من خلال تغطيتي لأشغال شبيبة الأممية الاشتراكية، المنعقد بكوبنهاكن منذ سنتين خلت، ومتابعتي لمواقف الأحزاب اليسارية لمدة تجاوزت العشرين سنة، ومتابعتي كذلك لملف القضية الوطنية عبر الإعلام المكتوب المرئي ثم عبر التظاهرات الكبرى المنظمة، استطعت الإلمام بمواقف الأحزاب السياسية سواء اليسارية أو اليمينية وخرجت بالخلاصات التالية:
منها ما هو معادي للمغرب في وحدته الترابية ويفتقد للمعطيات التاريخية عن طبيعة الصراع، بل في بعض الأحيان لا يعير اهتماما بمسار القضية في الأمم المتحدة ولا بالقرارات التاريخية التي اعتمدها المغرب في تنظيم المسيرة الخضراء واسترجاع الأقاليم الجنوبية. ونموذج هذه الأحزاب حزب قائمة الوحدة الدنماركي الذي يعتبر قضية الصحراء مثل قضية فلسطين.. موقف الحزب ثابت لا يتغير، وهو موقف منحاز للانفصاليين، و يرفض حتى الاستماع للمنحدرين من الأقاليم الجنوبية، والذين لهم موقف مغاير ومتشبثين بالوحدة الترابية ومشروع الحكم الذاتي.
في مناظرة كانت في الجامعة الدنماركية، قلت لهم: النقاش الديمقراطي يفرض الإنصات لوجهات النظر المختلفة، فالبوليزاريو لا يشكل إلا فصيلا يساريا وسط قبائل وساكنة لها مواقف أخرى وتريد التشبث بالوحدة وبخيارات طرحها المغرب، وأقصد مشروع الحكم الذاتي.
حزب القائمة الموحدة تقدم منذ سنتين بمشروع للاعتراف بالجمهورية الصحراوية، وقد خاضت الفعاليات الجمعوية نضالا أحبطت بموجبه المشروع بالتنسيق مع أحزاب اليمين والمحافظين، والتي كانت آنذاك في المعارضة. وأذكر أني قبل أيام من هذه المعركة كنت أجريت حوارا مع زعيم الفنسترا، وهو رئيس الحكومة الحالي، حول مستقبل العلاقات الدنماركية المغربية، وكيف يرى طبيعة الصراع في المنطقة، فأكد موقف حزبه المبدئي من الصحراء المغربية من خلال مساندته للقرارات الأممية، ورفض حزبه دعم مشروع الانفصال.
المكلف بالعلاقات الخارجية لحزب الشعب الدنماركي اليميني مساند بدون شروط للمغرب في وحدته الترابية وأكثر من هذا يعتبر النظام الجزائري نظاما مستبدا. هذا الحزب حصل على المقعد الثاني في الانتخابات الأخيرة.
أحزاب اليسار الدنماركية ثلاثة، تختلف مواقفها من قضية الصحراء:
حزب القائمة الموحدة منحاز كليا للانفصاليين،
حزب الشعب الاشتراكي له مواقف متذبذبة وقد خرج زعيمه السابق بتصريحات اعتبرت منحازة وغير مقبولة عندما اعتبر المغرب بلدا محتلا.. هذا الحزب تلقى صفعة في الانتخابات الأخيرة بحيث لم يتجاوز سبعة مقاعد في البرلمان،
الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو الحزب الأول بسبع وأربعين مقعدا. قام في مؤتمره الأخير بتوجيه دعوة لخصوم الوحدة.. وسنة قبلها مثلت حزب الاتحاد الاشتراكي في مؤتمره السنوي بحضور مشاركة أخرى من داخل المغرب، وكانت فرصة لنا لتجاذب أطراف الحديث مع زعماء الحزب بما فيها رئيسة الحزب، ورئيس البرلمان. حضورنا في هذا المؤتمر كان فرصة لنا للتواصل مع أحزاب اليسار الأخرى في الدول الإسكندنافية.
ولعل الملاحظة التي أحملها عن هذا الحزب هو الفرق الكبير الموجود في موقف القيادة وشبيبة الحزب ، فهم منحازون كليا للانفصاليين، ويدعمونهم في كل مخططاتهم أسوة بشباب الحزب في الدول الإسكندنافية الأخرى.. وهذا راجع لتعنت رئيسة اليوزي، منظمة شبيبة الأممية الاشتراكية، وهي سويدية من أصل كردي.
كيف واجهنا كفعاليات هذه الوضعية:
فتحنا حوارا وتواصلا مع الأحزاب السياسية
وجهنا نداء لمغاربة الدنمارك من أجل الانخراط في الأحزاب السياسية، كل حسب قناعته، ونصحنا بالتواجد في أحزاب اليسار المناهضة لقضيتنا ومن داخلها يمكن فرض وجهة نظرنا.
الاقتراحات:
- تكثيف إقامة الندوات بلغات دول الإقامة واستغلال الفضاءات الجامعية لتمرير خطابنا،
- إشراك الأجيال المزدادة في الدنمارك لتدبير ملف القضية والعمل على تكوينهم من خلال ندوات تقام هناك وفي المغرب،
- دعوة الأحزاب السياسية لزيارة المغرب.
ومن هذا المنبر نوجه نداء للأحزاب السياسية المغربية لتوجيه دعوات للأحزاب السياسية الدنماركية لحضور مؤتمراتهم..
