الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عز الدين خمريش: دلالات التصعيد المغربي حول نزاع الصحراء

عز الدين خمريش: دلالات التصعيد المغربي حول نزاع الصحراء عز الدين خمريش

قبل توضيح الغاية التي نرجوها من كتابتنا لهذا المقال، حول التطورات الجارية لقضية الصحراء أمام الاستفزازات المتكررة لمليشيات البوليساريو في المنطقة العازلة في ظل الصمت المريب للمنتظم الدولي على هذه التجاوزات التي لم يعد يطيقها المغرب، علينا أن ندرك أنه لتحقيق الوحدة والنصر لابد من كسب معركة الصراع المغربي الجزائري حول هذه القضية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يتحقق النصر في هذه المعركة؟

كان نابليون يقول "لا شيء يضمن المعركة أكثر من خطة جيدة".. وعليه إذا كان النظام الجزائري، منذ سبعينيات القرن الماضي، يواصل تجنيد إمكانياته قصد إجهاض خيارات المملكة بهدف التخلص من إشكالية الحدود، ثم الوصول إلى المحيط الأطلسي، الأمر الذي لن يسمح المغرب بتحقيقه مهما كلفه ذلك من ثمن.. فإنه كان منتظرا أن تحرك الجزائر بيدقها المطيع البوليساريو في هذا الوقت بالذات للقيام بتحركات على أكثر من صعيد، وذلك بهدف التأثير على المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أثناء تقديمه للتقرير المفصل حول الصحراء لمجلس الأمن الدولي خلال هذا الشهر.. وهو التقرير الذي سيشكل مرجعية توجيهية لقرار مجلس الأمن، والذي يتحدد فيه القوى الدائمة العضوية موقفها من هذا النزاع، وكيفية التوصل إلى حل سياسي أمام تناقض موقف المغرب، صاحب الشرعية والمشروعية على أراضيه، وموقف كائن خلق عن طريق عملية قيصرية مشبوهة ينفذ المخططات العدائية للجزائر بالوكالة ضد وحدة المملكة.. وما اختيار البوليساريو سياق وزمن استفزاز المغرب إلا دليل قاطع على أجندة مخططات الجزائر لتصدير أزماتها الداخلية خارج حدودها، خاصة السياسية منها في ظل نظام معوق مشلول يعاني من جميع العاهات المزمنة لشغل الرأي العام الجزائري بأسطوانة يئس ومل من سماعها أكثر من 45 سنة، لدرجة أصبح معها ينتفض ويطالب باسترجاع ثرواته المنهوبة في قضية خاسرة لا يؤمن بها، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن سياق تحرك البوليساريو بالمنطقة العازلة في هذا التوقيت بالذات؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، وبالرغم من أننا لا نملك أحيانا ما يكفي من الضمانات للحكم على الأشياء، فإن إيماننا بقذارة وخبث المضمون السياسي للمخطط التوسعي للجزائر في المناطق العازلة، يدفعنا للجزم أنه بقدر ما كانت المؤسسة الملكية تدرك تخبط الدبلوماسية الجزائرية في التشويش على المغرب وتقويض تجربته الديمقراطية الحداثية على المستوى التنموي الحقوقي والسياسي، بقدر ما كان يدرك أكثر أن مزاعمها قد تلاشت وسقطت مع الزمن، لأنه باستقلال أغلب دول الجنوب التي كانت مستعمرة، بقي تقرير المصير الذي تتشدق به الجزائر يستعمل فقط من قبل الدول التي لم تستكمل بعد وحدتها الترابية، وذلك طبقا للحقائق التاريخية والقانونية. وعليه فإن تزامن تحرك البوليساريو نحو المناطق العازلة جاء للأسباب التالية:

- قوة الحصار الدبلوماسي والسياسي الذي أقامت المغرب على البوليساريو إفريقيا وأوروبيا ودوليا رغم قوة الفخاخ البنيوية للجزائر ومناوراتها؛

- الاختناق السياسي للنظام الجزائري الذي يطمع في الأوكسجين المغربي لإنقاذ نفسه، خاصة مع بداية ظهور ديباجة شهادة وفاته بالأحرف الأولى في ظل الموت السريري لرئيس الدولة؛

- إيهام الرأي العام الجزائري بالحرب مع المغرب لإعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة لولاية جديدة، رغم تسونامي الشلل الذي أقعده عن أداء مهامه.

وتأسيسا عليه، وانطلاقا مما سبق، فقد عودت البوليساريو، منذ سنوات الرأي العام المغربي والإقليمي والدولي، على ممارسة بعض الاستفزازات بالمنطقة العازلة كلما اقترب شهر أبريل، تاريخ إصدار مجلس الأمن قراره حول النزاع، لاعتقادها الخاطئ أنها ستؤثر على تقرير المجلس عبر ترديد شعارات فارغة، منها حمل السلاح وخوض حرب تحرير إضافة إلى اتخاذ بعض القرارات الطائشة، كدخولها المنطقة العازلة بهدف استفزاز الجيش المغربي، الذي إذا عطس في الصحراء ستجد البوليساريو نفسها في الهواء.

ومن هذا المنطلق، فإن الأمم المتحدة وبعثتها الموجودة بالمنطقة تتحمل كامل المسؤولية فيما يقع من تجاوزات لردع البوليساريو وإجبارها بالالتزام بمبادئ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991، ولأن تكف عن التحرش بالمغرب الذي لم يعد يحتمل استفزازات عصابات البوليساريو تحت غطاء لوجيستيكي ومادي جزائري، ضدا على مبادئ وقواعد القانون الدولي الذي ظل المغرب يحترم مقتضياتها من أجل صنع الأمن والسلام والاستقرار بالمنطقة.. لكن إذا عجز المجتمع الدولي عن حماية المنطقة العازلة، التي هي أراضي مغربية، فإن المغرب سيلجأ مجبرا لأسوأ الخيارات بما فيها الخيار العسكري لحماية أراضيه أمام العدوان الذي فرض عليه، وذلك في احترام تام لمبادئ القانون الدولي والدفاع عن حوزة ترابه في دائرة حدودها الحقة استجابة للإجماع الوطني المعبر عنه اليوم من قلب عاصمة الصحراء بمدينة العيون، الذي عزز مواقف المؤسسة الملكية ووفر للمملكة إمكانيات شرعية لمحاربة الخصوم ولتوجيه رسالة للعالم، مفادها أن المغرب لا يمكنه التفريط  في حبة رمل من صحرائه، وأن مصلحة سكان الصحراء تحت السيادة المغربية، وليس العكس.

وتجدر الإشارة بخصوص الإجماع الوطني حول الصحراء، فقد أكد مصطفى بوه، القيادي السابق في صفوف البوليزاريو، في لقاء صحافي، قائلا: ولعل أهم المعضلات الحقيقية التي وقعت فيها الجزائر هي أنها لم تستطع أن تحدث شرخا في جسم الوحدة المغربية حول مغربية الصحراء، فلا يوجد أي تنظيم سياسي واحد يتعاطف مع أطروحات البوليزاريو.