ربما قد يكون غني عن البيان كون ليست هناك دولة على مستوى منطقة الشرق الأوسط ذات تاريخ صداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية أطول من ذاك الذي لها مع المغرب. فصحيح أن لواشنطن العديد من صلات التقارب سواء مع إسرائيل أو الأردن أو السعودية، لكن لا تصل مدتها حد الـ150 سنة التي لها مع الرباط.
وعلى مدى فترة الحرب الباردة، ظل المغرب في تجاه المعسكر الغربي، ومن غير مغازلة لنظيره السوفياتي كما هو حال مصر، أو الالتحاق به مثل ما فعلت الجزائر وليبيا. ومنذ إعلان نهاية هذه الحرب، اعتمد المغرب مقاربة فعلية في ما يخص قضايا التطرف الإسلامي والإرهاب. وفي الوقت الذي قضت فيه السعودية سنينا كداعم ممول للإسلام الراديكالي، قضى المغرب بالمقابل أعواما في البحث عن مخارج لملمة تداعيات والتبعات، وذلك بالمزاوجة ما بين الانكباب على تحسين مستوى التعليم وحفظ الأمن إلى جانب تنمية برامج التكوين الناجح، على أساس أن المرجع الديني إنما هو مصدر تسامح وسلم روحي لا منبع قلاقل وعنف.
وصراحة، يبقى من المؤسف الوقوف على محاولة الولايات المتحدة الأمريكية تقويض البلد الوحيد الآمن والمستقر بالساحل، وتخصيص جزء مهم من أجندتها لهذا الغرض.
وبالحديث عن مصدر الصراع، نجده يرتكز بالصحراء الغربية منذ عشرات السنين مع جبهة البوليساريو، المجموعة الماركسية، المسنودة بالجيش الجزائري على شاكلة علاقة حزب الله بسلاح الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. هذا الجيش الذي ينصب نفسه مدافعا عن تلك الشرذمة من منطلق كونها الوريث الشرعي للصحراء الغربية، وما المغرب سوى مستعمر ألحقها بسيادته سنة 1975.
وللتوضيح، فإنه لم يسجل على مناصري حقوق الإنسان أن التقوا شعبا مضطهدا وتخلفوا عن مآزرته، وهذا ما لم يحدث مع "البوليساريو". وذلك لسبب بسيط، هو أن روايتهم بئيسة، وكل الثوابت تشدد على أن الصحراء مغربية كما هو شأن فيرجينيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وامتداد التواجد المغربي هناك إلى ما قبل مآت السنين لشاهد على ذلك. بقي فقط أن الإسبان اعتدوها في وقت سابق غنيمة استعمارية.
إن مساندة مطالب تلك الفئة ليس فقط مدخلا للعودة إلى متاهات الحرب الباردة، وإنما أيضا خطوة منبوذة لإضفاء الشرعية على الإمبرالية المجمع على شجبها من قبل مناهضي الاستعمار. وما خرجة الأمين العام الأممي بان كي مون الأخيرة التي وصف فيها المغرب بالمستعمر إلا مثال حي على ذلك الانزلاق المتهور.
وفي السياق ذاته، كتب دون كونير وجو بيت، عضوا المؤتمر، في "البوليتيكو" بأنه سبق للمغرب أن قدم وعدا بالتصويت على الاستقلال منذ قبل 41 سنة، لكن أخلف وعده. وهذا غير سليم بالمرة، علما أنه يتم تجاهل معطى تكليف الأمم المتحدة بعثة "المينورسو" بتنظيم استفتاء لتحديد موقف اللاجئين الصحراويين، ومواجهته بالرفض الجزائري لما يزيد عن ربع قرن، بعد أن وقفت حجرة عثراء أمام إحصاء سكان تندوف التي تعاملهم كسجناء.
والأكيد أن كل من يشحذ سكاكينه لتجريح المغرب باسم حقوق الإنسان، يبدو أنه يجهل كون الصحراء الغربية الآن من بين المناطق المغربية النامية، والتي أكدت الرباط بشأنها مقترح الحكم الذاتي. المقترح الذي من المفروض أن تنهجه الجزائر حيال أقلياتها، سواء كانت صحراوية أو قبايلة أو أمازيغ أوغيرها من تلك التي تطالب بحق تقرير مصيرها بنفسها، والتمتع بحرية التنقل الذي يتعامل معه حكام جارة المغرب الشرقية على نحو التعامل السابق للسوفيات مع اليهود. لهذا، رجاء اتركوا الحكم الأول والأخير للصحراويين، وافتحوا لهم مجال مغادرة التراب الجزائري صوب المغرب إن أرادوا.
ومن جهة أخرى، فإن ما تقدم عليه إدارة أوباما غير مقبول بكل المقاييس، ولا يتوافق مع رجاحة السلوك المتوازن. ومن ثمة، فكل ما يخشاه المسؤولون المغاربة هو أن يكون ذلك التحامل نتيجة نوايا انتقامية بمعية التجاوب مع جهات تلعب الورقة الإمبريالية، لكن دون معرفتها بويلات أبعاد المآل.
