات طوباوية بله ُمستحيلة بمنطق السياسة العاقلة ! مرَّ الاتحاد بمحطات فارقة كان آخرها و أهمها المشاركة في الحُكْمِيّة سنة 1998 و من هنا في اعتباري يجب البدء للتّشْطيب على كل أدبيّات السبعينيات و سنوات شدِّ الحبل مع المؤسسة الملكية التي شِئْنا أم أبينا تمثل بحكم التاريخ فاعلاً أساسيّاً في مشهدنا السياسي التي يجب التعامل معه بحكمة و لو بِنِديّة و دون تزلّف.
على الاتحاد كذلك أن يحسم أمره مع اليسار لأنه لا يمكن أن تتحالف مع حزب محافظ، حزب الاستقلال، و في ذات الوقت تنادي بوحدة اليسار مع التذكير أن الاتحاد قاد حكومةً و واصل المشاركة في أُخَرَى لأكثر من عقد بدون أي نفحة أو نَفَسٍ يسارين.
و السؤال هو هل يريد الاتحاد العودة للمشاركة في السلطة أَمْ لا؟
إذا كان الجواب بالإيجاب فعليه أن يسعى لها سعيها في حقل سياسي مُبَلْقَنٍ ليس لليسار فيه ذلك النصيب المعتبر من التمثيلية و من التأثير في نتائج الانتخابات؟ أمّا إذا كان الجواب بالسَّلْب فتلك مسألة أخرى أشَدُّ أيلاماً بحيث يلزم عقد مؤتمر استثنائي جديد يعيد النظر في خلاصات مؤتمر 1975.
إن تمّت الإجابة عن هذه الأسئلة المعلّقة في جوٍّ من الموضوعية مع استشراف الآفاق سيكون الاتحاد قد وضّحَ و جَدّدَ بدون مُرَكّبات ماهِيَّتَه و طَرَديّاً يقطع الطريق مِن على يساره على المزايدين من أصحاب الحنين للماضي التليد الّذي وَلّى و مِنْ على يمينه يقطع كذلك الطريق على المُتَزَلِّفة الذين لا زاد لهم إِلَّا الادعاء بالتعلُّقِ بأهداب العرش العتيد.