الأربعاء 17 إبريل 2024
فن وثقافة

أنس العاقل : روايتي "هكذا تحدثت الشجرة" تـُصوِّرُ مواجهة الفرد الأعزل لذاته وللجماعة

أنس العاقل : روايتي "هكذا تحدثت الشجرة" تـُصوِّرُ مواجهة الفرد الأعزل لذاته وللجماعة أنس العاقل و غلاف روايته
(نامي يا روحي فلنا أكثر من حياة وإذا ما استيقظت ولم تجديني تكونين حينها في حياتي الأخرى، حيث تنامين على ظهر غيمة بيضاء في مرافئ روحي. أما أنا فسأنام مليء جفوني كرضيع تلفه غمامة بيضاء. أحلم بالعصافير طليقة في سماء روحي.) - هكذا استهل المؤلف والدراماتورج والفنان الممثل المغربي أنس العاقل، ظهر غلاف أول رواية له، واختار لها اسم (هكذا تحدثت الشجرة) وقد صدرت هذه الرواية في مصر ومن المنتظر أن يحتضن المعرض الدولي بالبيضاء حفل توقيعها، وذلك يوم السبت 17 فبراير الجاري.
"أنفاس بريس" أجرت الحوار التالي مع (أنس العاقل)، أوضح فيه أن السرد في روايته يتجاور مع الشعر، وأنها (الرواية) تتضمن بين صفحاتها الحوار الدرامي جنبا إلى جنب مع الصور البصرية، مضيفا أنها تصوِّرُ مواجهة الفرد لذاته وللجماعة، كما تحدث مُحاورنا عن منع توزيع الرواية بغلافها الأول في بعض الدول العربية، بسبب لوحة تشكيلية اعتبرتها الرقابة خادشة للحياء..
+ ماهو الجنس الأدبي الذي ينتمي له المصنف الأدبي "هكذا تحدثت الشجرة"؟.
++ ينتمي مؤلف "هكذا تحدثت الشجرة" للجنس الروائي (الرواية)، لكنها تستضيف فوق مائدتها مختلف أصناف الفنون الأدبية، الدرامية، والبصرية. حيث يتجاور السرد مع الشعر ويمتزج من خلال الاستعارات البلاغية والمقاطع الشعرية، كما يحضر بداخلها الحوار الدرامي جنبا إلى جنب مع الصور البصرية. إنها رواية تصور مواجهة الفرد الأعزل لذاته وللجماعة، وتحاول الاقتراب من عمق النفس البشرية بخستها ونبلها، بضعفها الإنساني الجميل وغطرستها وانتشائها بالذات. إننا نحاول من خلالها أن نجعل القارئ يسافر في ذاته ليراها عارية وهو يقف أمام مرآة ذاته، وربما يخرج شخصا آخر بعد قراءتها. شخصيا، أحب الروايات المعرفية، وحاولت أن أكتب رواية معرفية تجعل المعرفة تتسلل داخل إطار سردي تحضر فيه التسلية، لأن القارئ المعاصر أصبح ينفر من المعرفة حينما تقدم له بشكلها الكلاسيكي الجاف، فيجدها مجرد موعظة مملة.
