من طبيعة المفاهيم الترحال من حقل معرفي لآخر, ومن بيئة ثقافية وحضارية لأخرى , حيث تتلون بخصائصها , حيث تغتني وتتعدد معانيها ، أو تسطح,، وتشوه ، وتوظف بشكل مقلوب وكاريكاتوري .. من بين هذه المفاهيم , مفهوم الكتلة التاريخية كما بلوره ونحته المناضل والمفكر " أنطونيو غرامشي".
وكما عمل مفكرون مقتدرون كالراحل محمد عابد الجابري " تبيئته" بأفق قومي ونهضوي رغم اختزاله له في مجرد تحالفات سياسية توافقية بين مختلف مرجعيات القوى السياسية الفاعلة ذات " المشروعية المجتمعية" من ليبراليين ويساريين وقوميين وإسلاميين ..
اليوم، وهنا، حيث نجح حزب العدالة والتنمية في ربح رهان ولاية حكومية ثانية, احتل ذاك المفهوم حيزا كبيرا في مقالات وأعمدة وتصريحات عدد من الفاعلين السياسيين الحزبيين على الخصوص,، وتم اعتماده كحيثية للمشاركة في الحكومة المنتظر تشكيلها ..
أ ريد في هذه العجالة ، التأكيد على أنه لا علاقة - في سياق المعطيات الموضوعية والذاتية القائمة - لأية تشكيلة حكومية ولو ضمت الإسلاميين والليبراليين والاشتراكيين بـ " الكتلة التاريخية" ، فهذه الأخيرة ليست ائتلافا حكوميا مبنيا على حسابات عددية لتشكيل أغلبية برلمانية, ولا على حسابات "إنقاذ بعض الأحزاب من الفناء " بعد تراجعها الانتخابي الدراماتيكي .. إنها أعمق من ذلك :
فهي تطال مكونا "لامفكرا" فيه من طرف هذه الأحزاب وهو المكون الثقافي - الإيديولوجي.. فالكتلة التاريخية ترتبط في جوهرها بالعلاقات الثقافية وبإستراتيجية " الهيمنة الإيديولوجية", وتعتمد كفاعل مركزي " المثقف العضوي" والحزب " كمثقف جماعي" لا " كحانوت انتخابي"..
الحكومة المنتظرة ، كيفما كانت مرجعيات مكوناتها ، لن تخرج عن كونها جمع حسابي لأغلبية عددية ، ومجموعة وزراء من هنا وهناك ..لا تعني بالنسبة لجلهم " المرجعية " و " الثقافة" والإيديولوجيا " شيئا .. المهم هو المشاركة.. و الحقيبة !!