الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الكبير طبيح: عندما دفع البرلمان الأوربي للتناقض مع نفسه

عبد الكبير طبيح: عندما دفع البرلمان الأوربي للتناقض مع نفسه

أثار المقرر الذي اتخذه البرلمان الأوروبي أخيرا بخصوص قضيتنا الوطنية عدة تساؤلات بخصوص التغيير الغير المفهوم في الموقف الذي دفع إليه هذا الأخير من قبل بعض أعضاء البرلمان الأوروبي الذين تقدموا بتعديل أدخل على التقرير الذي أعده الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي المكلف بحقوق الانسان.. وهو التعديل الذي تضمن انطباعات لأصحابه تثبت انقطاعاهم وعدم تتبعهم، ليس فقط، للتحولات الكبرى التي عرفها المغرب منذ ما يزيد من عقد ونصف والتي توجت بدستور 2011، وإنما يظهر كذلك أنهم غير متتبعين للقرارات والمواقف التي سبق أن اتخذها البرلمان الأوروبي بخصوص اعترافه بسلطة الدولة المغربية على كامل ترابه.

فبالاطلاع على التعديل المقدم من قبل بعض البرلمانيين الأوربيين نجده ينص على:

Demande que soient respectés les droits fondamentaux des sahraoui, et notamment leur liberté d’expression et leur droits de réunion, réclame la libération de tous les prisonniers politique sahraouis demande qu’un accès aux territoires du sahara occidental soit accordé aux parlementaires, aux observateurs indépendants aux ONG et à la presse, prie instamment les Nations Unis de doter la MINURSO d’un mandant en matière de droit de l’homme, à l’instar de toutes les autres missions onusiennes de maintien de la paix de part le monde ; soutient un règlement équitable et durable du conflit au sahara occidental sur la base du droit à l’autodétermination du peuple sahraoui conforment aux résolutions des Nation Unie en la matière

وإن ما يؤكد أن هذه الفقرة إنما أقحمت في التقرير الذي قدمه المجلس الأوربي "Conseil" إلى البرلمان حول تقييمه لحقوق الإنسان في العالم لسنة 2014 هو أن التعديل أتى متناقضا مع الخلاصة التي وصل إليها خبراء الاتحاد الأوروبي الذين ساهموا في إنجاز التقرير المقدم للبرلمان، والذين وقفوا على واقع حقوق الانسان في التراب المغربي بما فيه الصحراء المغربية معتمدين المعايير الدولية في صياغة التقارير التي ينجزها الخبراء والتي تعتمد على نقل الوقائع كما هي على أرض الواقع بدون أي تحيز وبكل موضوعية.

فالتقرير الذي يتكون من 384 صفحة أنجزه الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان السيد Stavros Lambrinidit، والذي اشتغل تحت سلطة وإشراف نائب رئيس المجلس الأوربي معتمدا على التوجيهات التي رسمها السفراء أعضاء اللجنة السياسية والأمنية COPS بالمجلس الأوربي وبتنسيق مع Le service européen pour l’action extérieure  ومصالح اللجان والبرلمان الأوروبي.

فذلك التقرير لا ينقل خواطر لبعض الأطراف التي قد تكون لها ميول أو حسابات سياسية، وإنما هو خلاصة لعمل علمي لمؤسسات البحث والتقصي مختلفة عن بعضها البعض اعتمد عليها الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الانسان لإنجاز تقريره حول حقوق الإنسان في العالم من منظور الاتحاد الأوروبي لسنة 2014 بما فيها المغرب الذي خص بالصفحات 184 ونصف الصفحة 185.

كما تناول ذلك التقرير وضعية حقوق الانسان فيما سماه "Sahara occidental" وخصص لها نصف الصفحة 185 والصفحة 186، اي مباشرة بعد تناوله للمغرب مع خلاصاته حول وضع حقوق الإنسان بالمغرب. أي ان المقرر اعتبر ان تناول حقوق الانسان في المغرب مع ما سماه بالصحراء الغربية هو وحدة لا تتجزأ.

غير أن الملفت في هذه الفقرة هو أن التقرير يعترف بسلطة الدولة المغربية ومؤسساتها على ما سماه بـ "Sahara occidental" وهو الاعتراف الواضح مما ضمن في تلك الصفحات كما يتبن فيما بعد.

فبعدما أكد التقرير على الانشغال بطول أمد الصراع في القضية الصحراء شدد على ما يخلفه ذلك الوضع من آثار على الأمن وعلى احترام حقوق الانسان والتعاون في المنطقة، معتمدا على الخصوص على قرار مجلس الأمن رقم 2099 (2013) الذي أكد على أن حل النزاع المفتعل في الصحراء لن يكون إلا سياسيا ومقبولا من طرف الجميع، مشيرا إلى الاقتراح الذي تقدم به المغرب من أجل وضع حد لهذا النزاع.

