الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عادل الزبيري: أنقذوا واحة آسا

عادل الزبيري: أنقذوا واحة آسا عادل الزبيري

هنا شمس أول يوم في شهر دجنبر المغربي، هنا رجال تزينوا بملاحف من الأبيض والأزرق والسماوي والرماي وألوان أخرى، فيما آخرون اختاروا جلابيب بياضها يعكس الشمس الخريفية الذهبية اللون.

يتراقص الأطفال في المكان، في عيد ميلاد رسول الإسلام محمد بن عبد الله (ص)، فيما النسوة بملاحف ملونة، يتوالى قدومهن جماعات صوب زاوية دينية، لحضور طقس ديني سنوي اسمه "النحيرة" لجمل، إحياء لمطلع المصطفى، خاتم رسالات السماء إلى الأرض.

فعلى وجوه الناس هنا في آسا، بشائر من خير، وأعناق تشرئب لتتبع طقس ديني تراثي وثقافي، فيما يهتز المكان بين فينة وأخرى على أصوات تفجيرات الفرح للبارود، من فرسان باسق قوامهم، على خيل مغربية أمازيغية.

شدني دفىء الفرح الجماعي عند سكان آسا، في ذكرى مولد الرسول محمد (ص)، كلهم يردوون: "نحتفي بموسمنا السنوي بخير البرية".

ولكن هذا الفرح الإنساني الجماعي، لا ينعكس على مكان اسمه واحة آسا؛ لأنها تعيش تحت تأثير مرض الهشاشة؛ لأن النخيل كعظام الجسد، موجود ويحتاج لاشتغال في التشذيب.

أعتقد أن لحمة الفرح الجماعي عند الآسيين، يمكن أن تتحول لطاقة إيجابية جماعية للإنتاج، فلا بد أن يتحمل السكان الحاضرون في واحة آسا، من جديد، كما الأجداد، لمسؤوليتهم في عدم التخريب، والاستعمال المستدام؛ لأن النخيل شجرهم ومنهم وفيهم.

فلأول مرة في حياتي المهنية، جائلا على وجه ربي، في وطني المغرب: أزور واحة آسا: نموذج مختلف وفريد من نوعه لتعايش القصبة التاريخية مع آلاف أشجار النخيل في الواحة.

فالشجر من نخيل في الوادي، حيث صوت خرير مياه الخطارات، لا يزال في ذاكرة الباسق من النخيل المغربي، فيما آثار التخريب البشري، خلال عقود خلت، وسوء التخطيط للاستدامة بادية علاماته، أومن أن الحاجة ضرورية واستعجالية، لإعادة الواحة لحياتها الطبيعية، بالحد من التأثير السلبي البشري.

 

 

 

وبين النخيل، تتناثر بواعث حقيقية للقلق البيئي؛ لأن التغيرات المناخية حفرت عميقا تأثيرات سلبية جدا في الواحة في آسا، فقلت الخطارات بمياهها، وكثرت النفايات البلاستيكية، ومخلفات من نفايات من جلسات شاي، بينما وجه الشباب مستقبله بعيدا عن المكان.

كما أن يد الإنسان للأسف الشديد، لم تعد رحيمة بالهش في الواحة، وتتسبب في تكرار لحوادث احتراق النخيل بنيران صديقة للإنسان؛ قلب الصحراء اليوم أي الواحة في آسا يتواجد في غرفة العناية المركزة وقد يموت قريبا.

ففي واحة آسا، اشتريت وأكلت تمرا قادما من طاطا، المدينة المجاورة، وصدمني كعارف بالمنتوجات المجالية المغربية، غياب تمر واحدة آسا، التي أعجبني نخيلها منظرا جميلا، وتأسفت لحبات تمر سقطت من عرش تمر، بقي عالقا في نخيل مهمل.

أعتقد ان الهواء العليل، والقلعة التاريخية، وملقى الصالحين، في آسا، المنعقد منذ قرون خلت، يجب أن يستهدف وضع المكان على الخريطة المغربية والعالمية من جديد، لسياحة تبتغي الاستدامة، وتقديم حمامات هواء نقي وعليل وغير ملوث.

كما أن شباب الواحة، يمكنه عبر برامج ولو بسيطة، تقديم أفكار جديدة وجميلة للتنمية الذاتية المستمرة وللتشغيل الذاتي داخل الواحة.

وفي قوس قزح المشهد الواحاتي المغربي في آسا؛ دافع للتفاءل، لأن الإنسان المغربي مرتبط روحيا وتاريخيا بالأرض وبالواحة، فإذا نفض غبار الكسل، وتسلح بالطاقة الإيجابية، ووجد منارة تهديه، لعاد للواحة قاصدا، وسيجد في الله معينا له لأن النخيل بركة من الرب.

وبالتأكيد وجب الاعتراف بفشل برامج حكومية في المغرب؛ في إعادة الواحة إلى سابق عهدها على امتداد التراب المغربي، ما عدا مجهودات خاصة.

فيما يهدد الدعم الحكومي لوزارة الفلاحة، في مدينة آرفود، بكارثة عطش جديدة، عبر سحب للمياه الجوفية لري بالتنقيط للنخيل الجديد، عوضا عن تطوير نظار ري الأجداد، أقصد أسلوب الخطارات لجلب المياه من الجبال ثوب الصحراء.

والواقع يعري إحصائيات الرباط، ويكشف أن الواحة في حالات مثل آسا، تنتظر ساعة إعلان خروج الروح من الجسد.

فواحة مثل آسا واقعيا سقطت في طريق الانقراض الذاتي، ومحاصرة من بيوت الإسمنت، وهرب جماعي صوب نمط حياة مختلف، وترك للدور الترابية والحجرية للتداعي سقوطا؛ مؤشرات لحاجة لمصالحة بين الإنسان والواحة في آسا.

وتبقى الواحة هبة الله في الصحراء، تنتظر منقذا من المغاربة.