حسب ما صرحت به الاستاذة مكلوف رشيدة التي اعتدى عليها التلميذ (م.أ) بواسطة السلاح الأبيض أمام الثانوية التأهيلية الحسين بن علي بالحي المحمدي بالدار البيضاء يوم الاربعاء الماضي، فإن سبب إقدام التلميذ على هذا العمل الإجرامي هو تسريب مداولات مجلس القسم الذي أصدر قرار تغيير المؤسسة في حق هذا التلميذ تأديبا له على ما صدر منه من مخالفة مع أستاذة أخرى في وقت سابق،وهو ما كان وراء تدبيره لعمل انتقامي ضد الأستاذة التي دافعت عن موقفها الذي قرره المجلس التأديبي بالأغلبية .
سبب استهداف الاستاذة حسب التصريح هو إفشاء السر المهني من طرف بعض زملائها في العمل، لكن كيف يمكن الحديث عن سرية المجالس التأديبية وهي تضم في عضويتها عناصر غير منتمية إلى المهنة وهم ممثلون عن التلاميذ وعن أوليائهم . و لا يخضعون لقانون الوظيفة العمومية، الذي يعاقب من أفشى سرا مهنيا؟
الحقيقة أن المشرع أشرك كل الاطراف المعنية بالتربية والتعليم بالمؤسسة دون أن ينتبه إلى التناقض الذي يمكن أن تحدثه هذه المشاركة على سرية المداولات . أي أن المشرع كان ديمقراطيا في فلسفته دون أن يحصن قرارات المجلس التأديبي من الاختراقات الخارجية .فهل يعني ذلك ضرورة إلغاء تمثيلية التلاميذ وأوليائهم؟
التجربة أظهرت في الواقع أن كشف مداولات المجالس التأديبية تتم أيضا من طرف الأساتذة والاداريين ،إما بسبب الجهل بالقانون أو بسبب تصفية حسابات شخصية ، أوسوء تقدير لردود الفعل التي قد تصدر عن التلاميذ وأوليائهم. ولذلك يمكن القول أنه لا توجد ضمانات من أي طرف للحفاظ على السرية. بل يصعب حتى ضبط من قام بالتسريب .
وأمام صعوبة ضمان السرية واستحالتها فإنه يتعين على المشرع أن يبدل جهدا في تحديد العقوبات تبعا لحجم المخالفات التي يرتكبها التلاميذ كما هو الحال بالنسبة لبعض المؤسسات التعليمية بالدول الغربية ،حيث يتم تجنب الألفاظ الفضفاضة ويتم تدقيق المخالفات وعقوباتها بالقانون الداخلي.وهكذا فإن المجلس التأديبي لما يجتمع فإنه سيلائم العقوبة مع نوعية المخالفة و يكون هذا القانون هو صاحب القرار الذي يدوب كل الخلافات بين أعضاء المجلس . وما على الادارة إلى التنفيد.
ولذلك عوض أن نكتب بالقانون الأساسي يمنع على التلميذ التدخين بالمؤسسة أو حمل الادوات الحادة أو استعمال الهاتف المحمول أو الغش أو العنف فينبغي أن نحدد العقوبات ، التي ستعفي أعضاء المجلس من نقاش يؤدي إلى اتخاذ قرارات قد تكون مختلفة تماما مع عقوبات اتخذت في مخالفات مشابهة في مؤسسات أخرى أو ربما حتى في نفس المؤسسة.
قد يظهر للبعض أن تدقيق العقوبات سيجعلنا وكأننا في محكمة وليس في مؤسسة تعليمية المفروض فيها أن تتمسك أولا بالقيم التربوية. لكن هل ستفقد المؤسسة دورها التربوي بمجرد اللجوء إلى هذا التدقيق؟ ثم أليس التدقيق في العقوبات وتفعيلها جزء من التربية؟
لقد حملت الأستاذة رشيدة مكلوف المسؤولية لمن أفشى سر مداولات المجلس التأديبي ، وليس هو السر الوحيد الذي يتم إفشاؤه في مؤسساتنا التعليمية . ولذلك فالحاجة أصبحت ماسة إلى قانون داخلي جديد يساير المستجدات لمواجهة العنف التلاميذي.