- خلق تنسيقات تشتغل على مستوى التواصل الإعلامي والسياسي،
- تبادل التجارب بين المنتديات الموجودة من خلال خلق شبكة للتواصل الاجتماعي،
- ضرورة متابعة التطورات الجارية ومواقف الدول الكبرى من قضية الصحراء،
- لا بد من التفكير في خلية للتواصل مع جميع التنسيقيات الموجودة بالخارج لمدها بكل المعطيات الجديدة فيما يخص التطورات المتعلقة بالقضية الوطنية.. أو خلق بوابة خاصة بالمعطيات المتعلقة بمسار القضية الوطنية على مستوى وزارة الخارجية.
- نعتقد أن المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء يجب أن يلعب دورا حاسما باعتبار أن غالبية أعضائه من المنحدرين من الأقاليم الجنوبية أو من العائدين من المخيمات.
- هناك كفاءات تنحدر من الأقاليم الجنوبية يجب أن تلعب دورا من خلال أرضية واقعية للمصالحة الوطنية وإقناع الطرف الآخر بضرورة طَي هذه الصفحة والمشاركة في عملية النماء وتحقيق المشاريع الكبرى التي أقرها الملك في زيارته الأخيرة بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء.
- آن الأوان لكي يستفيد المغرب من الكفاءات اليسارية من أجل لعب دور أساسي في إقناع العديد من الأحزاب اليسارية في شمال أوروبا الذين يدعمون خصوم الوحدة الترابية.. ولعل الأزمة التي مرت بها العلاقات السويدية المغربية أحسن مثال على الدور الفاعل الذي يمكن أن يلعبه اليساريون المغاربة لدعم القضية الوطنية وتذويب العديد من الخلافات..
- يجب على الدولة المغربية أن تمنح فرصة لبعض القيادات من اليسار لتقود العمل الدبلوماسي في العديد من الدول التي يتحكم فيها اليسار في الدول الإسكندنافية وأمريكا اللاتينية..
إن تدبير قضية الصحراء يتطلب إعادة النظر من خلال بلورة سياسة جديدة تعتمد على الاقتراحات التي طرحتها أو سيطرحها مشاركون ومشاركات في هذه الندوة.
أتمنى أن نستفيد من الأخطاء التي وقعنا فيها ومن الاستفادة من النجاحات التي تحققت بفضل كفاءات موجودة يكفي أن نعطيها الفرصة لتدبير الشأن الدبلوماسي..
- على الدولة المغربية أن تعتمد على الكفاءات الموجودة داخل الأحزاب السياسية والمنتخبة في الغرفتين من أجل دبلوماسية فاعلة تعتمد على إشراك الجمعيات بالخارج الملمة بواقع ولغات هذه الدول من أجل اعتماد سياسة تختلف عن السابق، ولا يجب أن نترك الساحة فارغة للخصوم.
- لابد من قراءة واقعية لمواقف الدول الكبرى من قضية الصحراء.. لأن الضرورة تفرض استراتيجية جديدة لتدبير القضية بعد مواقف الولايات المتحدة وأنجلترا وروسيا.
- لابد من قراءة واقعية لمواقف الولايات المتحدة لملف الصحراء.
- لابد من الاستفادة من الأخطاء المرتكبة في تدبير ملف الصحراء منذ البداية وإلى اليوم.
- ضرورة التفكير في مصالحة وطنية ثقافية سياسية..
- لدينا مشكل في التفاوض.. هل نستمر في التفاوض الغير المباشر الذي لم يعط نتيجة، أم ننهج سياسة جديدة بمعنى التفاوض المباشر عن طريق الكفاءات التي تنحدر من الأقاليم الجنوبية؟
- إعادة تقوية نسيج الدولة الوطنية لأنها مسألة أساسية، ستساعدنا على إعادة بناء الديمقراطية..
- ضرورة توسيع العرض الجيو-الإستراتيجي بالتوجه نحو روسيا والصين وأمريكا اللاتينية..
- التفكير في سياسية جديدة لإقناع الدول الإفريقية بعدالة القضية والعودة للعمل داخل المنظمات الإفريقية..
- رسم معالم خطة جديدة وتدقيق الرؤى وتحيين أدوات العمل في إطار سلطة العقل..
- المغرب مطالب بتعميق النقاش فيما يخص إصرار الخصوم على ما يسمى بتقرير المصير من خلال الاستفتاء الذي رفضوه أول مرة لما اقترحه المغرب في قمة مونروفيا سنة 1981
- هل المغرب قادر للعودة لمنظمة الوحدة الإفريقية لملء الكرسي الذي كان فارغا لسنوات وخلق لوبي قوي.. فإذا كان المغرب بفضل السياسة الملكية قد نجح في الاستثمار في العديد من الدول الإفريقية، فمن الممكن أن ينجح بفضل هذه السياسة بتغيير موقف العديد من الدول بفضل شراكة تنموية معهم..
(حيمري البشير: رئيس هيأة التحرير بإذاعة السلام، رئيس جمعية الدفاع عن مغاربة الدنمارك، الناطق الإعلامي للمجلس المغربي الإسكندنافي المكلف بتدبير قضية الصحراء في الدنمارك وله فروع في الدول الإسكندنافية الخمس الدنمارك، السويد، النرويج، فلندا، إسلندا)