بقدر تقديرنا لكل الجمعيات المهنية، بل وكل السادة القضاة بمختلف ميولاتهم الجمعوية وتوجهاتهم الفكرية بدون استثناء.
وبقدر ترحيبنا للعمل سوية لترسيخ قواعد السلطة القضائية وإعطاء صورة مشرفة على الوعي المشترك بحساسية المرحلة الانتقالية وتحديات المرحلة، لأن أي نجاح جمعوي أو قضائي لن يكتب في سجل فئة دون أخرى.
بمداد من ذهب أسجل مواقفا لكثير من السادة القضاة الداعية لتوحيد الصف في مواجهة كل التحديات الراهنة والتي يعتبر فيها وحدة القضاة تجاوز منطق الضرورة ليصبح حاجة ملحة لتوحيد الرؤى ونسج قواعد محددة بعيدا عن منطق الغالب والمغلوب.
وحي ما تخطه يداي، وللأمانة الفكرية، استوحيتها من خطاب السيد وزير العدل والحريات بمناسبة الاجتماع الذي جمعنا بجميع الجمعيات المهنية القضائية بداية الأسبوع الجاري.
هذه المناداة الوزارية بالقول "حلمي أن أجد كل القضاة بجمعية مهنية واحدة لأن هدفهم واحد وهمومهم واحدة"، بمناسبة تذكير رئيس الرابطة لوزير العدل والحريات بأول اجتماع عقده مع الجمعتين المهنتين الوحيدتين آنذاك منذ خمس سنوات عندما قال بأن أملي كان أن أستقبلكم جميعا متحدين، وهي لحظة اشرأبت لها أعناق الحاضرين وهي تتبع تدخل رئيس الرابطة الذي فسر ذلك بحتمية توافق إرادة القضاة لأن همومهم واحدة وواجباتهم وحقوقهم كذلك في هذا الظرف المفصلي الذي تنشأ فيه السلطة القضائية. وهي إيماءة حكيمة ومستشرفة لمستقبل الجمعيات المهنية، مما ترك انطباعا آخر على ذلك المجمع، سرعان ما تمثل في تبادل أطراف الحديث على هامش اللقاء بين مكونات كل الجمعيات، وهي أمور توحي بأن هناك أمورا سوف توحد القضاة، ربما يبزغ نورها في المستقبل القريب .
زيادة على تذكير رئيس الرابطة بأن القضاة لا يتزلفون ولا يحسنون ذلك ولا يباعون ولا يشترون، وإنما الدعم يبقى في حدوده الرمزية، فقط لأنهم غالبا لا يحسنون إدارة الأموال لأن فكرهم ومكانتهم أكبر من أن تنزل إلى تصريف أمور مادية .
هذه التي جعلتني أقف وقفة تأمل بعدما تقدمت جميع الألوان الجمعوية لشكره على مجهوداته الجبارة رفقة كل المدراء المركزين والطاقم التقني المرافق، فتبادر في الذهن سؤال عريض وبحق: كيف أجمعت الجمعيات المهنية على الشكر، ولا تجمع على توحيد آليات العمل لتقديم منتوج جمعوي موحد؟ بل لما لا يتم تجميع جميع البرامج التكوينية المقدمة من الجمعيات المهنية القضائية الستة المشاركة قصد تعميمها على كل السادة القضاة؟
فهل حان الوقت لإعادة النظر في المنظومة الجمعوية القضائية وتصحيح المسار، أم أن الأمر يحتاج لوقت كبير للرقي بوعينا هو انتقاد ذاتي من منطلق غيور لا أقل، لأن "السلطة القضائية تحتاج منا التضحية بالبداية قبل أن نطالبها بتوفير نوع من العناية". فهدفها الأول والأخير تقديم عدالة راقية، فمن باب القياس لا غير. فإذا كان القضاء في خدمة المواطن، فلا ضير في أن يكون العمل الجمعوي هو الآخر في جانب منه يتجه لجعله في خدمة المواطن لا غير من خلال التحسيس والتوعية واعتماد مقاربة انفتاحية أكبر مما كانت.
وليس ببعيد عن نفس الموضوع، تجدر الإشارة للمكسب الدستوري الهام المتعلق بالحرية في التعبير وإنشاء جمعيات مهنية والإشارة لكون أن تموضعه الدستوري لم يأت من باب الترف أو خلق متنفسا للقاضي، بل جاء لإعطاء أدوار جديدة لنساء ورجال السلطة القضائية، بغية تمتيعهم بهامش إبداعي في مجال الحرية والتعبير بما يتماشى مع الواجبات المهنية من تحفظ والتزام تام بمبدأ الحياد متى تطلب الأمر ذلك.. ومنه فالجمعيات المهنية أوجدت لخدمة القضاة لا أن يتحول القضاة في خدمة الجمعيات. فالعلاقة التلازمية بين كل واحد منهما هي علاقة تكامل لا علاقة مصالح أو غير ذلك بعيد عن التشبه بطريقة عمل الأحزاب التي لا يمكن بأي حال من الأحوال القياس في بابها على الطبيعة العامة للجمعيات.
قد يكون التفكير في هذا الأمر ضربا من ضروب الخيال إن تصورناه من الناحية الواقعية في المرحلة الراهنة بحسب البعض، لكنه يبقى حلما وأمنية راقية تستحق كل التنويه.. وأملنا أن تتحقق يوما.. وعندها بطيب الامتنان سنسميها وحي الوزير..