+ هل يمكن القول أن جنس هذه الرواية هو من اختارك بالرجوع إلى تجربتك في الحياة كأستاذ للغة العربية وأستاذ للتعليم الفني وممثل بتكوين أكاديمي خبر الركح (الخشبة) وعوالم الحكايات المسرحية وأعاد صياغة جسده وروحه في شخصيات تقمصتها في العديد من المسرحيات المنتمية للاتجاه التجريبي، الذي يتوسل الطرح الفلسفي العميق ويقتبس كتابه ومخرجوه مسرحياتهم من حكايات وروايات ذات بعد كوني وإنساني؟
++ تماما، لم أفكر يوما أن أصبح روائيا. كنت شغوفا بقراء الروايات من مختلف الأساليب، قرأت كثيرا من المكتبة الكلاسيكية العربية كما قرأت أيضا مختلف الروايات العالمية، لكنني وجدت نفسي أكتب رواية بمحض صدفة. فلقد اضطررت للكتابة الروائية كنوع من الاستشفاء الذاتي ومقاومة العزلة أثناء منفاي بالهامش المغربي المنسي في الجنوب، حينما كنت أدرس هناك اللغة العربية. كانت الكتابة تسليتي الوحيدة كلما فرغت من العمل. كنت أحيانا أكتب من الثامنة مساء حتى الرابعة صباحا وأنام فقط مدة ثلاث ساعات ثم أتوجه للعمل. وكان الأمر يمنحني طاقة وحيوية لا يمنحها لك حتى مخدر الكوكايين. في أول الأمر، كنت أكتب مقاطع متفرقة ولم أكن أهتدي بخارطة طريق، بل كنت أكتشف فقط وتدفعني الكتابة لارتياد مناطق مجهولة داخل الذات الإنسانية. وشيئا فشيئا بدأت تتوضح معالمها. كما يحدث عندما نريد رسم لوحة. كنت أجرب مهتديا بالحدس فقط، ولم تكن لي رغبة نشرها أبدا، بل كان الأمر مجرد لعبة مسلية ألعبها كل مساء لأنني أريد أن أحتفظ بالطفل حيا بداخلي. وحدت أن كتبت نفسها بنفسها ووجدت بنفسها طريقها للنشر.
+ صدرت الرواية في مصر، لكن منعت الرقابة توزيعها في بعض الدولة العربية بسب غلافها الذي تضمن رسما تظهر من خلاله جذور وأغصان شجرة في جزء حساس من جسد المرأة، وتم تغيير الغلاف بعد ذلك إلى صورة شجرة وحدها، هناك من سيقول بأن الغلاف السابق يخدش الحياء كرد فعل عادي في مجتمع محافظ، وهناك من سيرفع النقاش إلى مسألة شخصنة المرأة وحصرها في مسألة الولادة وهو تحصيل حاصل، لكن إصرارك على اعتبار مصادرة الغلاف السابق غباءا، يدفعنا لسؤالك عن الفرق بين "الغلاف الحرام" السابق، و "الغلاف الحلال" الحالي بعين الرقابة المعنية. وماهي الإضافة الفكرية أو الجمالية التي كان يحملها الغلاف الأول في نظرك؟
++الرواية لم تصادر أبدا في مصر، بل نفذت كل النسخ التي خرجت بغلافها الأول. المشكلة حدثت عندما أرادت السفر إلى بعض المعارض العربية، فقد اعتبر غلافها آنذاك خادشا للحياء، مع العلم أنه كان عملا فنيا، كما لو كنا نشاهد لوحة من الفن الانطباعي، تستحضر الجسد الأنثوي وتحتفي ببعده الرمزي الجميل كمصدر للحياة والخصوبة. بعدها، خرجت الرواية في طبعة جديدة وأصبحت محتشمة أكثر على مستوى الغلاف، وهذا الأمر أجده عاديا ومقبولا مادامت الرقابة لم تتدخل على مستوى المضمون ولم تصادرها بسبب ما تحمله من أفكار ومضامين. على العموم، نترك الحكم للقارئ كي يضع لها الغلاف الذي يناسبها حسب قناعاته ومستوى تمرسه الجمالي.
+ خلال صدور رواية خوسي ساراماغو البرتغالي (انقطاعات الموت)، اكتشف القارئ أن هذا الروائي الحاصل على جائزة نوبل سنة 1998 استثمر الهزل والسخرية للتطرق لظاهرة الموت الحتمية، حيث قاربت الرواية بشكل رمزي وهزلي أثر انقطاع الموت وخلود البشر فوق الأرض وما سيخلفه ذلك في نفسية السياسيين ورجال الدين.. فماذا تستثمر روايتك فنيا !؟
++ لا تستثمر شيئا بل تحاول أن تخلق معاني جديدة بخصوص المغزى من الوجود في هذه الحياة، ويحضر فيها سؤال الموت لكن بطريقة جديدة هذه المرة، إنها مستلهمة من الفلسفات الشرقية ومفهوم الحيوات المتعددة. على العموم، نترك الحكم للقارئ ولا نريد أن نفسد عليه لعبة التشويق الروائي. فحسب ما يصلني من أصداء القراء فهي رواية تقرأها أكثر من مرة لتخرج في كل مرة منها بأسئلة جديدة. أما الأجوبة، فليست مهمة الروائي.
