الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

ياسين كمالي:سار يدعو حاتم عمور إلى اعتزال الغناء

ياسين كمالي:سار يدعو حاتم عمور إلى اعتزال الغناء

من الواضح أن علاقة المدعو الشيخ سار بالدين علاقة نفعية ، بل سطحية إلى حد مثير للشفقة . هذا الكائن المتأسلم يتجاهل ( أو يجهل ) جوهر الإسلام ، تلك الرسالة التي غيرت خريطة العالم في القرن الأول الهجري ، و يتمسك بالقشور و الهوامش الهزلية ، و لا يكتفي بإبقاء تلك السخافات لنفسه ، بل يصر على اقتحام حياة الآخرين بها على نحو صبياني.

و لعل الطريقة التي يسلكها هذا الصبي في مخاطبة الناس ، هي طريقة متغطرسة فيما يبدو ، فارغة من النضج و الحكمة . و بدا ذلك واضحا حين استغل وفاة والدة المغني حاتم عمور رحمها الله ،  ليوجه إليه مجموعة من المواعظ الفجة تضمنت دعوة متغطرسة إلى اعتزال الغناء ، بدعوى أن الغناء معصية و رذيلة . لم يحترم شيخنا النفعي لحظة الحزن الذي يمر بها حاتم عمور ، و انتهز الفرصة بكل برود ليحصد مزيدا من المشاهدات على اليوتوب ، فالربح أهم من المشاعر الإنسانية عند بائع الكاوكاو .

ربما من واجبنا أن نعذر الشيخ سار على عقليته المغطاة بغبار الفكر الهامشي ، فلعله أخذ ثقافته الدينية عن تلك الكتب الصفراء التي تباع أمام المساجد بثمن رمزي ، و التي تغرس في نفوس قارئيها صورة ساذجة عن الإسلام . ماذا يملك الشيخ سار أمام سطوة علماء النفط و شيوخ رضاع الكبير الذي لا يكفون عن ممارسة الوصاية على عباد الله ، كأنهم يملكون مفاتيح الجنة .

فالمهووسون بقراءة الكتب الوهابية يغدو الإسلام عندهم متجسدا في الانشغال بالاستنجاء و الخوف من ثعابين القبر ،  و تحريم الغناء و التفكير أيضا . من المؤكد أن هذه النوعية من الكتب لا تنتج لنا إلا شيوخا مثيرين للشفقة ، لا يدركون الحدود الفاصلة بين روح الإسلام و قشوره الزمنية ،  لذلك ينشغلون بالهوامش و الشكليات الهزلية ، يتسلقون الأشجار و يقفزون بين الأغصان طمعا في الموز  ، فيتحولون بذلك إلى هدف للسخرية و التنكيت و الشفقة.

و تنتج لنا تلك الكتب أيضا مسلمين مقيدين ، خائفين من الله كأنه كائن مرعب ، يظنون أن خالق الكون بعظمته و جلاله يراقبهم حين يدخلون إلى المرحاض ، و يعاقبهم إذا هم لم يمارسوا طقوس الاستنجاء بالطريقة التي كان يستعملها الذين عاشوا في القرن الأول الهجري ... يتصورون أن الله سيغضب عليهم إن هم أنصتوا إلى الغناء أو شاهدوا فيلما سينمائيا ، بينما الله بريء مما يظنون .

يبدو أن الوهابية التي تختبئ تحت قناع السلفية قد سيطرت تماما على المشهد الديني في المغرب ، عبر الكتب الرخيصة التي توزعها بثمن تافه ، و عبر القنوات الفضائية التي يطل من خلالها شيوخ متجهمون ، يُنفرون الناس من الحياة و الفن و الاستمتاع بمباهج الدنيا ، كأن النبي الكريم أرسله الله عقابا إلى البشرية و لم يرسله رحمة للعالمين . و ما الشيخ سار في حقيقة الأمر سوى ضحية من ضحايا الوهابية .

من الواضح أن المغاربة ليسوا في حاجة إلى إسلام معتقل في المراحيض و غرف النوم و ظلمة القبور ، فالإسلام الأصلي  يتمثل في القضايا و الأسئلة الكبرى ، كوجود الله و العدالة الاجتماعية و النضال ضد الظلم بكل أنواعه . بينما الشيخ سار و أشباهه يفرون من المعارك الكبرى ، لأنهم لا يملكون الشجاعة الأدبية لخوضها ، ربما لأن عقولهم مثقلة بالإفرازات البيولوجية التي تخرج من أفواه شيوخ النفط و الغاز ، فلا يجدون أمامهم من سبيل سوى أن يتفرغوا لقضايا المرحاض و السرير ، و كفى الله المتعالمين شر النضال و التفكير .

في الأخير ، ليس حاتم عمور هو الذي يحتاج إلى الاعتزال ، بل هؤلاء الشيوخ الذين يستغلون المشاعر الدينية للمغاربة كي يحصدوا الملايين بلا عناء ، يخادعون الله و هو خادعهم .