السبت 27 إبريل 2024
اقتصاد

الوجه البشع للترامواي!

الوجه البشع للترامواي! صورة مركبة للترامواي وعبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية ويوسف الضريس، مدير شركة الدارالبيضاء للنقل
كشفت الندوة التي نظمها يوسف اضريس، مدير شركة الدارالبيضاء للنقل يوم 12 دجنبر 2017، أن مجموع ركاب الترامواي بالبيضاء خلال السنوات الخمس الماضية (دجنبر 2012 /دجنبر 2017) بلغ 157 مليون راكب.
وبعملية حسابية بسيطة نجد أن مجموع ما استخلصته شركة «كازا ترام» من الركاب بلغ 1.099.000.000 درهم خلال خمسة أعوام. أي بمعدل 602191 درهم في اليوم.
هذه المداخيل تبقى محصورة فقط فيما يتم استخلاصه من منتوج بيع التذاكر، لكن إذا استحضرنا أن كل تذكرة تسدد الدولة مقابلها 4 دراهم كدعم، آنذاك سنعي أن 157 مليون راكب تطلب من الخزينة العامة تحويل 628.000.000 درهم للشركة، أي ما يمثل 125.600.000 درهم في كل عام.
وبالتالي إذا جمعنا المداخيل المتأتية من بيع التذاكر وتلك المتحصلة من دعم الخزينة العامة نجد أن موارد الطرام تصل إلى 345.400.000 درهم سنويا (دون احتساب عائدات الإشهار وبيع أسماء المحطات للأبناك NAMING). أي أن المدخول اليومي للشركة يصل إلى 946301 درهم.
المفارقة تبرز لما نستحضر مرفقا آخر يلعب أدوارا طلائعية، لكن لا يحظى بنفس التعامل التفضيلي، ونقصد بذلك حافلات النقل الحضري بالدار البيضاء التي يمكن نعتها بـ«الطفل اليتيم» للدولة، خاصة وأن السلطات المركزية والمحلية تتعامل مع الطوبيس تعاملا أجلف!!
فإذا كان الترامواي ينقل 157 مليون راكب خلال خمسة أعوام، فطوبيسات الدار البيضاء تنقل في سنة واحدة 141 مليون راكب، أي أن الطوبيس مكن من نقل 705 ملايين راكب بالبيضاء خلال نفس الفترة. بمعنى أن حصة الترامواي في النقل الحضري لا تتجاوز 22 في المائة. ومع ذلك ضخت الدولة الأموال الباهظة في الترامواي (حوالي 63 مليار سنتيم كدعم عن التذكرة) على حساب الطوبيس الذي لم يتوصل بأي درهم. (علما أن الترامواي تسيره شركة خاصة والطوبيس تسيره أيضا شركة خاصة).
 