+ في يوم 17 فبراير 2018 ستوقع روايتك (هكذا تحدثت الشجرة) بالمعرض الدولي للكتاب بالبيضاء، وبطبيعة الحال لكل كتاب ثمن ويبقى الكاتب الأقرب لتسويق كتابه من حيث الجودة ..
بحكم أنك رجل مسرح سنقوم بتبادل الأدوار: أنت أيضا قارئ لروايتك. ما هي مميزاتها التي ستدفع القراء لاقتنائها !؟ أو لنبتعد عن ثقافة السوق الجائرة، حدثنا عن المحفزات التي يمكن أن تجعل القارئ يطالع روايتك الأدبية (هكذا تحدثت الشجرة)..
++ بكل بساطة، رواية مسلية، تجعل المعرفة تتسلل إليك، وتستطيع قراءتها أكثر من مرة. يعني، كأنك ستقرأ أكثر من رواية بثمن رواية واحدة. هكذا أرى الفن عموما، وأرفض أن أكتب من أجل الاستهلاك، وحتى الفن الدرامي لم أمارسه أبدا من باب صناعة الاستهلاك. أحب تلك الأعمال متعددة الطبقات، ينال كل قارئ أو متلقي منها ما يناسبه على حسب مستواه المعرفي وتمرسه الجمالي. لكن، الرواية على العموم موجهة لعموم القراء كما أنها موجهة في نفس الوقت لأولئك المتمرسين الذين يعشقون الحيل السردية والقراءة بين السطور. إنها رواية عن المغرب والعالم العربي، وترصد التحولات المجتمعية من خلال المصائر الفردية لأبطالها. كي لا أطيل أكثر وكي لا أعتبر متضخم الذات سأترك الحكم للقارئ.
+ تحدتث في مناسبة سابقة عبر "الفايسبوك" عن مسألة عدم تقبلك في أول صدور روائي، لسؤال الناشر عن الكاتب وتاريخه ونجوميته قبل قبول طبع ونشر روايته - بطبيعة الحال مع ما يرافق ذلك من مغامرة على مستوى الاستثمار المالي -، سأبقى دائما معك في عوالم المسرح وسنقلب الأدوار مرة أخرى، لنعتبر أنك ناشر وتاجر كتب، هل كنت ستقبل نشر رواية صاحبها غير معروف وليس له قراء ومتابعون؟
لو كنت ناشرا كنت سأؤمن بمفهوم الصناعة الأدبية، وسأسعى لاكتشاف المواهب والأقلام المتميزة وتلك التي تملك حسا رفيعا، كما كنت سأشتغل على تسويقها بالشكل الأمثل. لا أحب الجاهز في كل شيء ولا أحب الكسل ورياضة ركوب الأمواج الأدبية. العمل الرفيع يصنع نفسه بنفسه ولذلك فهو لا يحتاج لاسم يقترن به. أتكلم عن التاريخ وأفضل أن يكون لي عشرة قراء الآن وعشرة آلاف قارئ بعد خمسين سنة، على أن يكون لي مائة ألف قارئ الآن وأنسى بعد ذلك.
+ بحكم أنك سجلت اسمك في لائحة الروائيين المغاربة بأول باكورة إبداع روائية .. كيف ترى مستقبل الرواية في المغرب؟
++أتفاءل بمستقبل الرواية في المغرب من خلال موجة الكتاب الشباب الذين أقرأ لهم من حين لآخر. هناك صورة نمطية عن المغرب باعتباره بلد النقد بينما يعتبر الشرق الأوسط نفسه بلد الأدب. حتما، الأعمال الروائية الخالدة ستبدأ في الزحف من المغرب، لأننا الغرب بالنسبة للشرق والشرق بالنسبة للغرب، وسنكتب أدبا يشبهنا. الأدب يصنع الهوية الجماعية ويجعلنا نرى صورتنا من خلال المرايا المحدبة تارة، وتارة من خلال المرايا المقعرة. ولذلك، حان الوقت كي نرى صورتنا من خلال عيوننا فقد سئمنا النظر إليها من خلال عيون الآخرين.