الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: الخرجة الإعلامية للسيد العبادي.. هل لخلافة مزعومة أم لفتنة مشؤومة ؟

عبد القادر زاوي: الخرجة الإعلامية للسيد العبادي.. هل لخلافة مزعومة أم لفتنة مشؤومة ؟

لم يكن حديث الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد العبادي عن ضرورة إقامة الخلافة الإسلامية مجرد زلة لسان سقطت سهوا، ولم يجر أي تحوير لكلامه حسب ما زعم البعض من مريديه، كما لم يتم أخذ تأكيده على الخلافة من خارج سياق حديثه الوارد فيما يسمى في أدبيات الجماعة بمجلس الحديث.

لقد كان المعني بالأمر يقصد كل كلمة تفوه بها، متمسكا بفحواها، ذلك لأن إقامة الخلافة الإسلامية في رأيه هي الوسيلة الوحيدة التي تقي المسلمين شر أوضاعهم المزرية، وتبني لهم سقفا وبيتا يأويهم . وحيث أن هذا هو جوهر الخلافة، فإن السعي إليها يصبح واجبا محتما ومسألة حياة أو موت، بل هو أم المقاصد، والفريضة الكبرى، التي يتوقف عليها تنفيذ باقي الفرائض.

أكثر من ذلك، فإدراكا من السيد محمد العبادي للتأثير الذي يحدثه الاستدلال بأقوال السلف الصالح في المسار العام، عزز طرحه بما سماه إجماع الصحابة والمذاهب السنية الأربعة على أهمية الخلافة، التي لا ينبغي كما نسب للخليفة عمر بن الخطاب التخلف عن إقامتها أكثر من ثلاثة أيام تحت طائلة ضرب أعناق المخالفين لذلك.

من الواضح إذن أن هذه الخرجة الإعلامية الجديدة للأمين العام لجماعة العدل والإحسان تندرج في سياق سعي الجماعة المحموم إلى ما يسميه مرشدها الروحي عبد السلام ياسين تصحيح تاريخ الأمة المسلمة، التي افتتنت بالملك العضود، وحادت عن جادة الصواب، التي تجسدها في رأيه الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ، كما تأتي أساسا للتذكير بفكرة "القومة" بعد مضي أزيد من عشر سنوات على التنبؤ بها دون حدوثها.

ورغم أن السيد العبادي تدارك الموقف تحت تأثير ردود فعل حادة بالإشارة إلى أنه اكتفى بنقل الرواية ولم يتبناها أو يعقب عليها، مستندا في ذلك على أن موقف جماعة العدل والإحسان الرافض للعنف معروف للجميع منذ أزيد من أربعين سنة، ولم يحدث فيه أي تغيير، فإن ذلك لا ينفي أن مجرد ذكر الرواية يعتبر في حد ذاته دليلا على القناعات التي تؤمن بها الجماعة، كما لا يعفي من طرح التساؤل عما إذا كانت التصريحات الأخيرة توطئة لإرهاصات أولية عن تغيير محتمل في مواقف الجماعة يطبخ على نار هادئة.

وبالتعمق في مجريات التطورات الداخلية بالمغرب، وارتباطها العضوي بما يجري في الإطار العربي والإسلامي الأشمل يغدو مشروعا النظر إلى ما تفوه به السيد العبادي بمثابة رسالة موجهة إلى العديد من الجهات الداخلية والدولية التي يعنيها الأمر. رسالة استوجبتها ما تراه جماعة العدل والإحسان من مستجدات متسارعة تحدث في المنطقة منذرة بآفاق مفتوحة على كافة الاحتمالات.

1/ على الصعيد الخارجي،  تبرز مجموعة معطيات اقليمية ودولية تحتم على مدافع شرس مثل السيد العبادي عن مفهوم الخلافة على منهاج النبوة الخروج لتوضيح مواقفه أملا في قطع الطريق على من ينافسونه في نفس الساحة، وسعيا إلى كسب تعاطف أمريكي وأوروبي مع أطروحاته، خاصة مع إدراكه عدم وجود استعجال دولي للقضاء على نموذج الخلافة الحي الآن في صيغة داعش، وأن التوجه الدولي الحالي هو نحو احتوائها، كما يتضح من قدرتها على الصمود أمام تحالفين دوليين لم يرغماها على التراجع سوى بنسبة ضئيلة، أولهما جوي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحضور لقوات عربية سنية وتركية يفترض فيها أنها علمانية، وثانيهما بحضور بري بقيادة روسيا الاتحادية وحضور مكثف لقوات شيعية إيرانية وميليشيات تابعة لها أبرزها حزب الله اللبناني .

*إن أول معطى في هذا السياق يتمثل في تماسك خلافة داعش رغم قوة الضربات الموجهة إليها مستندة على بيئة حاضنة لها في سوريا والعراق ما تزال ملتفة حول داعش لاقتناعها بأن البديل عنها هو حكم شيعي في بغداد وعلوي في دمشق موغل في طائفيته وحقده على كل ما هو سني، ومنبطح أمام الأطماع الإيرانية.

* ويتجسد المعطى الثاني في جرأة داعش على التمدد بالوصول إلى منطقة المغرب العربي عبر مجال ترابي تتحكم فيه بليبيا، وفرع متحرك تحت اسم جند الخلافة في الجزائر، وخلايا نشطة في الاستقطاب والتعبئة بكل من المغرب وتونس. ولذلك من البديهي أن ينبري السيد العبادي لتسفيه مشروع داعش، الذي يقتحم معاقله، ولتكفير التنظيم معتبرا إياه خارجا عن الدين، مثبتا أن مشروع جماعته  للخلافة هو الذي يمثل الإسلام الحق.