غير أن ما يلفت النظر هو اعتراف التقرير بالمؤسسة الدستورية المغربية أي المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتبارها تشتغل في كل من الداخلة والعيون، إذ ورد في الصفحة 186 من ذلك التقرير:

Et à salué le renforcement des commissions du conseil de l’homme présent à Dakhla et Laayoune

بل إن التقرير المذكور لم يكتف باعتراف باشتغال مؤسسة دستورية للدولة المغربية في كل من الداخلة والعيون، بكل ما يعني ذلك من اعتراف ببسط سلطة الدولة المغربية في تلك المناطق، بل إن التقرير ذكر بكون الاتحاد الأوروبي مول ودعم ماليا هذه المؤسسة الدستورية للدولة المغربية في مهامها في كل من الداخلة والعيون، إذ ورد في الصفحة 187 من ذلك التقرير ما يلي:

En 2013 UE à signé un programme d’aide à la coopération bilatérale intitulé "Protection et promotion des droits de l’homme"  ce programme, en cours de mise en œuvre contribue notamment à renforcer les capacités institutionnelles du Conseil National des Droits de l’Homme et de ses commission régionales ainsi  que celle présents à Dakhla et à Laayoune

بل إن التقرير سيقرر ويعترف بكون المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤهل لمراقبة ومتابعة قضايا حقوق الإنسان في هذه المنطقة، إذ اضاف الممثل الخاص الأوروبي في تقريره ما يلي:

le CNDH sera renforcé en ce qui concerne ses compétences professionnelle et sa capacité à observer la situation des droits de l’homme

وهو ما يجعل التعديل المدخل متناقض أشد ما يكون التناقض مع خلاصات الممثل الخاص الأوروبي لحقوق الانسان.

فإذا كان التقرير المنجز من قبل الخبراء والهيآت العليا في الاتحاد الأوروبي تعترف لمؤسسة من مؤسسات الدولة بتواجدها القانوني واشتغالها العادي في كل من الداخلة والعيون، بل واعترافها بأن تلك المؤسسة مؤهلة لملاحظة وتتبع قضايا حقوق الإنسان في الصحراء، فما هي مشروعية التعديل الذي أدخل بعض البرلمانيين على أصل ذلك التقرير وأصل تلك الخلاصات.. وهو ما يؤكد أن ذلك التعديل هيئ في آخر لحظة ويظهر أنه لم يكن موضوع نقاش لينسجم مع صلب التقرير وصلب تلك الخلاصات.

ومما يؤكد طابع تناقض التعديل ليس فقط مع خلاصات التقرير المشار إليه، بل حتى مع مقررات البرلمان الأوروبي نفسه الذي اعترف للمغرب بسيادته على كل أراضيه هو ما يلي:

وبالفعل فإن البرلمان الاوروبي أو أي دولة أو هيأة دولية عندما تعترف بمشروعية إجراء انتخابات في منطقة معينة، فإنها تعترف بكون الدولة التي نظمت تلك الانتخابات تملك شرعية تمثيلية لتك المناطق وشرعية تواجدها في تلك المناطق و تملك شرعية بسط سلطتها على تلك المنطقة.

وبالعودة للبرلمان الأوروبي نجده اعترف بشرعية تنظيم المغرب للانتخابات في أراضيه الصحراوية سنة 2011 وهو ما يعني، في القانوني الدولي بكونه يعترف للمغرب ببسط سلطته على تلك المناطق.

وبالفعل فإنه بالرجوع إلى مقررات البرلمان الأوروبي المتعلق بتقييم علاقة الشراكة من أجل الديموقراطية بينه و بين المغرب المنجز اخير نجدها تضمنت في الفقرة 6 منه ما يلي:

L’assemblée note avec satisfaction que le Maroc à fait un pas important sur le voie des réformes démocratiques en adoptant en juillet 2011, la nouvelle constitution qui concerne certains principes essentiels comme l’attachement aux droits de l’homme universellement reconnus

فهذه الخلاصة هي اعتراف من البرلمان الاوروبي بسلطة المغرب على كل ترابه لأن دستور 2011 استفتي فيه الشعب المغربي بما فيه اخواننا في المناطق الصحراوية.

بل أن البرلمان الأوروبي ذهب في ذلك الاعتراف إلى أبعد من ذلك عندما اعترف بحق في تنظيم الانتخاب في المناطق الصحراوية سنة 2011 وهي انتخابات نظمها المغرب في جميع ترابه بما فيه مدن الصحراوية من العيون والداخلة ولكويرة وغيرها، إذ نص البرلمان الأوروبي في الفقرة 10.6 على ما يلي:

 

10.2 - note que, en dépit des irrégularités signalées la plupart des  observateurs nationaux et internationaux y compris une commission ad hoc de l’assemblée ont faite un bilan positive des élections législatives anticipé de 2011

فالبرلمان الأوروبي عندما اعترف بشرعية الانتخابات التي نضمها المغرب في سنة 2011 فهو يعترف بشرعية تواجد الدولة المغربية وتمثيليتها لهذه المناطق.

وفي هذا السياق، أي سياق الاعتراف بتواجد واشتغال المؤسسات الدستورية للمغرب (المجلس الوطني لحقوق الإنسان) والاعتراف بحق الدولة في تنظيم الانتخابات وشرعية هذه الانتخابات في المناطق الصحراوية، يكون البرلمان الأوروبي قد اعترف  بمقتضى القانون الدولي، وبمقتضى التزاماته المشار إليها أعلاه، بحق المغرب في التواجد وتمثيل كل التراب المغربي بما فيه المناطق الصحراوية وحقه في مراقبة وضمان حقوق الانسان لها مثلها يقوم به في  باقي مناطق المملكة.

وهذه الحقائق الثابتة من وثائق البرلمان الأوروبي هي التي تضحد وتفند أسس التعديل الذي أدخل على تقرير الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي المكلف بحقوق الإنسان.

 

وأنه يظهر أن ذلك التعديل جعل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، مجلسا وبرلمانا، في وضعية التناقض الواضح مع ما سبق له أن اتخذه من مواقف اتجاه المغرب.