الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد العزيز المنتاج: أحاديث المقاطعة

عبد العزيز المنتاج: أحاديث المقاطعة عبد العزيز المنتاج

لا حديث هذه الأيام، في وسائل التواصل الاجتماعي إلا عن المقاطعة. مقاطعة بعض المواد. هذه المقاطعة التي انقسم بشأنها رواد مراقع التواصل إلى فرق وشيع، لكل منها موقفها مما يحدث.. فئة ترى أنه يجب أن نقاطع هذه المواد لوضع حد للزيادات الكبيرة في أثمنتها، وأن هذه المواد هي بداية لمقاطعة مواد أخرى، يأتي عليها الدور لاحقا.. وفئة أخرى ترى أن سلاح المقاطعة هو فعلا سلاح حضاري، تتخذه الجماهير رفعا للجشع الذي تواجهها به الشركات، لكن قبل المقاطعة لابد من معرفة الجهة أطلقتها؟ وما برنامج هذه المقاطعة وما غاياتها؟ وقد اشترطوا معرفة هذه التساؤلات قبل المشاركة فيها..؟ وهناك فئة ثالثة ترفض المشاركة في هذه الحملة، وتعتبرها حملة سياسية، وهي فئة تنقسم إلى قسمين: قسم يرى أنه يجب أن يدافع عن حزبه الذي تستهدفه الحملة. وقسم آخر لا ولاء له لهذا الحزب، ولكنه يجزم أنه لن يشارك في حملة سياسية، تمليها تصفية حسابات بين غريمين سياسيين، كرد فعل عن البلوكاج وعن نتائج الانتخابات الجزئية التي عرفتها البلاد، وكنوع من الحرب المعلنة بين الحزبين المذكورين منذ إعلان حزب الأحرار عن طموحه في رئاسة الحكومة في 2021.. هؤلاء يعتبرون أن الحملة من إطلاق كتائب البيجيدي، وأن عددا كبيرا من أبناء الشعب وقعوا ضحية لها، خاصة أن أهدافها تدغدغ مشاعر اجتماعية ثورية، لدرجة أن البعض لا يجد حرجا من القول: وإن أطلقتها الكتائب، فما العيب من استغلالها مادامت لها أهداف نبيلة؟

المعارضون لا يعارضون الحملة في حد ذاتها، ولكنهم، كما يقولون، يرفضون أن يكونوا وقودا لحرب بالوكالة، وقودا لحرب يديرها حزب هو من حرر الأسعار، وهو من يفترض فيه حماية المواطنين من جشع الشركات، علما أنه يرأس الحكومة ويقود أغلبية برلمانية.. ومن كثرة اللهب على الحبال صار  من أدبياته خلطه بين المعارضة والحكومة (يكوي ويبخ في الان نفسه).

المعارضون أو قل المشككون، ولإثبات قوة رأيهم يتساءلون بشك :

- لماذا لا نقاطع كل الشركات؟ هل يستحيل عدم شرب الحليب والماء المعلب لأسبوع واحد؟

- لماذا لا نقاطع كل شركة محروقات مدة أسبوع وننتقل للأخرى؟

- لماذا نقاطع شركة واحدة لثالث مرة على التوالي؟

- لماذا نقاطع شركتين وطنيتين لشخصين من نفس الحزب، ونبقي على شركات أجنبية؟

- ما نصيب سكان المغرب العميق وفقراؤه الحقيقيون من مقاطعتنا هاته، وهم الذين لا يعرفون لا محطات غازوال ولا ماء معلب ولا شركات حليب؟

- متى أصبح الشعب الفقير في البوادي والقرى يشرب ماء سيدي علي؟

- لماذا لا نقاطع غذاء الفقراء الذي يجوع أبناءهم؟

- لماذا لا نقاطع البطاطا التي بلغ ثمنها 250 درهما للصندوق والموز الذي بلغ 12 درهما للكيلو والسردين الذي يصل 30 درهما للكيلو؟

- ماذا عن الكهرباء الذي تلهب فواتيره جيوب الفقراء؟

- أليست هذه المواد هي التي تستحق المقاطعة، لأنها تمس الشعب البئيس في القرى والبوادي، أم أنه أصبح بين عشية وضحاها يشرب ماء القنينات؟

الآن، وبعد انتهاء المدة التي حددها المقاطعون بيوم أو يومين، متى سيعلنون عن لائحة الشركات الأخرى، التي سيأتي عليها دور المقاطعة؟ وهل فعلا سيتم مقاطعة شركات أخرى أم اللعبة لا تروق إلا مع شركات بعينها، ذنبها أن لها لونا أزرق يصيب البعض بفوبيا لون السماء.. أليس الإبقاء هذه الشركات فقط دليل على صدق تساؤلاتنا وتأكيد على أن الأمر مجرد تصفية حسابات ضيقة مع حزب الأحرار، وإلا لماذا يمددون لمقاطعة شركات الخصوم بعد أن كانوا قد حددوا المدة في خمسة أيام والتي انتهت يوم الأربعاء..؟

الغريب أنه بعيدا عن كل هذه الحرب الافتراضية، يعيش المواطن المقهور، في القرى والبوادي والهوامش، رتابته اليومية وشقاؤه الذي لا ينتهي... خلف قطيع ماشية يعلق عليه الأماني، أو مع معول وفأس يأخذا من قلبه ومفرقه عمرا لا يعود، أو خلف عربة مجرورة فيها بضع حبات من خضر أو فاكهة أو بيض.. لا يعرف من المقاطعات إلا تلك التي تخيفه عند الاقتراب منها، والتي لا يجد راحته إلا عند الابتعاد عنها... وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على صدق مقولة خبراء الإعلام التي تقول بوجود علاقة بين طبيعة الوسيلة الإعلامية التي نستعملها وطريقة تفكيرنا والمنتوجات التي نستهلكها، لأنه لو كان للفقراء في مغرب الهامش هواتف ذكية وأيبادات وطابليتات لعرفوا إفريقيا وسنترال وسيدي علي، قبل أن يشاركوا في مقاطعتها ولو افتراضيا...