إن المشهد و القرارات السياسية الآنية بالمغرب تفرض علينا قسرا الخوض في الأمر رغم كل مواقف و مسافات الابتعاد التي نكون قد التزمنا بها من قبل ، انفعالا أو تفاعلا. قد يخونني فعلا نسق التحليل الرصين بحكم الموقع و بحكم زاوية النظر، و أيضا بحكم توالي الأحداث ، و توالي شطحات المشهد السياسي وعربدته العلنية. لن أدعي ترتيب النسق المنهجي في التحليل بقدر ما أحاول هنا إثارة الانتباه إلى بوادر أزمة أو حتى كارثة وشيكة الحدوث بفعل تدابير و منهجية التدبير السياسي و الحكومي بالمغرب.
كمسلمة ، نعتبر أن الحكومة الحالية لا تتحكم في جل قراراتها ، كما نشير إلى أن التحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية المزعومة لا يعفي من انزلاقات و هزات شعبية و انتكاسات قد تقود إلى النفق المجهول ..والقرارات والنتائج المرتقبة لحكومة العدالة و التنمية بقيادة عبد الاله بنكيران يمكن اعتبارها كمحصلة تندرج في باب المغامرة السياسية التي تقود فعلا إلى المتاهة ، حتى أن الأمر يبدو مدبرا و عن قصد من قبلها و بسبق إصرار، إذ لم تتأخر الحكومة في فتح جبهات الخطر من كل ناحية كأنها تفعل كل ما في وسعها لتفجير الوضع فقط المعادلة لا تستجيب للتفاعل ، فالشارع المغربي يصر على الاختباء و التواري و امتصاص الغضب ، لكن الوضع ليس بالمستدام ، خصوصا إذا أشرنا إلى ضعف الأداء السياسي للأحزاب و خصوصا المعارضة منها ، و اتساع الهوة بين المواطن و الأحزاب و كذا تراجع تحكم النقابات في الحراك المجتمعي و الاجتماعي منذ حكومة التناوب التوافقي وبشكل تدريجي و متواصل.
وعلى سبيل الأمثلة و المؤشرات، فقد عمدت الحكومة على الإجهاز على العديد من المكتسبات و الحقوق التي ضلت ثابتة حتى في عهد حكومات أحزاب إدارية تدعي اللبرالية منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني ..ومنها صندوق المقاصة والموازنة ، التوظيف ، احتكار السلطة ، التحكم ، المحسوبية ، تشجيع الريع ، التستر عل المفسدين و ناهبي المال العام، ضعف أداء القانون و المحاسبة، إعادة النظر في التوظيف و أنظمة التقاعد..هذا بالإضافة إلى أزمة التعليم المزمنة و أزمة الصحة و أزمة الرياضة و أزمة الأخلاق و أزمة الثقافة ..
كما نشير أن تحرك التنسيقيات و الخروج إلى الشارع للاحتجاج منذ حركة 20 فبراير مرورا بأحداث طنجة و الأطباء و مؤخرا الأساتذة المتدربين يعتبر مؤشرا دالا على إمكانية الانفجار في أية لحظة ، خصوصا إذا أضفنا إلى ذلك عامل القمع و البطش الذي أصبحت تتعامل به الدولة مؤخرا مع الاحتجاج . و ما حدث مؤخرا مع الأساتذة المتدربين يعتبر نموذجا لنهج الدولة لسياسة القمع و الهروب إلى الأمام و المغامرة الفعلية بالسلم الجمعي و الاجتماعي بالمغرب . و بالمقابل تحاول الدولة و الحكومة تمرير خطاب مثالي وطوباوي بكون المغرب يعتبر استثناء في المنطقة و العالم ، مرتكزة على الاستباق الأمني لتفادي هجمات إرهابية ، متماهية مع الترويج الإعلامي الخارجي لهذا الاستباق، رغم أنه يبقى مؤقتا و نسبيا بالضرورة المنطقية و التاريخية .
و في سياق مرتبط بالموضوع و الظرفية الدولية ، لا يمكن التغاضي على الملفات العالقة بالمغرب و المنطقة ، كمشكل الصحراء الغير محسوم راهنا و اشتعال الصراعات بدول المنطقة العربية و ضعف و تآكل دول الجوار وضبابية المصير المرتقب للجزائر و ليبيا و سوريا و حتى السعودية في ظل التحولات العالمية التي ستفرز بالضرورة توازنات و خرائط و تحالفات جديدة .
كلها إذن مؤشرات لا يمكن تجاهلها في التحليل ، فماذا تهيئ الدولة و الحكومة الحالية لتفادي اشتعال فتنة ما قد تقود المغرب إلى مجالات عنف أخرى تنضاف إلى مساحات الدم و القتل و الظلام الذي تعيشه دول الجوار العربي ؟ فلا استثناء مطلق و لا حلم بوهم أو ببركة ربانية مزعومة سينقد الوطن إن أيقظ التدبير الحكومي الراهن تنين الخراب الذي يحوم حول الديار التي قد لا تعود آمنة..
فحذار يا حكام الوطن ، فجغرافيا الأوطان صارت متحركة حتى إن لم نتحدث عن حكم التاريخ الذي يحاصرنا بشرعية لا نود الخوض في شرعنة أنساقها.