الخميس 21 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

يحيى عمران: التبيين والبيان في هزم تعنت بنكيران.

يحيى عمران: التبيين والبيان في هزم تعنت بنكيران.

... مسمار آخر  يدق اليوم في نعش انتكاسة  رئاسة الحكومة. فبعد مسمار التراجع  اضطرارا وكرها لا اختيارا أو طوعا عن مشروع الخدمة المدنية الإجبارية للأطباء المقيمين والداخليين، وبعد مسمار التراجع الاضطراري عن نظام المساعدة القضائية، اليوم يتم فصل جديد من مسلسل إخضاع الرجل الحديدي في حكومة الربيع المغربي، بعد الاستسلام أمام المطالب المشروعة للأساتذة المتدربين، والقبول المذل بتوظيف كل أساتذة فوج 2015ـ2016 التابع للمراكز الجهوية للتربية والتكوين.

بعد لقاء حضره ممثلون عن المركزيات النقابية وممثلون عن مبادرة الفعاليات المدنية لحل الملف، فتم خلاله حسم أهم المبادئ الأولية المؤطرة للاتفاق بين الحكومة، وممثلها في الوساطة، والي جهة الرباط سلا القنيطرة  "عبد الوافي لفتيت" وتنسيقية الأساتذة المتدربين، أبرزها، وفق محضر اجتماع مشترك بين مختلف الاطراف المشاركة في الاجتماع، توظيف جميع الناجحين في مباراة التخرج بالنسبة لهذا الفوج 2015-2016 دفعة واحدة خلال شهر يناير2017 بعد اجتيازهم لمباراة واحدة للتخرج عوض مبارتين في السابق في أفق إحالة الملف على لجنة تقنية بين مجموعة من الوزارات المعنية لأجرأة بنود الاتفاق، والتحاق الاساتذة بفصول الدراسة.

بصرف النظر عن مضمون الاتفاق، وعن النقاش الحاصل حول موقف الأساتذة وتخليهم عن مطلب إلغاء المرسومين للأجيال القادمة مقابل الانتصار للذات أولا.. بغض النظر عن هذا النقاش، أرى في الاتفاق نصرا تاريخيا للفعل النضالى والحركة الاحتجاجية على حساب التعنت السياسي والجحود الحكومي المتعفن.

فبعد الصورة المتصلبة التي ألحت جيوش الانكشارية الإعلامية للحزب الحاكم على رسمها لملهمها الأبدي وزعيمها الروحي عبد الإله بنكيران، باعتباره نموذجا للرسوخ والثبات على المواقف من جهة، وقدرته العالية على عدم الخضوع والاستسلام للحركات الاحتجاجية مهما كانت مرجعياتها أو مطالبها من جهة ثانية، مثلما حدث مع الأطر المعطلة التي مازالت تتابع حركتها الاحتجاجية في الشارع، وعدم ممارسته للديمقراطية بعد غمط أحقية معطلي محضر 20 يوليوز التي حكم القاضي المظلوم من لدن وزير العدل على مشروعية قضيتهم في التشغيل...

ها هي صورة جدار بنكيران تخدش بأصابع المناضلين الشباب الشرفاء الذين لقنوا مختلف الحساسيات النقابية والحقوقية والسياسية والمدنية دروسا، وأيما دروس في إمكانية إخضاع بنكيران بالضربة القاضية، بل قدموا خلاصة بسيطة وعميقة مفادها: إن بن كيران وحاشيته أوهن من الوهن نفسه، وما تم الترويج له بخصوص صموده وجبروته وسلطته ومناعته في صناعة القرار والتمسك به لا يعدو أن يكون مجرد نقش على صفحات الماء المنهمر.

نعم أخيرا كسرت مرآة بنكيران بالقوة مع سبق الإصرار والترصد، وما عاد للرجل مهاب، وما عاد للمواقف قيمة، ولا للقرار قداسة. تحطمت كل المرايا المحيطة بالرجل وتشتت شظاياها على قارعة الطريق، معلنة فشل الأسطورة الموهومة التي أحاطت نفسها بهيبة خادعة فارغة، كانت تهاب القرب من حياضها خوفا من كشف حقيقتها الوضيعة.

لذلك اختارت من بين ما اختارت من مصائدها المتعددة أن تتخذ من سلوك الهجوم أسلوبا في رد جرأة كل مطالب بحق مشروع.

أخيرا سقطت ورقة التوت عن رئيس الحكومة ليتعرى أمام مناصريه قبل خصومه ومناوئيه، وأخيرا انهارت مع انهياره مختلف عوامل منظومته الإعلامية والسياسية والشعبوية والشبيبية.

ولعل هذا السقوط المذل جعلني أشبه ما وقع للسيد بنكيران بما جرى لسيد مملكة باب العزيزية، ملك الملوك المرحوم القذافي، فالرجلان يتشابهان في العنجهية والتعنت من جهة، والمكابرة والاستعلاء وعدم الاستماع إلى صوت المعارضة من جهة اخرى.

فما أشبه الأمس باليوم. لقد أثبت حراك الأساتذة المتدربين  بنضالهم المستميت ونضجهم السياسي العالي، قدرتهم على التأطير والتنظيم ومناعتهم التنظيمية والتدبيرية أمام كل الكائنات النقابية والسياسية والحقوقية، الراغبة في الركوب على موجة الفعل الاحتجاجي الناجح .

وهو الفعل الذي فشلت في تحقيقه والضغط به مختلف القوى التي تسمي نفسها نقابية أو سياسية أو مدنية للحيلولة دون تمرير قانون إصلاح التقاعد بثالوثه الملعون، وخاصة المؤسسة النقابية التي يهمها الأمر أكثر من أي جهة أخرى.

نعم أثبت الحراك قدرة الشباب على قيادة الشارع بشكل سلمي وناضج مقابل خفوت القيادات النقابية الهرمة واقتتاتها على فتات محاصيل السواعد النضالية الشابة.

يبقى أخيرا السؤال المحرق: بعد هذا الإخضاع المذل والاستسلام القاهر أمام هذه الحركة الاحتجاجية غير المؤطرة سياسيا ونقابيا، هل على رئيس حكومتنا أن يصوم ثلاث أيام كفارة القسم الذي أقسمه حول هذا الملف؟ بل هل سيقدم الفارس المغوار السيد بنكيران استقالته رفقة شلته الملتحية من الحكومة مثلما عاهد المتتبعين لهذا الملف بذلك؟ وهل هي إشارة ورسالة على بداية أفول نجم بطل خرافي من زمن القصص القذافية؟