الجمعة 29 مارس 2024
تكنولوجيا

عبد الجليل بادو: الأنترنيت مجال للحرية البعيدة عن قبضة السلطة..!!

عبد الجليل بادو: الأنترنيت مجال للحرية البعيدة عن قبضة السلطة..!! عبد الجليل بادو

في هذا الحوار، يحلل عبد الجليل بادو، أكاديمي متخصص في فلسفة الصورة، أشكال التعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي، ونتائج سوء استغلال شبكة الأنترنيت من طرف الشباب. كما يسلط الأضواء على طرق تفكير ناشطي الأنترنيت، ومجمل العوامل التي تحدو بهم إلى تجاوز كل الأعراف في منشوراتهم وآرائهم. ليخلص إلى أن "الحدث الأنترنيتي" رغم ما ينتجه من فضائح، وما يثيره من أحداث وتداعيات، لا يؤثر على القرار السياسي.

+ من يلج موقع يوتوب، أو مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الأنترنيت، يلاحظ تناميا مفرطا في نشر وتداول فضائح وانتهاكات تمس مختلف المجالات بالمغرب. ما هي، في رأيك، العوامل المغذية لما يمكن تسميته "تسونامي النشر في الويب"..؟!

- هناك عوامل ذاتية وأخرى موضوعية. بالنسبة للأولى، الشبان الذين ينشطون عبر وسائط الويب الاجتماعي، يكون دافعهم، في الغالب الأعم، التعبير عن طموح شخصي لإثبات ذواتهم المقهورة، والسعي إلى تحقيق أهداف التغيير، حتى وإن تم ذلك عبر تفجير فضائح وإحداث رجة في المجتمع..!! أما بالنسبة للعامل الموضوعي، فيمكن التأكيد أن رفض إحداث تغيير ملموس في الأوضاع الاجتماعية المختلة، والعمل على تكريس مزيد من الإكراهات الصعبة، يؤدي إلى ردود فعل طبيعية تكتسي عند ناشطي الأنترنيت بعدا دراماتيكيا، يستهدف الحدة في لفت الانتباه.

+ ما هي القراءات الممكنة، سوسيولوجيا وسياسيا وثقافيا، لظاهرة إقبال الفئات الشابة على التعاطي مع هذه الفضائح، والتفاعل اللافت معها..؟!

- الرغبة في تكسير جدار الصمت حول الطابوهات المسيجة بالخطوط الحمراء، ومحاولة تحقيق ما هو مثير دراماتيكي وإن كان ينتهك القيم الأخلاقية والسياسية السائدة، ذلك ما يفسر، ظاهريا، حجم التعاطي مع القضايا الأكثر إثارة، التي تجد لها حيزا على الشبكة العنكبوتية (الفايسبوك على سبيل المثال). عندما يعجز الشبان عن معانقة طموح التغيير في الواقع، يجنحون صوب الأنترنيت باعتباره مجالا حرا وفي منأى عن قبضة السلطة، ورقابة المجتمع، لتعرية حقيقة ما يحدث، حتى عبر الاختلاق والتلفيق والتزييف..!! ويعتبر هذا الجنوح، هروبا من الواقع، أو بمثابة (تعويض) بالمفهوم السيكولوجي.

+ ثمة ظاهرة تتنامى في هذا السياق أيضا، وهي لجوء رواد شبكة الأنترنيت إلى رفع سقف الانتقاد العنيف الموجه إلى جل القضايا. كيف ترى ذلك؟

- هذه الظاهرة تعكس تناميا لا كوابح له في الوعي المتعلق بانتقاد كل شيء. ورفض كل شيء. والنظر إلى الأمور بمنظار أسود لا يرى سوى ما هو كالح..!! في هذا الصدد، نلمس بجلاء أن الانتقاد العنيف لكل شيء يبدأ بالمعلومات المرتبطة بالأشخاص. ويمر بالصور الساخنة أو المفبركة المختلقة. وينتهي بالفيديوهات الفاضحة..!! لكن يبقى الغالب عليها هو الفهم السطحي للأمور، والنظرة التجزيئية والتبسيطية للأحداث وتداعياتها.

