الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رضوان زهرو: لقاء مع الرئيس

رضوان زهرو: لقاء مع الرئيس

أحيانا تكون لدينا أحكام مسبقة عن أشخاص، فلا نكلف أنفسنا عناء البحث حولهم، أو البحث عنهم، لملاقاتهم، من أجل التعرف عليهم مباشرة ومن دون وسطاء. لكن بمجرد ما نلتقي بهم ونجالسهم ونتحدث إليهم حتى نكتشف عكس ما كنا نعتقد فيهم، كما لم نكن نعرفهم من قبل.
والتقينا، وبعد التحية والسلام، أخبرني السيد الرئيس بأننا كنا سنلتقي، ذات مساء، وقبل بضع سنين، بأحد المراكز التجارية الكبرى بمدينة الرباط. كان الهدف من اللقاء آنذاك هو الإعداد لإنشاء مركز علمي للأبحاث والدراسات، لكنني اعتذرت عن الحضور في آخر لحظة، ولا أذكر الآن سبب تخلفي عن ذلك الموعد الهام. وشاء القدر أن أجالس السيد الرئيس بعد كل هذه السنوات، وهو اليوم رئيس لحزب سياسي؛ نلتقي في سياق مختلف تماما، عما كان عليه الوضع بالأمس: أشياء كثيرة تغيرت وتبدلت..
مباشرة، رافقني السيد الرئيس حيث كنت أجلس قبل مجيئه، ولما استقر مكانه، نادى على النادل وطلب شايا أخضر من دون سكر، كعادته كما يبدو، حيث قال لي بأنه يتردد على نفس المكان منذ سنتين على الأقل، لكن النادل قدم له الشاي بسكر، فطلب منه السيد الرئيس بكل أدب استبدال شاي مكان شاي؛ فما كان من النادل إلا أن شرع يكلم نفسه، ثم يرفع من صوته بعد ذلك، وكأن أمر تغيير الطلبية لم يرقه. إلا أن السيد الرئيس أعاد طلبه مرة أخرى بكل رفق ولين؛ لم ينهره أو يقسو عليه، كما يفعل بعضنا في مثل هذه الحالات؛ وقال لي "السي زهرو" إن مثل هؤلاء البسطاء والضعفاء يحتاجون منا الشيء الكثير، لقد أهملتهم الحكومة المنتهية ولايتها وتركتهم لمصيرهم؛ لغلاء المعيشة وضنك الحياة، ووجهت جل برامجها وسياساتها إلى تأمين التوازن الماكرو اقتصادي، وسنجعل إن شاء الله من تغيير أوضاعهم وتحسين معاشهم صلب اهتماماتنا وأولوياتنا، حينما نكون في مركز القرار.
لا أخفيكم أنني وقبل لقائي بالرجل، كنت أحمل معي أحكاما جاهزة؛ استقيت بعضها من الإعلام، وتلقيت الكثير منها من خصومه، لكنني خلافا لذلك، وجدت أمامي رجلا متواضعا ولبقا، ومع ذلك، كدت أكذب نفسي وأصدق الآخر، خاصة عندما يكون هذا الآخر ممن يرتدي لباس الطهر والنقاء والتدين والالتزام ، ويدعي الورع والتقى والصلاح.
تطرقنا خلال لقاءنا إلى عدة قضايا وإشكالات، تهم الفكر والسياسة والاقتصاد، استحضرنا هيجل وكانت وروزا لوكسنبورغ، ومفكرين آخرين. تناولنا ما سمي ظلما بـ "الربيع العربي"، كما تحدثنا عن الإسلام السياسي والحركات الإسلامية، ومعاناة هذه الأخيرة من غياب الزعامات والكريزمات و"رجال الدولة" الذين بإمكانهم تدبير الشأن العام من دون كوارث، وأن ما يعيشه العالم اليوم من أزمات وتوثرات، إنما هو أساسا بسببهم وبسبب تصرفاتهم الخرقاء وبعدهم عن الواقع وإصرارهم على التشبث بالماضي وانزوائهم وصعوبة اندماجهم في المجتمع، وكذا رفضهم للقيم الإنسانية والكونية.
تحدثنا عن إدريس البصري وسنوات الرصاص وعن جماعة العدل والإحسان ومرشدها عبد السلام ياسين وخرافاته والهالة التي كانت تحيط به والأساطير التي كانت تنسج حوله، والخطر الذي ظل مريدوه يزعمون أنه سيحذق بالوطن عند أي مس بشيخهم أو التضييق عليه أو حتى عند وفاته.
بعد ذلك، حدثني السيد الرئيس عن مساره النضالي وعن السياق الذي جاء فيه إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وبعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وكيف طرحت آنذاك إشكالية الاستقلالية عن الجهات الرسمية. لكن، تم الاتفاق أخيرا وبعد نقاشات عسيرة، على خيار المنزلة بين المنزلتين؛ بمعنى بين الاستقلالية المطلقة عن الدولة والتبعية التامة لها ولأجهزتها ومؤسساتها. وقد بدا مسرورا غاية السرور وهو يعد المنجزات التي تم تحقيقها؛ بدء بإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة إلى عقد جلسات الاستماع العمومية، فمنح التعويضات من أجل جبر الضرر...
