الأربعاء 8 مايو 2024
مجتمع

عبد النبوي: نحن أمام مدارس عدة في رجل واحد هو العلمي مشيشي

عبد النبوي: نحن أمام مدارس عدة في رجل واحد هو العلمي مشيشي من اليمين الأساتذة: عبد النباوي، العلمي المشيشي، فارس، اوجار

جمع الأستاذ محمد عبد النبوي الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، بين اللغة القانونية واللغة الأدبية، وهو يتحدث عن الأستاذ محمد العلمي مشيشي، وزير العدل الأسبق، خلال لقاء تكريمي له يوم الجمعة 02 مارس 2018.. ومما جاء في شهادته:

"تعتريني دهشة تلميذ بصدد المثول بين يدي ممتحنيه.. ولِدهشتي أسباب.. أدناها وقوفي أمام هرم علمي شامخ ..

هذا الرجل الذي كتب "القانون المبني للمجهول"، هو علم شاهق العلو تطال هامته العلمية عنان السماء، وتجوب سمعته آفاق الدنيا محمولة على السحب.. سحب حبلى بالمؤلفات.. يهطل منها غيث العلم مدراراً، يسقي عقول الطلاب ويروي عطش الباحثين ...

عذراً ..

فنحن لسنا أمام رجل.. مجرد رجل؛

نحن أمام مدارس في رجل؛

مدرسة القانون.. ومدرسة الأدب.. ومدرسة اللغة.. بل مدارس اللغات.. ومدرسة الفقه.. ومدرسة الفلسفة..

هل نقرأ لكبير النحاة وشيخ البلاغيين... أم إنها مجرد لمسات شاعر رقيق الإحساس؟!

لا أيها السيدات والسادة، إنه يكتب عن قواعد القانون.. وأي قانون، قانون الإعلام... أو ما سماه هو نفسه بمهنة الكلام. وفي رأيه "يصبح الكلام خاضعاً للقانون.. لكن الصمت يبدو ممتنعا لما ينطوي عليه من مجهول، حيث يمكن أن يدل على فراغ أو على فوضى عارمة يؤدي كَتْبُها بصاحبه إلى حتفه، وفي أحسن الأحوال إلى تضخيم المجهول من خلال الانفرادية واللامبالاة وصور الروابط الإنسانية والاجتماعية في نهاية المطاف، ويُفْرِزُ تحليلَ عناصر الحبل الرابط مُكَوِّنةً ثانية تتجلى هذه المرة فيما بعد الكلام المباح"...

هل نقول إنه مجرد فقيه متبحر في علوم القانون ويجيد صيغ البلاغة ويحوزُ ملَكات اللغة؟!

لا شك أن وراء كل ذلك فيلسوف حالم أيضاً. هذا الفيلسوف الحالم.. عرفته عن قرب سنة 1993.. كان قد عين منذ أشهر وزيرا للعدل خلفاً لرجل عظيم ندعو له بالرحمة والمغفرة هو السيد مصطفى بلعربي العلوي ..

نزل السيد محمد الإدريسي العلمي المشيشي بزنقة المامونية، واعتمر مكتب الوزير بالطابق الثالث من العمارة التي كانت قد اكتمل بناؤها في ذلك الإبان.. ولم يستهوه المكتب الجديد.. لذلك قرر أن يغادره ليطلع على واقع المحاكم ..

كنت آنذاك وكيلا للملك بمدينة ابن سليمان.. وكان لي مع زملائي المسؤولين القضائيين لقاءً أسبوعياً، زوال كل خميس، مع السيد الوزير وطاقمه بمقر محكمة الاستئناف بالدار البيضاء لمناقشة القضايا التي تشكل نقط ضعف في نظام العدالة كالتبليغ والتنفيذ ..

لم أكن آنذاك متعوداً على مجالسة الوزراء... وكانت هيبة منصب الوزير تَعْقِد الألسن وتُلَجِّمُ الأفواه.. ولكن وزيرنا كان رجلاً بسيطاً يشجع على النقاش والحوار.. نتحلق حوله وهو يحلل ويناقش ويروي القصص والحكايات والنكث والمضحكات، ويستعين بحركات يديه ورأسه، والابتسامة لا تغادر محياه إلاَّ لماماً..

أذكر كذلك أن خلال تسييره لوزارة العدل، كان الشريف المشيشي لا يتردد في فتح الملفات الشائكة.. لم يكن يريد أن يكون مجرد وزير يستطيب ليونة الكرسي الفخم وينعم بلقب "صاحب المعالي والسعادة" وهلم جراً من ألفاظ التعظيم والتقدير التي من شأنها أن تنبت على جوانب صاحبها ريش الطاووس وما يمثله من خيلاء... وبهذه الروح اقتحم موضوعاً شائكا حين وقَّع مع وزير الدولة في الداخلية السيد إدريس البصري المنشور المشترك رقم 1025 الموجه للمسؤولين القضائيين والولاة والعمال بشأن تدبير طلبات استعمال القوة العمومية، والذي كان بمثابة "تشريع" حدد مفهوم تهديد الأمن والنظام العام، الذي كان السادة الولاة والعمال يستندون إليه لإبداء آراء سلبية بشأن تسخير القوة العمومية وتم إخراج الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمنفَّذ عليهم من دائرته التي أصبحت تقتصر على الاضطرابات الجماعية التي تهدد المجتمع أو تشكل خطراً على الأمن العام..

الأستاذ المشيشي... ما أبدعك !!

حين استمع إليك... أتعلم..

حين أقرأ لك... أتبحر في العلم ..

حين أجالسك... أستفيد ...

حين أرى بسمتك... امتلئ أملاً.

حين أرى نظرتك الحالمة... يسرح فكري بحثاً عن أفكار لعلها تحل إشكالات تكون محل نقاشاتنا.. فيحملوننا إلى برِّ الأمان.

بارك الله لنا فيك.. وحفظك رمزاً لعلماء القانون العظام الذين يضعون أقدامهم على الأرض وتشرئب أنظارهم إلى الأفق البعيد لاستشراف المستقبل".