هنا يطرح السؤال:
ما سر اهتمام السلطات بالترامواي على حساب الطوبيس؟ لماذا فشل الترامواي في حل مشاكل السير بالدار البيضاء؟ هل الخطوط المقبلة للترامواي ستكرس عذابات التنقل وتكرر اختلالات الخط الأول؟ أم على العكس ستكون فرصة لتجاوز الأعطاب الحضرية التي أفرزها استغلال الخط الأول؟
الجواب لا يعدمنا للجزم بأن السلطات لم تستفد من التجربة. فها هي ملامح الخط الثاني للترامواي تشير إلى أنه سيكون توأما للخط الأول، بدليل أن شركة الدار البيضاء للنقل أعدمت ملعبا رياضيا للرشاد البرنوصي لإقامة مرأب للترامواي. والحال أن كل المختصين في التعمير في العالم يتشبثون بمبدأ مقدس يتجلى في أنه لا يمكن إنجاز مرفق عمومي على حساب مرفق عمومي آخر، أي لم يكن مسموحا أصلا هدم ملعب الرشاد البرنوصي لإنجاز «لافيراي» خاص بالترامواي.
نفس الملاحظة تنطبق على حديقة الليمون بليساسفة التي سبق و«هرفت» عليها الشركة لبناء منشأة للترامواي تم وقع التخلي عنها عقب احتجاج شديد لسكان حي الليمون، وهو ما لم يتم للأسف تطبيقه بالبرنوصي لكون السلطات اصطفت إلى جانب الشركة.
«إن أكبر كذبة أطلقتها السلطات -والكلام لمختص في التهيئة الحضرية استأنست «الوطن الآن» برأيه- هي أن الترامواي سيحل أزمة التنقل بالدار البيضاء وسيؤدي إلى فورة عمرانية وبيئية واقتصادية بالمدينة فإذا بالواقع يفند هذه الأباطيل».
ويحيل محاورنا هنا إلى الحجج التي صاغتها السلطات من كون الخط الأول سيقود إلى تطور الأحياء الشعبية التي سيمر منها الترامواي (سيدي مومن، التشارك، حمارة، وغيرها...)، فإذا بهذه الأحياء تزداد بؤسا وعشوائية بدل أن تتحول إلى قطب جذب وإشراق، عكس الحال في مدن أوربية حيث يقود الترامواي إلى تجديد حضري وانتعاش اقتصادي في مختلف الأحياء التي يمر منها، خاصة الشعبية منها.
وهذا ما يقود إلى الكذبة الفظيعة الأخرى التي روجتها السلطات. إذ قيل للرأي العام إن إحداث الترامواي سيترتب عنه توحيد وتشبيك مختلف وسائل النقل العام بالعاصمة الاقتصادية، وبالتالي سيصبح المواطن يتنقل بتذكرة واحدة صالحة للاستعمال في الطوبيس والترامواي لحث الناس على التخلي على سياراتهم ودراجاتهم ويستقلوا الحافلات والترام. ورغم تجهيز الطوبيسات بآليات قراءة بطائق الترام، لم تقم السلطات بتنفيذ القرار وظل المواطن عرضة للحلب ويضطر لدفع ثمن التذكرة للترام وثمن آخر للطوبيس. والمثير أن المسؤولين يقدمون الدار البيضاء -دون خجل- بوصفها «مدينة ذكية» (SMART CTIY)، بينما هم أخفقوا في أبسط امتحان يخص ربط وسائل النقل المختلفة بتذكرة واحدة وبتعرفة موحدة.
ليس هذا فحسب، فالترامواي لم يكتف بالتهام الطرق واقتطاع سبعة إلى ثمانية أمتار من الشوارع الرئيسية، بل وقام بتمزيق شوارع أخرى دون أن يواكبها وخلق متاعب للجوار(سكانا ومحلات تجارية أصابها البوار)، ناهيك عن حجم ضياع ساعات العمل في الازدحام الذي تفاقم منذ عام 2013، حيث لو قمنا بعملية حسابية سنجد أن مستعملي الطريق بالدار البيضاء أضحوا يضيعون في الاختناق المروري ساعة إضافية في الصباح وساعة إضافية في المساء، أي ساعتين في اليوم تقريبا. وإذا افترضنا جدلا أن نصف مستعملي الطريق يتكبدون يوميا هذه الخسارة (625 ألف من أصل 1250000 سيارة بالدار البيضاء)، فمعنى ذلك أن حجم ضياع ساعات العمل يصل إلى 1.250.000 ساعة يوميا.
وإذا كانت أجرة الساعة في الحد الأدنى (SMIG) هي 13.64 درهم فإن أقل خسارة يتعرض لها اقتصاد الدار البيضاء هي ضياع 25.000.000 درهم يوميا . أي ما يمثل 9.125.000.000 درهم ضياع سنويا (احتسبنا أجر الساعة للأطر وما شابههم بـ 20 درهما فقط!).
وهنا يحق التساؤل: هل الدار البيضاء المعطوبة محتاجة لمن يمتص رحيقها ورصيدها المتآكل أصلا؟ أم تحتاج لمن يزيد جرعات الرفاهية في جسمها العليل، هل الترامواي يتم إحداثه في الدول المتمدنة لرفع الناتج الداخلي الخام أم على العكس يسلط على المدن لشفط ما في خزائن المقاولات والإدارات؟
لماذا طرحنا هذا السؤال؟
لأن ضياع 9.125.000.000 درهم بسبب الاختناق كل سنة من الدار البيضاء معناه إهدار إنجاز خط سككي جهوي جديد (RER) الذي لم ينجز بالبيضاء بسبب الحاجة إلى 11 مليار درهم. فكورنيش عين الذئاب كلفت تهيئته حوالي 100 مليون درهم، أي أن هذا الضياع حرم المغاربة من تهيئة 91 كورنيش بالمدن الساحلية لبلادنا كل سنة أو إنجاز مواقف السيارات تحت أرضية بالعديد من المدن أو جعل «ترانسبور فابور في الدار البيضاء".!