تحدثنا عن الحريات الفردية وعن الأمازيغية وعن ضرورة فصل الدين عن السياسة، حفاظا عن الأمن الروحي للمغاربة الذين يتشبثون جميعهم بالبيعة الشرعية لأمير المؤمنين. كما تحدثنا عن الملكية والدور الكبير الذي يقوم به جلالة الملك منذ اعتلائه عرش المغرب والإصلاحات التي يباشرها والأوراش الكبرى التي ينجزها.
وعن اتهام بعض الأحزاب كونها ملكية، تسائلنا: وهل هناك في المغرب اليوم حزب ضد الملكية أو ضد الملك؟ فكل الأحزاب تعلن ولاءها للملك وللملكية، فلا يحق إذن لأي كان أن ينعت حزبا ما بالملكي، إلا إذا كان هو وحزبه ضد الملك والملكية؛ فهناك من استقبله الملك مرة أو مرتين طيلة خمس سنوات، لكنه صار مزهوا بذلك، فرحا مسرورا، ولم يرتح له بال أو يغفل له جفن حتى أفشى كل ما دار بينه وبين الملك من حديث ومناقشة، عكس رجال الدولة الكبار، كعبد الرحمان اليوسفي - مثلا - الذي قد يكون التقى الثلاث ملوك؛ محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس، على الأقل ومن دون مبالغة مئات المرات، لكن من دون أن يفصح، طلية سنوات طوال، وإلى غاية اليوم، عما دار بينه وبينهم؛ فعبد الرحمان اليوسفي من السياسيين الكبار الذين دخلوا التاريخ وستبقى أسماؤهم تتردد على الألسنة وبصماتهم راسخة في قلوب الناس وعقولهم.
افترقنا، بعدما أعطاني رقم هاتفه الخاص، وكلنا أمل أن نلتقي مرات أخرى، خاصة عندما يكون السيد الرئيس بالدار البيضاء؛ هذه المدينة المظلومة أشد الظلم، على الأقل انتخابيا؛ يمثلها ويتكلم باسمها ويدبر شؤونها من لا تربطهم أي علاقة بها؛ فعمدتها مثلا ليس منها ولا ينتمي إليها، فهو من مواليد الراشيدية، كبر وترعرع فيها، وأكمل جل دراسته في الرباط، ويستعد اليوم، وفي غفلة من رجالاتها الحقيقيين، ليمثل من جديد سكانها في مجلس النواب، خاصة سكان الحي المحمدي عين السبع الأشاوس، بعدما تأكد وضع هذا الرجل ومرة أخرى على رأس اللائحة في الاقتراع المقبل في دائرة "الحي المحمدي عين السبع"- وأنا على يقين بأنه لا يعرف هذا الحي جيدا، لا يعرف تاريخه وأمجاده ونضالاته وفنانيه ومفكريه، لا يعرف دروبه وحاراته، ولا لغة أهله و طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم وكذلك معاناتهم ومطالبهم الحقيقية- أما أم العجائب وأكبر المفاجآت، فوصيفته في اللائحة؛ والتي أتحداها بالمناسبة، إن كانت تعرف بالضبط أين يوجد الحي المحمدي أو إن كانت تعرف لوحدها كيف تصل إليه أو إن كانت في حياتها قد وطأت قدماها في يوم من الأيام ترابه الطاهر؛ فهي من مواليد قلعة السراغنة، ودرست في مراكش، وتتنقل باستمرار بين المغرب وإيطاليا، وتدعي بأنها تمثل الجالية، وتقطن حاليا بسلا، بل هي عضو منتخب في مجلسها الجماعي. أما في دائرة "الحي الحسني عين الشق" وما أدراك ما الحي الحسني، فيستعد الحزب ليضع، على رأس اللائحة، تزنيتية قحة، مولدا وموطنا وملبسا ولغة وثقافة وملامح (وإن كانت تقطن حاليا بمدينة تمارة اضطرارا ( بعدما ترشحت في الانتخابات الجماعية الأخيرة وفازت فيها، وتمثل حاليا سكان تزنيت، وهي أكثر من ذلك عضو في المكتب المسير ل"جهة سوس ماسه"عن نفس المدينة؛ فكيف إذن ستمثل هذه المرأة، ومن مدينة تمارة، حيث يوجد مسكنها الحالي، وفي نفس الوقت، سكان تزنيت في مجلس الجهة وسكان الحي الحسني عين الشق في مجلس النواب، إلا إذا كان سيتم ذلك بواسطة"التيليكوموند".
أوليس هذا هو العبث بعينه؟ وكيف ستقنعون الناس بالذهاب غدا إلى صناديق الاقتراع؟