+ هل الإقدام على استغلال شبكة الأنترنيت لتفجير المسكوت عنه أمنيا وسياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، يؤشر على تحول في عقلية المواطن المغربي، الذي انتقل من ممارسة الاحتجاج عبر اللافتات في الشارع العام، إلى ممارسته بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي..؟!

- ظاهريا قد يبدو الأمر كذلك. لكن إذا تعمقنا في قراءة ورصد ما ينشر على اليوتوب أو الفايسبوك، وغيرهما من المواقع والمدونات ذات المضامين المثيرة والحادة، نكتشف أن الأمر يتعلق بمبادرات خاصة واستثنائية، لا يمكن أن نعطيها مثل هذا الحجم. صحيح أن ثمة وقائع أوصلت المسكوت عنه إلى العموم، وأحدثت بالتالي رجة كبيرة في المجتمع، وداخل الدوائر المسؤولة. إلا أن ذلك ظل محصورا في دائرة ضيقة. وأنتج ردود أفعال انفعالية ولحظية وسطحية. بينما كان متوقعا أن تفرز هذه الوقائع والفضائح ردود أفعال أكثر نضجا واتزانا كما يبدو لي.

+ هل يمكن المراهنة على نزاهة ومصداقية ما ينشر على المواقع والمدونات، خاصة وأن عددا من الذين (يصنعون الحدث) في هذه الفضاءات يتم اتهامهم بالاختلاق والكذب وتزييف الصور والأخبار والوقائع، وهم في الغالب، كما يقال عنهم، يبحثون عن (الإثارة المجانية)..؟!

- لا يمكن مقاربة ذلك بواسطة التعميم. ثمة ناشطون يتعاطون مع مستجدات الواقع، سياسيا واجتماعيا، انطلاقا من فهم تبسيطي، لا يكون الهدف منه سوى توظيف وسائط الويب الاجتماعي للنيل من القيم المعيقة للتقدم. وآخرون يتوفرون على نضج فكري، خاصة المدونين، ويستهدفون مواجهة الاختلالات المستشرية، رغم أن وسيلتهم إلى ذلك تعتمد على التصادم، وكشف أكثر الإشكالات إثارة للرأي العام، والجهات المسؤولة.

+ أين المصداقية في هذا السيل من المنشورات التي تكتسح المواقع والمدونات حسب تقييمك؟

- ليس كل ما ينشر على الشبكة العنكبوتية يكتسي طابع المصداقية .باعتبار أن التكنولوجيا الحديثة توفر إمكانات واسعة لتكييف التصورات والصور والخطاب وفق الأهداف المتوخاة.

+ على ضوء الظرفية الراهنة للمغرب، هل يمكن أن تشكل مواقع التواصل الاجتماعي المجال الأول والأوسع لطرح الهم السياسي، وتفجير المكنونات.. بديلا عن الوسائط الإعلامية التقليدية المعروفة..؟

- ينبغي التأكيد على أمرين: أولا: إن لجوء ناشطي الأنترنيت، وهم في غالبيتهم من الشباب، إلى هذا الوسيط المعلوماتي غير المحاصر برقابة ما، ناتج عن تطلعات تغاير ما هو سائد في المجتمع، وغير بارز على أعمدة الصحافة الورقية. ثانيا: إن مواقع الأنترنيت تفسح مجالا كبيرا لتوسيع آفاق الحوار واللقاء بحرية كاملة، لا يحد منها سوى ضمير الناشط، ومبلغ وعيه السياسي، ودرجة قدرته على وضع الاختلالات المجتمعية في دائرة الانتقاد والمساءلة.

+ في رأيك، هل يمكن أن تمثل هذه المواقع بديلا للصحافة في مختلف تمظهراتها، مع الوضع في الاعتبار التزايد الكبير في الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي..؟!

- الأهمية التي تكتسيها وسائل الإعلام (مكتوبة، مرئية، مسموعة) لا يمكن تعويضها، كما لا يمكن مقارنتها بما يوجد على شبكة الأنترنيت. وهذه حقيقة مؤكدة. إن عنصري المسؤولية والمصداقية اللذين يتمتع بهما الإعلام الملتزم بأخلاقيات المهنة، يخولان له القيام بأدوار التغيير التي تعجز عنها المبادرات الفردية على مستوى الأنترنيت، مهما اتسعت دائرتها، وقوي تأثيرها.