الأربعاء 30 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

الزكي باحسين: حينما تتحول ميزانية الدولة إلى مصروف جيب. في تفكيك ثقافة الحرب.

الزكي باحسين: حينما تتحول ميزانية الدولة إلى مصروف جيب. في تفكيك ثقافة الحرب.

( إلى روح الوطني البدائي الحاج محمد بن علي موزاكي رحمه الله )

أتى على الدولة حين من الدهر كان أكبر ما يعني رجالاتها الذين أوكلت لهم مهمة تصريف نتائج  "الحروب" التي خاضها "  " الوطن " أن ينثروا أرقاما وتواريخ  ويجعلوا من " التكريس " بوصفه تمجيدا لوقائع  معينة معرضا لذاكرة انتقائية ستحدد لاحقا كل التنضيدات والسياسات والتراتبيات المشكلة لمجتمع ما بعد الحرب.

ولم تسمح هذه الشلة من حملة المباخر لما بات يعرف في أدبياتها ب " الاستثناء المغربي في مباشرة الحروب "  بوجود صوت يقوم  بشيء آخر غير ترديد ادعائها.

ولأن المجتمع الحديث قائم على علمنة الديني وعلى إعادة توزيع مفاهيمه في المجال العام؛ فإن التكريس بمعناه المسيحي سيخدم ذاكرة الدولة الوطنية الباحثة عن " اللُّحْمَة " فيما بين أفرادها لتجريب معنى الانتماء الذي يحدده هذه المرة التصور اليعقوبي لبناء الدولة في شكلها الوطني بعد أن كان هذا الانتماء يُباشر كإحساس اتجاه مجموع كلي هو الأمة ذات الأس الأيديولوجي المرتبط بالوحدة في الدين الجامع.

تحول القائمون على ذاكرة الدولة الوطنية إلى شركة  غير مجهولة الاسم مهمتها توزيع " بخاخ الفلفل " على القائمين على كتابة المقررات المدرسية والمشرفين على الأعياد الوطنية وقارئي السير في الإذاعة الوطنية لرشه في عيون شكاكة بدأت في فهم حقيقة أن  "الوطن " تعرض ل " اشتهاء جماعي" رسمي من طرف الكبار الذين أعلنوا حقهم الإقطاعي في  "ممارسة حق التفخد ".

في المغرب يقدم أي إصلاح في شكل معركة حربية. محاربة الرشوة . محاربة التهرب الضريبي.محاربة الصفيح..فاللغة العربية تباشر ب " الحرب " كل انحراف..هذا اقتصادها وللقائمين عليها مهمة التحليل؛ ما يهمنا – نحن- في موضوع الحرب المعلنة على الصفيح .على الفساد, على الهدر المدرسي.على التربح غير الشرعي . على استغلال المناصب..هو اجتناب " شراكة الأخوة في الوطن" داخل  "الخندق " . هذه الأمثولة الناظمة ل " حربنا " على (...) تشعل وهم " الباتريوتيزم.

" متحدين معا في الخندق" خرافة أزموزية ( نسبة إلى (osmoseترفع من قيمة " انصهار" مختلف الطبقات الاجتماعية من أجل الانتصار للوطن في حربه على / ضد عدو ما.إن " بذلة الجندية لا تلغي تباين الإدارك الإجتماعي للواقع, فحاملها يتصرف بمنطق طائفته الإدارية والمالية والعقائدية..

إن تفكيك ما يسميه المؤرخ " نيقولا ماريو" ب " ثقافة الحرب " يسمح بظهور ما خلص إليه شخصيا من أن " المتعاطين " للحرب يتصرفون بمنطق سابق وضعيتهم الاجتماعية قبل الحرب. ففي الوقت الذي "يستهلك " فيه " العِلِّيين" الباتريوتيزم  كفكرة جاهزة " تُسْتَجْوَنُ " بدراية ؛فإن " العامة " مسوقة ببدائية تامة تقوم ب " استدخال خانع " للفكرة كانعكاس لمستوى تعاطيها مع الواقع.

يخوض الجندي " الوطني " العادي الحرب بصدر عارِ. يتلقى رصاصة فيموت ؛فيما " العِلِّي" يعيش ليتحدث عن " الأيام الأخيرة" للبطل الذي قضى نحبه. تمر الأيام وتصير " العنديات" المرتبطة بسرد وقائع " البطل" أهم من البطل نفسه. تمر السنون وينسى الناس " الميت الغر". لقد تحول إلى مجرد ذكرى أو أقل. يملك " الحي المتفكر في الوطنية باستراتيجية " كل حقوق " الحكاية" التي تحوله في النهاية إلى بطل أصلي.

هنا النسخة / السيمولاكر تعلن عن شرعيتها في استعمالها كإفادة تتمتع بكل حقوق الأصل البدئي.

" وطني خِبرة " يعيش ليحكي.لقد شارك في الحرب من موقعl’embusqué   .تسمح رتبته الاجتماعية والثقافية بأن  أن يتولى " رؤساءه في الحرب " مداراته بعيدا عن الرصاص.  يتحول الجيش الوطني إلى "شركة للأمن الخاص " لحماية " السيد الجندي " الذي يدير من " عمق الوغى " تجارة مربحة ترتبط بالحرب نفسها. ( هذا ما يفسر ظهور وطنيين. حينما تعرض سيرهم الرسمية الملئ ب " سنوات المنفى"  و " التعذيب "  يشرعن السؤال كيف تحولوا إلى تجار كبار بعد الاستقلال )

ليس غريبا أن تربط الدولة الوطنية حياتها بعد فترة ما – بعد الاستقلال بمجموع سياسات حربية على شيء / موضوع ما . لا بد لجنرالاتها من " ساحة – لعبة " لممارسة ما تعلموه في " مواجهة العدو".تتحول الدولة إلى نادي تجريبي لفتية خبروا الحرب كمخيم صيفي.

وحينما توغل الدولة في الإصلاح فإن منتهى نجاح " ثقافة الحرب " تكمن في عرض الميزانية العامة للنقاش " الحر" داخل المؤسسات الديمقراطية الموكول لها احتضان هذا النوع من " المطارحات ". ولن تخلو صفحات الجرائد من إيراد كل أشكال التدافع المدلى به من طرف الضاربين بسهامهم في مواد الميزانية. ولمعرفة كيف وصلت الديمقراطية الغربية لممارسات معينة في العرض الشفاف لماليتها العمومية لابد من قراءة لتاريخ الطبخ. (تمثل " كوزينة " ماك دونالد  مثالا على الطبخ التشاركي بين الزبون الذي " يراقب " طعامه ويتابع كيفية تهييئه  وبين الطباخ الذي يعرض مهاراته). أما في الدولة الوطنية كبلادنا فإن عرض  الHD لمالية الدولة هو تمرين لجس نبض الوطني – البدائي في قبول  الوضوح الاجتماعي لربح جماعةles embusqués.

نهاية العرض؛ حيث الفتية أبناء  ال" وطنيين " ال" كبار " الذين" حاربوا " من أجل " الوطن " أصبحوا وزراء ميسكاديينmuscadins    (مغرورين ) وميرليفلوريين  mirliflores (متأنقين ) " يخدمون "  "الدولة " بدون مقابل..

أحيانا يرضون بتعويض بسيط ؛حيث يسمحون لأنفسهم بتحويل جزء من ميزانية الدولة إلى مصروف جيب.. لهم كل شرعية "الجندي الوطني" في ممارسة حق التفخيدle droit de cuissage وقت الفراغ.