الثلاثاء 23 إبريل 2024
مجتمع

فدوى رجواني: "لجنة الحقيقة والعدالة" تستدل بالبرهان على أنها إسم على غير مسمى

فدوى رجواني: "لجنة الحقيقة والعدالة" تستدل بالبرهان على أنها إسم على غير مسمى فدوى رجواني، وأحد لقاءات لجنة الحقيقة والعدالة

وانكشف الغطاء سريعا عن نوايا تلك الهيئة الغريبة التي أطلق عليها أصحابها "لجنة الحقيقة والعدالة"، وظهر بالدليل والبرهان أن هؤلاء لا يبحثون لا عن الحقيقة ولا عن العدالة، اللهم إذا كانت هذه الحقيقة وهذه العدالة، في عرفهم، هو تقديم كل الدعم والمناصرة لمتهم بالاتجار في البشر والاستغلال الجنسي والاغتصاب دون إقامة أي اعتبار للأدلة العلمية التي تقول النيابة العامة إنها تؤكد تورط الرجل فيما هو متهم به، وهذه الأدلة للتذكير عبارة عن 50 شريطا (تتراوح مددها بين بضعة دقائق و حوالي الساعة) عرضت أمام العشرات من المحامين والمتهم نفسه وعدد من المشتكيات، فضلا عن عدد من رجال الأمن الذين كانوا يحرسون القاعة 8 حيث تنعقد الجلسات المغلقة وفقا للقانون.

ولعل أصحاب هذه اللجنة بلغهم أن جميع الحاضرين في جلسات عرض تلك الفيديوهات القذرة خرجوا بقناعة واحدة هي أن المتهم غير بريء بتاتا من المنسوب، بمن فيهم محاموه (هذا ما يقولونه في جلساتهم الخاصة حسب مصادر متطابقة وموثوقة)، وهو ما أوحى به النقيب المحترم بوعشرين، حين صرح أنه يآزر المتهم وما دام هذا الأخير مصر على الإنكار فهو لا يملك إلا مسايرته إلى أن قرر الانسحاب من الدفاع عن شخص تحاصره أدلة الإدانة من كل مكان وليس آخرها إخفاء الشهود وتوريطهم في جريمة عدم الإستجابة لاستدعاء المحكمة.

وكرست هذه اللجنة دورها البعيد كليا عن الحقيقة والعدالة كما هو متعارف عليهما في كل الشرائع السماوية والأرضية وما بينهما، خلال النشاط الذي نظمته في نهاية الأسبوع المنصرم بالرباط، إذ حضر فيه كلام عن المتهم مرة أخرى يكرر الأسطوانة ذاتها عن المؤامرة التي "طبخت ضده" وعن تلك الجهات التي تضمر له الشر. وحضر شقيق المتهم، كما حضر كل "شيعته" الآخرين، وتحول اللقاء إلى جوقة للدفاع عن متهم بالاغتصاب والاستعباد، بل إن معظم التدخلات طالبت بتخصيص معاملة خاصة لتوفيق بوعشرين، فقط لأنه صحافي.. طالبت تلك التدخلات، دون خجل وبناء على تأويل غريب للقوانين، بالتخلي عن مبدأ المساواة أمام القضاء. وجعلت من المتهم شخصا في مرتبة أعلى من المغاربة الآخرين، والحال أن التهم التي تلاحقه تجعله في مرتبة أدنى بكثير منهم.

إن أبسط قواعد البحث عن الحقيقة وإحقاق العدل تقول بضرورة الاستماع إلى كل أطراف القضية التي يراد تبيان حقيقتها. وبما أن هذه اللجنة لا تسعى إلى إظهار الحقيقة وتكريس العدل فإنها ألغت بكل بساطة كل تلك المشتكيات..ألغت حكاياتهن التي أبكت الحاضرين في الجلسات، بالخصوص حكاية تلك السيدة الحامل التي لم يرحم المتهم جنينها.. ألغت تلك الفيديوهات وما تتضمنه من ممارسات شاذة ومشينة.. وألغت أسر المشتكيات وآلامها.

كل هؤلاء المغربيات وأسرهن ليسوا كائنات بشرية لها الحق في الوجود بالنسبة إلى "شيعة" المتهم، كل هؤلاء المغربيات يستحقن ما جرى لهن على تلك الكنبة القذرة في نظر "أنصار" توفيق بوعشرين، ويستحقن ما يجري لهن من تشهير ووصم فقط لأنهن كسرن جدار الصمت وقلن بعلو الصوت: كفى من الاغتصاب والاستغلال الجنسي للمستخدمات في أماكن العمل !

إن ما تبحث عنه هذه اللجنة ليس الحقيقة بل عكسها، فلو كانت فعلا تسعى إلى إجلاء الحقيقة ووضع حد لما تسميه "الروايات المتناقضة"، لبادرت مثلا إلى الاتصال بالمتهم بشكل عبر محاميه وتطلب منه الإذن بأن توكل له المحامي أو المحامين الذين تثق فيهم (بعضهم حضروا لقاء نهاية الأسبوع) ليطلع على الملف وحتى الأشرطة ثم يعود إليهم ويحكي لهم بكل أمانة ما وقف عليه، ويفصح لهم عن قناعته إذاك. أما الحديث في الفنادق فلا يوصل إلى الحقيقة ولا إلى العدل، بل هدفه فقط إثارة النقع وتشكيل الضباب حول هذه الحقيقة.

طبعا ليست لأصحاب هذه اللجنة هذه الجرأة لأنهم لا يريدون كشف الحقيقة كما هي عارية، صادمة، بل هم يريدون ان يهيلوا عليها ما تيسر لهم الكلام الخادع، وما تيسر لهم من شوشرة إعلامية.

ولكن كل هذا سرعان ما يتلاشى كخيط من دخان واهن، كما تلاشت كل الفرقعات السابقة لأنها كلها بكل بساطة مجرد باطل زهوق، أما الحق القائم على البراهين والأدلة العلمية فسيظل محصحصا. وللفرنسيين عبارة جميلة تجمل كل شيء: les faits sont tetus. الوقائع في ملف بوعشرين "عنيدة" فعلا ولا يمكن سوى الخضوع لمنطقها القوي.