*أما ثالث المعطيات وأهمها، فهو الرغبة في استثمار  القناعة التي ما تزال لدى الإدارة الأمريكية والغرب عموما بأهمية التيارات الإسلامية المعتدلة النابذة للعنف لقيادة الدول العربية في الوقت الراهن. يغذي هذه الرغبة ما يلاحظ عند الأمريكيين من يأس من النموذج التركي الذي كانت واشنطن تأمل تعميمه، واكتشفت نواياه (حسب رأيها) لتنقلب عليه موجهة انتقادات لاذعة لعرابه الرئيس أردوغان، الذي لم يتردد الرئيس أوباما في وصفه بالفاشل والاستبدادي بعد أن كان يراه قائدا مسلما معتدلا يمكنه أن يكون جسرا بين الشرق والغرب.

وتعتقد جماعة العدل والإحسان أن صفة الفشل تسري أيضا على حليف أردوغان في المغرب قائد التحالف الحكومي حزب العدالة والتنمية، الذي بدا عجزه واضحا – حسب الجماعة - في محاربة الفساد وكبح جماح الاستبداد، متحدية رئيسه ورئيس الحكومة ومعه البرلمان أن يمتلكا الجرأة لمساءلة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عن مليارات  الأملاك الموقوفة.  

2/ على الصعيد الداخلي، وفي حمأة الاستعدادات الجارية من طرف كافة القوى السياسية الوطنية للانتخابات التشريعية المقبلة، سعت جماعة العدل والإحسان بالتذكير بضرورة وحتمية مفهوم الخلافة الإسلامية للمجتمعات المسلمة إلى تحقيق أكثر من غاية واحدة.

* قطع دابر أي محاولة مزايدة على مواقفها، ووأد أي تكهنات بإمكان مشاركتها في اللعبة السياسية والانتخابية بأي شكل كان، ولو عن طريق توجيه منتسبيها ومناصريها للتصويت لفائدة هذا الفصيل أو ذاك. وقد تأكد ذلك أكثر بالاستجواب الذي خص به السيد محمد العبادي جريدة المساء في عددها 2960، وذلك بإصراره على تبخيس اللعبة السياسية وما ينبثق عنها مؤسسات برلمانية وحكومية تشكل في رأيه مجرد واجهة لما سماه "حكومة الظل المعلومة" المتفردة وحدها بإدارة الملفات الاستراتيجية الاستثمارية الكبرى.

*استعادة زمام الريادة في نشر الخطاب الإسلامي الحق وفق منظور الجماعة التي تعتبر نفسها بالمفهوم الديني من الفرقة الناجية ، سيما بعد أن تبين لها أن كافة القوى السياسية بالبلاد أصبحت تعتمد خطابات وشعارات دينية تدغدغ العواطف من أجل الترويج لبرامجها وسياساتها، بما في ذلك تلك القوى المحسوبة على التيارات اليسارية والاشتراكية، التي كانت تنادي ببناء مجتمع الحداثة والديمقراطية، ونسيت  ذلك في خضم المزيدات السياسية وتسارع المستجدات، مباركة عدة خطوات شكلت تراجعا عن بعض المكتسبات.

*محاولة التقليل من الوهج الذي ارتدته مؤسسة إمارة المؤمنين في السنين الأخيرة عبر تمدد إشعاعها الروحي، وتوسع دائرة الاستئناس بإصلاحاتها للحقل الديني إلى دول عديدة. وقد وصلت المحاولة إلى الحديث عن بؤس النموذج، الذي رأى السيد العبادي أنه غير قادر على بلورة الفهم الصحيح للتدين  من حيث "نشر الفضيلة ومعاني الصدق والعدالة الاجتماعية والأمانة... والعدل في الحكم والقضاء وتقسيم الأرزاق عبر تكافئ الفرص.."

لقد كان لردود الفعل التي استفزتها هذه الخرجة الإعلامية أبلغ الأثر في سعي جماعة العدل والإحسان إلى تبريرها على أساس أن أمينها العام كان يتحدث عن الخلافة في الفترة التي كانت قائمة فيها (عصر الخلفاء الراشدين)، وتناست أن تلك الفترة نفسها شهدت صراعات سياسية حادة توجتها مجموعة من الاغتيالات لدوافع مرتبطة بالسلطة وليس بفهم صحيح الدين ذهب ضحيتها ثلاثة من الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.

وإذا كانت الجماعة قد اعتبرت فيما بعد أن مفهوم الخلافة الذي تتصوره يقوم على وحدة اتحادية مستقبلية في الأمة قائمة على الاختيار الحر للشعوب فلماذا يقرن ذكرها بالكفر وقطع الرقاب ؟ أليس هذا نوع من الحض الخفي على الإرهاب ؟

سأل باحث عربي مسؤولا أمريكيا إلى متى ستظل هذه النيران الملتهبة في المنطقة العربية تحصد الأخضر واليابس فرد عليه بأن احمدوا الله على أن حربكم الأهلية قد مرت فالقادم أعظم وأسوأ. لذلك فالخشية أن تكون إثارة الحديث عن خلافة مزعومة مجرد تحريض على فتنة مشؤومة.