تقرير صادم أصدره "التجمع ضد الإسلاموفوبيا"، يرصد من خلال إحصائيات وأرقام ومعطيات من أرض الواقع لتنامي أعمال التمييز والعنصرية التي تستهدف على الخصوص المسلمين في "جمهورية الأنوار" فرنسا. و"التجمع ضد الإسلاموفوبيا" هو جمعية مدنية تأسست وفق القانون الفرنسي في أكتوبر عام 2003 في أعقاب تصريح نقله التلفزيون للصحفي الفرنسي المعروف وكاتب افتتاحيات "كلود إمبرت" وقال فيه "إني أحس نفسي شيئا ما معاديا للإسلام، وقول هذا لا يحرجني.."..
هي "لبنة" من لبنات العنصرية تراكمت مثل نار خامدة لسنوات، حتى بلغت ضروبا شتى في تمظهراتها وطالت شرايين مرافق عمومية في الدولة، باتت معها "الوحدة الوطنية" في المحك ويتهددها الشرخ، وتنامت مظاهر التمييز والإقصاء والتهميش بمنطق عنصري، زاد في تأجيجها ضربات أيادي الإرهاب الغاشم لقلب فرنسا في مناسبتين في بحر 10 أشهر ووضعت معها الجالية المسلمة بفرنسا أمام فوهة المدفعية على خط النار، ومرت معها سنة 2015 (التي يرصدها التقرير) حقيقة رهيبة بالنسبة لفرنسا، وسط كل هذه الأوجاع المتلاحقة من كل الجهات من الداخل والخارج..
ففي أقل من دورة عام واحد، وبعد أن أحصت فرنسا ما مجموعه 147 قتيل في حادثين تراجيديين، سجلت موازاة، وفي الأيام القليلة الموالية لأحداث شهر دجنبر (3 اشهر)، وبدرجة غير مسبوقة ما مجموعه 120 حادثا عنصريا جراء حوالي 30 هجوم ضد أماكن ودور العبادة، وطالت الانتهاكات أيضا نساء ورجال وأطفال بسبب انتمائهم الديني للإسلام، وتعرض كثير لتهجمات وتصرفات عنصرية في علاقة بتبعات الأحداث الإرهابية... يقول سامي ديبا رئيس "التجمع ضد الكراهية" في هذا السياق متحدثا عن حالة طفل صغير في الفترة التي تلت الأحداث "ما زال في ذاكرتي الوضع المعبر لأحمد، عمره ثماني سنوات تم الاستماع إليه من لدن الشرطة بسبب إشادة بالإرهاب..". فترة يضيف ديبا "كان فيها تهجم على دور العبادة وعلى أشخاص من الديانة الإسلامية واستهداف لمعتنقي هذه الديانة"...
ثم يسرد قصة أخرى لامرأة يقول "أذكر شهادة لأم عائلة كانت في غاية الاضطراب أسبوعين بعد عملية المداهمة والتفتيش، حين كانت منهمكة في إرضاع طفليها التوأمين عمرهما سنة واحدة اقتحم رجال الشرطة البيت ولم يكن لها الوقت لتضع طفليها في غرفة مجاورة.. شاهد الرضيعان كل شيء: الأسلحة ورجال الشرطة يحملون أقنعة والأم مطروحة على الأرض وكان الأب غائبا، وجاء تفتيش الشرطة بناء على معطيات خطيرة وبدون أي حجة مادية..".. أو تلك القصة الأخر المأساوية التي وقعت في 16 من ديسمبر حين تم اغتيال رجل من ديانة مسلمة بواسطة 17 طعنة سكين أمام اعين زوجته التي قالت إنها سمعت الجاني يصيح "أنا إلاهك، أنا هو إسلامك" بعدها تم إيداع مقترف الجريمة في مستشفى الأمراض العقلية وصنف بحكم القانون غير مسؤول عن فعله..
في 16 من ديسمبر أعلن الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس في حديث صحفي عن رفضه استعمال كلمة "إسلاموفوبيا" لأنه بحسبه سيكون بمثابة "حصان طروادة" بالنسبة للإسلاميين كي يتم إسكات كل نقد تجاه الإسلام، وفي 19 من فبراير سيعلن الرئيس السابق للجمهورية نيكولا ساركوزي في حديث لإذاعة أوربا 1 عن عدم الرغبة في نساء متحجبات بفرنسا، وسوف تتوالى الأحداث العنصرية والتصريحات المؤججة وتخرج كرد فعل على تدحرج "كرة اللهب" في السادس من مارس مسيرة ضد الإسلاموفوبيا في سان دوني شارك فيها 83 منظمة من المجتمع المدني ونقابات وشخصيات من مشارب مختلفة، وفي 15 يونيو سوف تعلن الحكومة الفرنسية عن رغبتها في الحوار مع مسلمي فرنسا وتم وضع آلية للحوار مع إسلام الجمهورية من طرف وزير الخارجية تبعا لرغبة فرانسوا هولاند وشارك فيه التجمع ضد الإسلاموفوبيا..
وفي 13 نوفمبر ستضرب الأحداث الإرهابية سان دوني بباريس، في قاعة الباتكلان وفضاءات مقاهي في الدائرة 10 و11 الباريسية وأيضا في محيط "سطاد دوفرونس" والحصيلة 130 قتيل وأزيد من 400 مصاب إصابات متفاوتة الخطورة.. بعدها بيوم واحد ستعلن الجمهورية حالة الطوارئ ويدخل "بلد الأنوار" مرحلة استثنائية ..
وفي هذا الخضم سوف تتضارب الأرقام والدفوعات حول تنامي الإسلاموفوبيا المتأججة بفرنسا، وتوسم وزارة الداخلية ببعدها عن مجريات الأحداث في واقع الأرض، وتبدو معطيات "التجمع" أكثر قربا من واقع الظاهرة، باعتماده قاعدة بيانات مكنت من رصد وقياس أعمال الإسلاموفوبيا في شموليتها وتجلياتها المختلفة، وبهذا تجاوزت أرقامه النسبة الضعيفة من الشكايات التي سجلتها المصالح الإدارية لوزارة الداخلية، وتجلى أن أرقام الأخيرة لا تعكس حجم الأعمال العنصرية فوق التراب الفرنسي، والمسجلة سواء في أوساط العمل أو أثناء الولوج إلى الخدمات العمومية في المصالح والإدارات والمرافق (مطاعم، أندية رياضية، مدارس، مدارس، تعليم السياقة، معاهد عليا، مراكز التكوين...).
وكان تحقيق أنجزه "التجمع" على عينة من 1200 شخص في وقت سابق سنة 2014 وحمل عنوان "ضحايا صامتون" قد أظهر أن فقط 20 بالمائة من ضحايا الإسلاموفوبيا من يقدمون شكاية بهذا الخصوص، وكثير منهم وجه اتهامات صريحة للخطاب السياسي والإعلامي في تأجيج العداء للمسلمين والتحريض ضدهم..
كما يظهر رسم بياني في تقرير "التجمع ضد إسلاموفوبيا" تنامي أعمال العنصرية ضد المسلمين من خلال تصاعد أرقام بين 2013 (611 حالة) و2015 (905 حالة) ما يعني زيادة بنسبة 18،5 بالمائة.. وهي خلاصات تتوافق وتثبت خلاصات خرج بها أيضا رصد المجلس الوطني الاستشاري لحقوق الإنسان حول أجواء العنصرية في حضن المجتمع الفرنسي...