السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب دبيش: على هامش ما حدث بالعريش

عبد الوهاب دبيش: على هامش ما حدث بالعريش عبد الوهاب دبيش

يعود السبب فيما حدث بمصر اليوم إلى مصر نفسها. منذ قرن من الزمان بل أكثر ومثقفي مصر ومتنوريها ينذرون الحكام المصريين إلى الخطورة التي يمثلها الأزهر كمؤسسة دينية. هذا الموقف عاشه مثقفو البلد ومفكروه من طه حسين وإلى نصر حامد أبو زيد، وفِي كل مرة كان صُك الإتهام ضد الحداثة بأرض الكنانة أن مفكريها أشخاص يسيئون إلى العقيدة وإلى الدين. فقط لمجرد أنهم طرحوا أسئلة تحرج وتضع كهنوت التحجر في موقف المدافع عن الماضي دون أن يبدو أي شيء يساعد على تجاوز الفكر أو أن يسهم في تقدمه.

في السابق كان المتحجرون لا يقووا على الذهاب بعيدا إلى مستوى إراقة الدماء، ليس لأنهم اعتبروها حراما ولكن لأن التيار التنويري كان مثل السيل الجارف الذي ينحي كل شيء. تحقق بذلك النصر لمثقفين من أمثال الكواكبي وطه حسين وشكيب أرسلان وآخرون، هذا علاوة على أن بلدان العالم العربي كانت ترزح تحت الاستعمار والإحتلال والحماية والإنتداب الأوروبي الذي حد مؤقتا من إراقة دماء المتنورين، ليس دفاعا عنهم ولكن دفاعا عن أطروحته الداعية إلى التغيير والقائمة على بث النموذج الغربي في التنمية والإستهلاك.

ذهب الإستعمار بأنواعه وترك وراءه جرحا غائرا في الشرق الأوسط، ولأن مصر جمال عبد الناصر كانت هي من يتحدث باسم العروبة فقد كانت مستهدفة أكثر من باقي البلدان العربية الأخرى. وتحقق للغرب عزل مصر عن محيطها العربي والإقليمي وتمكنت آلة الاقتصاد الغربي القائم على التبعية أن تحول عملاق الشرق الأوسط إلى نمر ورقي لا يستطيع أن يتحرك بعيدا عن المساعدات الغربية. تعمم الفقر وانعدمت الطبقة المتوسطة وازداد الفرق بين الأغنياء والفقراء وتجاوز الفقر في مصر كل التصورات حتى غذا نموذج لا مثيل له حتى عند الطبقات المهمشة بالهند تقزم الجنيه بأن فقد قيمته النقدية بأكثر من ستين مرة.

فقر كهذا جعل مصر الزعامة تنبطح أمام إغراءات البترودولار وفكره المتطرف، وكان لزاما أن نسمع عن طيور مثل أيمن الظواهري ويوسف القرضاوي وقتلة السادات والمفكر فرج فودة وأنظارهم. وفي كل مرة كنّا نسمع عن محامين وكتاب ومشايخ يعتلون منصات وسائل الإعلام يبثون سموم أفكار مسمومة لا تمت بصلة بجوهر الدين ولا بسماحته ولا لأفقه الرحب. ودخلت البلاد في مسلسل جديد ليس له من لون غير إراقة الدماء واستصدار فتاوى أغرب من الخيال بل وتكفير الناس حتى أنهم فصلوا الزوجة عن الزوج. كل هذا كان يتم أمام أعين الدولة والجيش المصري الذي تحول من مؤسسة لحماية الدولة إلى دولة داخل الدولة تُمارس كل أنواع السخرة التي أعادت البلد إلى زمن استرقاق البشر أيّام بناة الأهرامات. فلاهم شيدوا معالم ولا هم حموا البلد من النهب. لذلك لا غرابة إذا شاهدتم انهيار البلد ودخوله في دوامة المجهول لأسباب قديمة قدم فتاوى تحريم سماع أغاني أم كلثوم وَعَبد الحليم.