الخميس 28 مارس 2024
اقتصاد

العثماني يقود الشعب إلى "محرقة" أسعار الخضر والدجاج في موسم الجفاف

العثماني يقود الشعب إلى "محرقة" أسعار الخضر والدجاج في موسم الجفاف
ونحن مازلنا على عتبة السنة الميلادية الجديدة، تجد الأسر المغربية نفسها أمام تحديات، الله وحده يعلم مآلها فيما بقي من أشهر 2018. ليس لتفرد طبيعتها قياسا مع سالف المواقف المألوفة من حيث شدة إحراجها، وإنما نتيجة تعلقها هذه المرة بالقفة اليومية وما تلزمه من مصاريف فاقت توقعات أكثر المواطنين تشاؤما. إذ وكما تنبؤنا به أسرع جولة لسوق ما من أسعار ملتهبة، يبقى الإشكال قائما لدى أصحاب الدخل المحدود خاصة، والأمَر عدم ظهور أي مؤشر بإمكانية معالجة الوضع، بل على النقيض من ذلك، ليس هناك سوى التلويح بالأسوأ الذي لا يبشر بخير. فمن جهة، طلعت أخبار تؤكد انخفاض مستوى السدود إلى الأدنى منذ 6 مواسم ليستقر عند حدود 32 في المائة، كتوطئة لكسر الحاجز النفسي أمام انتظار الأغلى، ومن جهة ثانية إشهار حكومة سعد الدين العثماني لإجراءات تمس وفي الصميم الجيوب المعتلة أساسا، منها على سبيل المثال إلغاء تعليق الرسم الجمركي على استيراد الزبدة حتى تضاف إلى ارتفاع أسعار المحروقات وواجبات التمبر ورخص السياقة. "أنفاس بريس"، وكما جرت العادة، تظل في قلب الملفات الاجتماعية الحساسة، وعلى وقع نموذجها هذا، اقتربت من آخر التطورات بالزيارت الميدانية، إلى جانب استقاء وجهات نظر المعنيين، كل وفق تخصصه.
فور القيام بزيارة إلى سوق الجملة لمدينة الدار البيضاء، والتعرف على أثمنة الخضر والفواكه. كانت الوجهة إلى السوق الشعبي لمنطقة سيدي عثمان، وبعده السوق النموذجي لأحياء "اسباتة" قبل التعريج على سوق "الكدية"، ومنه إلى سوق "العيون" قبل التوجه إلى سوق العطارين "اجميعة" ومعقل بائعي الزيوت والزيتون بدرب الكبير. وعلى الرغم من تنوع هذه الأماكن، كان قاسمها المشترك الإرتفاع المهول للمواد المعروضة بها. الأمر الذي يخيب معه ظن المستهلك عند وقوع نظره العفوي على قائمة الأثمنة، واكتشافه المبكر بأن معاناته لا تزال مستمرة مع الأسعار التي تلهب ميزانيته الضعيفة. هذه الصورة أخذها العديد من المتسوقين كإعلان عن تذمرهم العميق تجاه الظاهرة، مؤكدين، كما قالت أسماء، البالغة 36 سنة، أن الأثمنة لم تعد مقبولة إطلاقا، ووصلت إلى سقف لا يحتمل، مضيفة أن زوجها الذي يشتغل مياويا بالكاد "كيصور خمسين درهم حتى لـ80 درهم فالنهار، بالله عليك أش يمكن نديرو بيها مع الضو والما والكراء ومصروف بنت عندها 4 سنين". وعند سؤالها عن المبلغ الذي حملته معها تلك الصبيحة لاقتناء حاجياتها، ردت أم فدوى وهي تسلم الصغيرة قطعة جبن "عنداك تغرك أخويا هاد الفرماجة اللي كنعطي لبنتي، را غير شراتها ليها الوالدة اللي بكل صراحة هي اللي كتسوفينا مرة مرة، وهي اللي عطاتني هاد 50 درهم باش نتقدى".
كانت قيمة تلك الورقة النقدية كافية لتتبع خطوات سناء والوقوف على حنكة تدبيرها لها، ونحن لا ندري بأن هناك مفاجأتين في انتظارنا خلال هذه الجولة برفقتها. فقد توجهت المرأة مباشرة إلى صاحبة إحدى "الفراشات" التي تبيع ما تسميه "العرارم"، أي كميات من الخضر دون تحديد لوزنها، إذ اشترت "عرام" من الجزر، ومثيله من البصل، هذا قبل أن تقصد بائعا آخر وتشتري منه ما يطلق عليه "الميلانج". وميزته اختيار ما بين نوعين من الخضر وأربعة أنواع في كفة واحدة بثمن تفضيلي، حيث أخذت صاحبتنا حبتين من "الكَرعة" ونظيرتهما من الطماطم، مما كلفها ثمن كيلوغرام واحد حصره الخضار في 6 دراهم. أما المفاجأة الثانية، فكانت حين اشترت أربع خبزات من "المرجوع" بثمن درهمين، وهو للإشارة الخبز المطهو في اليوم السابق.
تركنا سناء بعد معرفة الخطوط العريضة للنهج الذي تتبعه في إحكام توازناتها الاقتصادية، والتقينا الحاجة فاطمة، البالغة 57 سنة، وهي تعكف على فرز ما يناسبها من خضر دون أن تكف عن التمتمة بكل ما يحز في خاطرها نحو الغلاء، واصفة إياه بالقاس والمرهق جدا لفقراء المستهلكين. تقول هذه الأستاذة السابقة: "حضرت إلى السوق كعادتي وأنا كمن يحمل جبلا على أكتافه، فقد صار هذا المجيء عبئا لا يوصف لما يخبؤه في كل زيارة من أخبار غير سارة، مما يجبر على الاستغناء عن الكثير من المتطلبات". وتساءلت الحاجة فاطمة بسخرية "كيف يمكن لهذا المواطن المسكين ألا يمرض ولا يولد أطفاله معتلين، وهو لا يتناول ما تحتاجه ذاته من فيتامينات وبروتينات"، ملاحِظة أن "الواحد ما بقاش كياكل داكشي اللي كيتشهى وفقد هاد الحاسة، أصبح خاصو غير يعمر كرشو بداكشي اللي لقا رخيص".